بسبب الاستعمال المفرط للأجهزة الذكية التوحد الافتراضي خطر يهدد الأطفال تشتكي الكثير من الأسر في السنوات الأخيرة من إدمان الأطفال على الأجهزة الالكترونية بمختلف أنواعها على غرار الهواتف الذكية واللوائح الرقمية والالعاب الالكترونية بحيث يمضي الاطفال ساعات طوال امام تلك الاجهزة ويبحرون في عوالم خيالية تؤثر على سلوكاتهم وتفاعلهم الاجتماعي الى جانب تسببها في الرسوب المدرسي بسبب الانشغال الكبير للاطفال بها على حساب الدراسة كما أن تلك الأجهزة تعزل الأطفال عن العالم الخارجي حتى باتت أعراضها مماثلة لمرض التوحد وأضحى خطر التوحد الافتراضي يهدد أطفال العصر الالكتروني مما يستدعي دق ناقوس الخطر. نسيمة خباجة /ق.م شهدت البشرية توسعا هائلا في العولمة الافتراضية بدءاً بمجالات التدريب في التخصصات المختلفة ووصولاً إلى ممارسة هذه التخصصات بل وما يلاحظ أيضا من غزو عالم الترفيه مجتمعاتنا عبر الوسائل المرئية كالتلفزيونات والشاشات الضخمة وغزو خصوصيات الأفراد عبر شاشات الأجهزة المحمولة الذكية متمثلا في عدد كبير من الألعاب التي يتقمص فيها اللاعبون أدوارا بعينها أثناء اللعب. ولذا حان لنا أن نقف متسائلين عن تأثيرات هذه الصيحات الإلكترونية على النشء من أبنائنا الصغار من عدة وجهات تأتي في أولوياتها التأثيرات النفسية والسلوكية. عزلة اجتماعية يرى المختصون أن العالم الافتراضي يمثل بيئة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد يقوم فيها المستخدمون بتجسيد شخصيات افتراضية تتواصل فيما بينها ضمن منظومة قواعد وقوانين تحكم هذا العالم. وتمثل كلمة افتراضية Virtual توصيفا لهذا العالم غير الواقعي حيث يمتزج فيه الواقع والخيال بشكل عميق وهو ما يمثل التطور المتسارع في عالم التطبيقات الحاسوبية وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي أيضا كأحد هذه العوالم الافتراضية وقد أظهرت بعض الدراسات الأميركية الحديثة أن تزايد عدد الساعات التي يقضيها الشخص في هذه العوالم الافتراضية بأنواعها المختلفة تؤثر على سلوكه الاجتماعي وقدرته على التفاعل والتواصل مع الآخرين بشكل سلبي للغاية. أطفال في مواجهة التوحد الافتراضي هناك العديد من الدراسات الحديثة التي أجريت حول تأثيرات العولمة الافتراضية على السلوك عند الأطفال والمراهقين على رأسها دراسة أمريكية قامت بها جامعة صن شاين في شهر سبتمبر من عام 2017 وقد خلصت إلى ظهور أعراض مثل ضعف القدرة على قراءة المشاعر وتكوين الصداقات عند الأطفال والمراهقين مرتبطة بالاستخدام المتزايد للعالم الافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما سماه المتخصصون في بعض الدول _الأوروبية مثل فرنسا ورومانيا بالتوحد الافتراضي (Virtual Autism) حيث تضعف صلة الأطفال والمراهقين بواقعية التفاعل الاجتماعي وتعلم المهارات الاجتماعية والتواصلية الأساسية وهو ما يتماثل مع نمط أعراض اضطراب طيف التوحد. دراسة أسترالية مماثلة تثبت أيضا ضعف القدرة على التعرف على مشاعر وقراءة تعبيرات الوجه عند مستخدمي التطبيقات الرقمية بكثافة مقارنة بالمستخدمين الأقل عددا من هذه التطبيقات أو غير المستخدمين لها على الإطلاق وهو ما قد يتطور في المستقبل إلى اضطراب ضعف القدرة على فهم المشاعر والتعبير عنها مثل عدم القدرة على إدراك الكذب في الحديث أو ضعف القدرة على تقبل الاختلاف في وجهات النظر والتعبير عن وجهة النظر بطريقة وكلمات غير لائقة. ارتفاع معدلات مرض التوحد تاريخ الدراسات الإحصائية المتعلقة باضطراب طيف التوحد في الولاياتالمتحدة الأميركية يظهر أن معدلات الإصابة أو التشخيص باضطراب طيف التوحد قد ارتفع بشكل كبير في العقود الأخيرة حيث أشارت الدراسات إلى أن معدل الإصابة في عام 1975 كانت طفلا واحدا _من كل 5000 طفل في حين ارتفعت المعدلات في عام 2005 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 500 طفل إلى أن وصلت المعدلات مؤخرا وتحديدا في عام 2014 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 68 طفلا ولا يمكن أن نغفل نتائج بعض الدراسات والإحصائيات الحديثة التي أشارت إلى أن معدلات الإصابة في الوقت الحالي قد ارتفعت إلى معدل خطير وصل فيه معدل التشخيص إلى حالة من كل 45 وهو ما يعني أن معدلات الإصابة في الولاياتالمتحدة قد ارتفعت إلى 100 ضعف معدلات تشخيص حالات اضطراب طيف التوحد مقارنة مع إحصائيات عام 1975 ومثله الحال في الدول العربية على غرار الجزائر بحيث أن معدل الإصابة بمرض التوحد يشهد تناميا سنة بعد اخرى وتتزايد التخوفات خاصة وانه مرض يستدعي التكفل والرعاية الكاملة للطفل المصاب في ظل نقص الإمكانيالت على أكثر من صعيد من حيث التمدرس والعلاج رغم الجهود المبذولة إلا أن نقص التكفل وانعدام الرعاية الكاملة تبقى من بين النقائص التي تعاني منها تلك الفئة. العصر الإلكتروني سبب الجدير بالذكر أن بعض الأطفال الذين يتم تشخيصهم باضطراب طيف التوحد تتغير لديهم أنماط ظهور الأعراض وتأثيرها بعد تقليل أو إيقاف استخدام تطبيقات العوالم الافتراضية ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية بشكل كامل. ولكن يجب الحذر بشدة من اعتبار هذه الأجهزة أحد مسببات اضطراب طيف التوحد وهو ما يحاول البعض الترويج له ولكن التفسير الأقرب يتمثل في أن التقليل أو الإيقاف لاستخدام الأجهزة الإلكترونية وتطبيقاتها المختلفة يقلل من انشغال الأطفال بها ويسمح بزيادة فترات التفاعل المباشر لهم مع المحيطين مما ينعكس بشكل إيجابي على نمط سلوك التواصل الاجتماعي. ولإزالة الغموض واللبس نقول إن الدراسات قد خلصت إلى أن الاستخدام المفرط للأجهزة اللوحية والهواتف الذكية قد يعتبر عاملا مساعدا لإظهار أنماط سلوكية قد تتشابه مع نمط السلوكيات التوحدية ولكنه لا يمثل سببا مباشرا لظهور الأعراض اللازمة لتشخيص اضطراب طيف التوحد حيث لم يدعم هذه الفرضية البحث العلمي بعد. كما تجدر الإشارة إلى أن التقليل من استخدام الأجهزة الإلكترونية بأنواعها المختلفة كان له تأثير إيجابي علي الأطفال والتي تمثلت في تقدم مهارات التواصل الاجتماعي والتفاعل مع من حولهم بشكل أفضل. توصيات وقائية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال خلصت في اجتماعها السنوي لعام 2016 الذي حضره أكثر من 10000 طبيب أطفال عند وضع التوصيات لعام 2017 فيما يتعلق بالأوقات الموصى بها أمام الأجهزة الإلكترونية باختلاف أنواعها بالنسبة للأطفال وهي كما يلي: - الأطفال تحت سن السنتين لا يسمح لهم على الإطلاق باستخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو مشاهدة التلفزيون لما لذلك من أثر سلبي شديد على نمو الطفل اللغوي والاجتماعي والسلوكي. - الفئة العمرية من عمر السنتين حتى عمر الخمس سنوات (2 - 5 سنوات) يسمح لهم فقط بساعة واحدة يوميا. - بالنسبة للأطفال الذين تزيد أعمارهم على الست سنوات فيكون للأهل الحرية في اختيار الفترة الزمنية المسموح بها ولكن يجب الحذر الشديد من المحتوى المقدم لهم. وتنصح الجمعية الأميركية والعديد من الجمعيات العلمية الدولية بضرورة إعطاء الأطفال الفرصة لممارسة الحياة الطبيعية وما تتضمنه من تفاعلات مع الأقران والأهل لإكسابهم المهارات الأساسية للتفاعل الاجتماعي واللغوي بدلا من حصر خبراتهم مع شاشات تقدم لهم عالما اصطناعيا يفتقر لمقومات الحياة الطبيعية.