وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ المخرج من فتنة الشيطان ليس هناك مَخرجٌ من فتنة عدو الله إبليس إلاَّ باقتفاء الطريق المستقيم والسير عليه السير القويم قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ولقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فخطَّ خطًّا بيده ثم قال: هذه سبيل الله مستقيمًا وخطَّ عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السُبل ليس فيها سبيل إلاَّ عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ الآية رواه النسائي. فالشيطان إنما يظفر بمن حاد عن طريق الله جلَّ وعلا وطاعته وأمَّا من اقتفى سبيل الهدى وخالف الوساوس والهوى وجاهد نفسه بالتقى فليس للشيطان عليه سبيل وما له عليه من دليل..فما هي معالم هذا الطريق؟ الأول - توحيد الله جل وعلا: فلقد تقدم أن غاية الشيطان في إضلال الإنسان هي الإيقاع به في براثن الشرك وأوحال الكفر ومُوجبات الخلود في النار فهذا هو غاية مراده ومطلبه وإنما يقنع من الإنسان المعاصي دون الشرك إذا هو يئس في امتحانه فيه وتدنيسه بأوساخه وويلاته ومن هنا فإنَّ صاحب التوحيد الخالص أبعد الناس عن مصائد الشيطان ومكائده لأنه مهما ارتكب من ذنوب ومهما أوقع الشيطان فيه من المعاطب والعيوب فإنَّ الله جلَّ وعلا يغفر له ذنبه ويقبل منه توبته إذا هو أتاه بخالص التوحيد لا يشرك به شيئًا قال تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه رواه مسلم. فمن هذا يظهر أنَّ بركة التوحيد تحفظ المسلم الموحِّد من مغبَّات وساوس الشيطان وتفوت عليه إضلاله وشطحاته. قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ . فأمَرَ سبحانه بالعلم بكلمة التوحيد وفي ذلك وجوب بذل الجهد في فِقه العقيدة والإيمان ما لا يخفى على أحد.. والسِّرُّ في أنَّ التوحيد الخالص يحول بين المسلم وبين وساوس الشيطان أنَّ التوحيد نورٌ في قلب المؤمن ولا يسكن الشيطان محلاًّ قد شعَّ فيه نور الإيمان. الثاني - العلم: فإنما يقع في أحضان الشيطان أحد اثنين: الأول عالم لا يعمل بعلمه والثاني جاهل بالدين يعبد ربه على غير علم أو بينة. فأما العالم الذي يعمل بعلمه فمدخله الشهوة والغفلة ومتعلقاتهما من الغضب ونحوه. وأما الجاهل بالدين فيدخله الشيطان إمَّا بتزيين عبادته الباطلة فيُوقعه في ألوان البدع والضلالات وإما بتثبيطه عن تعلُّم الدين واتباع هدي سيد المرسلين فالأول مدخله البدعة والثاني الإعراض عن دين الله لا يتعلَّمه ولا يعمل به. ولذلك فإنَّ سلاح العلم أفتك بالشيطان من مجرَّد العمل بغير علم ولذلك ورد في فضل العلم نُصوص كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رواه الترمذي. والسِّرُّ في كون العلم من مقامع الشيطان هو اشتماله على وسائل النجاة من حِيَل إبليس ومكائده واشتماله على التعريف بمداخله وأساليبه واشتماله على مقويات الإيمان ودلائل التوحيد وآيات الثبات على الدين. الثالث - الإخلاص: فإنَّ عدوَّ الله قد بيَّن أنَّ الإخلاص هو مناط النجاة من إغوائه وتغريره قال تعالى عنه: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ . وقال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ . وقال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ . يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: فتضمَّن ذلك أمرين: أحدهما نفي سُلطانه وإبطاله على أهل التوحيد والإخلاص. والثاني إثبات سُلطانه على أهل الشرك وعلى من تولاه. ولَمَّا علم عدوُّ الله أنَّ الله تعالى لا يُسلِّطه على أهل التوحيد والإخلاص قال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ..فعلم عدو الله أنَّ من اعتصم بالله عزَّ وجل وأخلص له وتوكَّل عليه لا يقدر على إغوائه وإضلاله وإنما يكون له السلطان على من تولاَّه وأشرك مع الله فهؤلاء رعيته فهو وليهم وسلطانهم ومتبوعهم. الرابع - احفظ الله يحفظك: فوسائل الوقاية من إبليس هي نفسها عبادة الله جلَّ وعلا كما أمر ومجاهدة النفس على الطاعة ومفرداتها في كتاب الله وسنة رسوله كثيرةٌ جدًّا يصعب حصرها وإنما على المسلم أن يطرق وسائل الحفظ سالكًا طريق الحفاظ على الفرائض والواجبات مُنتهِيًا عما نهى الله جلَّ وعلا عنه من الموبقات والمحرمات ومُستكثِرًا من الفضائل والخيرات. فإذا علم الله جلَّ وعلا منه إخلاصًا في عبادته ويقينًا في حفظه جمع عليه أمره وهداه إلى كلِّ وسائل الوقاية والعلاج من خطرات الشيطان ونفثاته. ومن أهم ما يُنصَح به المسلم في وقاية النفس من إبليس الحفاظ على الصلاة في وقتها مع الجماعة فقد قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ .والله تعالى أعلم.