مراصد إعداد: جمال بوزيان أخبار اليوم ترصد آراءً حول الإشراف على المذكرات الجامعية أساتذة مضطرون لمهمات تعليمية وأخلاقية تجاه الطلبة الباحثين يشكو كثير من الأساتذة وأيضا الطلبة من سلبيات الإشراف على المذكرات الجامعية والتأطير عموما خاصة تأخير الآجال والإشراف على رسائل عديدة ومذكرات منسوخة طبق الأصل من أعمال سابقة ودرجات الأساتذة المرتفعة جدا للطلبة لا سيما أثناء المذكرات ومشكل منحة الإشراف.. وغير ذلك مما تعرفه إدارة الجامعة والأساتذة والطلبة. سألنا أساتذة عن واقع الإشراف ومعايير اختيار الأساتذة المشرفين ومقترحاتهملنجاحهم في أعمالهم ووفق الوظائف المحددة لهم كي يثمر التعليم العالي ظهور جيل متكون قادر على رفع المشعل وتحمل مسؤولياته كاملة غير منقوصة للمشاركة في بناء الوطن وخدمة المجتمع والمساهمة في البناء الحضاري العالمي. الدكتور محمد عبد النور أستاذ جامعي : نوعية مضامين الرسائل الجامعية عامل حاسم في تحديد جودة التعليم العالي تشكل رسائل التخرج ثمرة المرحلة التكوينية للطالب في تخصصه لذلك فهي اختبار غير تقليدي يتجاوز السؤال المباشر في الاختبارات العادية التي ترتكز على مقياس محدد يطلب من الطالب الإلمام به ولا تتشابه رسالة التخرج مع الامتحان العادي إلا في كون الطالب مطالب بإنجاز بحث ذي مواصفات ومعايير محدّدة أما الإنجاز فلا يكون داخل قاعة محروسة وفي وقت محدود لا يتجاوز الساعة ونصف إنما البحث المطلوب إنجازه يلازم الطالب شهورا عديدة ويرافقه في ذلك مشرف يساعده في خطوات وطريقة الإنجاز. وجوهر رسالة التخرّج هو أنه بحث يصهر فيه الطالب كل ما كان قد حصّله خلال سنوات التكوين إضافة لقراءاته المتخصصة وانتهاء إلى اللمسة الإبداعية والإضافات التي يكشف فيها الطالب الباحث عن شخصيته العلمية المتميزة ليس فقط بالإنجاز المتين الملتزم بالمنهج العلمي والبحثي إنما أيضا بما قد يتوصل إليه من كشوف علمية أو تجديد منهجي. لذلك فإن عمل المشرف تحديدا هو تأطير الباحث في بحثه ليس بإعادة تدريسه الخطوات المنهجية ولا أن يكون رقيبا على أسلوبه اللغوي ولا تعليمه كيفيات تلخيص النصوص ولا طريقة الاقتباس الصحيح.. إلخ فالتأطير مبدئيا هو مرافقة علمية للطالب من أستاذ سبقه في خبرة التخصص وموضوع البحث فالمشرف ينير للطالب بعض جوانب موضوعه أو يساعده على بعض الاختيارات المنهجية والنظرية لا غير وهو في الأخير أيضا مؤطر إداري يعطي إشارة البدء في البحث ونهايته. لكن إذا جئنا لواقع إنجاز الرسائل والإشراف عليها فنجد أولا أن الأستاذ المشرف يضطر ابتداء للقيام بمهمة تعليمية وأخرى أخلاقية تعليمية من حيث اضطراره لتكرار الدرس المنهجي على طلابه الباحثين وأخلاقية بتنبيههم إلى ضرورة الابتعاد عن الانتحال العلمي جزئيا أو كليا ذلك أن أول المشكلات التي تعيق السير العادي والمثمر للرسائل الجامعية هو الاقتباس الحرفي المباشر للنصوص من الشبكة الإلكترونية والكتب والدراسات المطبوعة دون الالتزام بالإشارة للمصدر في الهوامش وغالبا ما تكون النصوص المنتحلة غير مؤهلة لأن تتخذ مرجعا في رسالة جامعية خاصة تلك المنتحلة من الإنترنت . إن هذه الجزئية تكشف عن خلل كبير ليس فقط في تكوين الطالب إنما أيضا تجعلنا عن نتساءل عن فاعلية المنظومة في قدرتها على إبلاغ الطالب درجة الاقتدار على إنجاز الأبحاث عند بلوغه المرحلة التي يطلب منه ذلك بقول آخر إن الطالب يصل إلى مستوى يطالب فيه بإنجاز الرسالة وهو لم يحصّل بعد شروطها التكوينية التي تجعله يقدّم عملا محترما يمكن أن تكلف لجنة أساتذة بمناقشة عمله ولا حقق الكفاءة التي من أجلها يحصل على شهادة التخرج. إن معضلة الانتحال البحثي الحاصل في الرسائل العلمية اليوم بشكل رهيب في الرسائل والأبحاث الجامعية عموما لا يعود أساسا إلى مسألة الضمير العلمي بقدر ما يعود إلى أن الطالب يجد نفسه مضطرا لإنجاز بحث لم يتدرب سابقا لا على إنجازه ولا قام بتحصيل شروط إنجازه فالبحث أصبح للطالب الجامعي بمثابة ولادة قيصرية تكون في الغالب مشوهة وتحمل عاهات ونقائص لا يمكن جبرها. ونحن اليوم نعلم أن القيود الأكاديمية الدولية على السرقة العلمية (Plagiarism) صارمة جدا ومن بينها مثلا أنه لا يتسامح مع أكثر من خمس كلمات متتالية تتطابق مع المصدر الأصلي حتى إذا كان الاقتباس أمينا ومشارا له فكيف باقتباسات بالجملة أحيانا توجد في صلب إشكالية بعض الأبحاث!. لقد ركزت على مسألة الانتحال للدلات التي يحملها وهو مما لا يمكن التسامح معه وأصبحت الجامعات اليوم أكثر تشددا في الموضوع فهي في الواقع فضيحة علمية وأخلاقية أما المشكلات الأخرى التي تحملها الرسائل العلمية فهي صادرة غالبا عما يأتي: الضعف اللغوي وعدم إتقان اللغة العربية كتابة ومشافهة وهذا إشكال قاعدي يعود في أصله إلى مستويات التكوين الدنيا ويمكن استدراكه بتوفير تكوينات خاصة تعنى برفع المستوى اللغوي للطلبة على مستوى الجامعات. عدم الخضوع للتدريب الجدي على إنتاج الأبحاث العملية والاكتفاء بالتحصيل النظري على الجوانب المنهجية لإنجاز الأبحاث وذلك ما يكون ناتجا غياب المنطق التطبيقي للعلوم والانغماس في التعليم الصوري. الاختلاف في طرق ومعايير تقييم الرسائل الجامعية بين أعضاء هيئات التدريس في أقسام الجامعات فانحسار مفاهيم التكوين العلمي وممارسته وضمورها أدّى إلى حالة من انفلات بلغ إلى حد الاختلاف بين ما هو علمي وهو غير علمي. ومن النقطة الأخيرة يمكن أن نتوصل إلى العلة التي تجعل المشكلة متكررة من الناحية الكمية ومتفاقمة من الناحية الكيفية وأعني بالتفاقم هو تدهور مستوى الرسائل الجامعية أكثر فأكثر مع مرور الوقت وذلك عندما تنسى أهميتها وتغيب غاياتها فالرسالة الجامعية هي الصورة الرمزية الأساسية لكل جامعات العالم لكونها هي الرابطة الرئيسية بين الكفاءة العلمية والقدرة على الإنتاج العلمي ذلك أن الكفاءة العلمية التي يتم تحصيلها خلال سنوات التكوين هي التي تخول الطلبة الباحثين إنجاز رسائل تخرج في المستوى العلمي المطلوب وأن الإنجاز المتين للرسائل الجامعية هو من جهة أخرى دليل امتلاك الجامعة إمكانيات تخريج أكفاء ومجتهدين في تخصصاتهم يمكنهم تولي مناصب تعليمية وبحثية تساهم في الرفع من مستوى الجامعة وتقديم إسهام في مجال التنمية والنهوض ببلدها. هكذا فإن عدم الوعي بأهمية الرسائل الجامعية ومحوريتها في النشاط العلمي الأكاديمي للإنسان الجامعي سيؤدي إلى فقدان تدريجي للهدف من التعليم الجامعي الذي سيفقد البحث العلمي والتكوين العالي كل جدواه وأهميته لذلك يجب ألا يخرج تقييم أبحاث التخرج عن إطار المتانة العلمية منهجيا ونظريا فعندما يتلكأ الأستاذ عن التقييم العلمي الصارم للرسائل الجامعية فإن ذلك سيعزز ذهان السهولة في نفسية الطالب الجامعي ويغدو الإنجاز السريع للرسائل ثقافة متداولة وقد تتواطأ عليها حتى بعض محلات إنتاج الأبحاث المعروف عنها بيع الأبحاث تلاميذ المراحل الدنيا ويصبح إنجاز الرسائل الجامعية ضربا من الواجب غير المرغوب والخالي من كل روح علمية. الدكتورة ربيعة برباق أستاذة جامعية : الإشراف على المذكرات الجامعية يتجاوز المنصب والدرجة العلمية إلى مقومات نفسية وفكرية وأخلاقية إن الإشراف العلمي ليس تشريفا بل هو مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مسؤولية علمية وتكليف متعب يفترض ألا يحظى به إلا الجاد الأمين الذي يحترم قداسة العلم ويدرك قيمته ويحرص على اكتسابه وتطويره. بدءا بالمؤسسة وانتهاء بالباحث. وعلى الأستاذ المشرف أن يتحلى بكفاءة خاصة تؤهله لأداء مهمة الإشراف كفاءة تتجاوز منصبه ودرجته العلمية إلى مقومات نفسية وفكرية وأخلاقية إذ عليه أن يمتلك الذكاء البحثي والنباهة المنهجية في تأطير طلبته بالإضافة للقدرة النفسية على الصبر والحكمة وحسن المعاملة التي تمكنه من مرافقة الباحث ورعاية البحث وتتبعه والحرص عليه إلى أن يخرج على أكمل وجه. والمشرف الحقيقي _في رأيي_ هو الذي يصنع باحثا ناجحا قادرا على نقد المعرفة السابقة والاستقلال برأيه والثقة في فكرته في ظل احترام جهود الآخرين والتحلي بالأمانة والموضوعية العلمية. أما الباحث الناجح فهو ثمرة مشرف ناجح مشرف لايكتفي بالإغداق على طالبه بكم من معلوماته ونصائحه وتوجيهاته المنهجية وتصويباته العلمية وتدقيقاته اللغوية بل الذي يتبناه نفسيا ويحتويه فكريا إلى أن ينضج. وللأسف جامعاتنا _في ظل ظروفها الحالية_ قليلا ما تتوفر على هذا المشرف المثالي. وأعتقد أن الأسباب كثيرة وكلها تعود إلى ضعف المنظومة الجامعية والسياسات الخاطئة التي أدخلتها في حالة لا استقرار سأقتصر على ذكر أهمها وهي: 1 - أن المؤسسات الجامعية لا تحمل مشروعا علميا حقيقيا وهي على قطيعة شبه تامة مع المجتمع الخارجي ومؤسساته المختلفة. فمعظم مشاريع البحث وموضوعاتها المقترحة غير مفيدة وغير جادة ولا مجددة. 2- الضغط الخانق الذي يعاني منه الأستاذ المشرف والذي تستنزف طاقته بين مختلف المستويات والتخصصات والمقاييس إشرافا وتدريسا. 3- الفوضى المؤسسية والحالة الاجتماعية التي يعيشها الأستاذ الجامعي لا توفر جوا ملائما للبحث العلمي ولا للإشراف والمرافقة الدائمة لطلبته. 5- إن تقييم مشاريع البحث المقترحة من الأساتذة لا يقوم على أسس علمية حقيقية بسبب الفساد الإداري الذي أصابت عدواه اللجان والمجالس العلمية وصار تقييمها للمشاريع المقدمة وإسناد الإشراف قائما على العلاقات والمصالح وتصفية الحسابات. 6- ضعف المقابل المادي والمعنوي الذي يستحقه جهد المشرف نظير تعبه. وعدم التزام بعض الجامعات بدفعه حين يتجاوز الباحث تسجيله الثالث في نظام (آل.آم.دي) والرابع في النظام الكلاسيكي رغم أنه من حقهم التمديد لسنتين أخريين. 7- عدم الحياد والجدية في مناقشة بعض الأبحاث وعدم احترام المعايير العلمية والموضوعة في اختيار اللجان المختصة. 8- ضعف التكوين القاعدي المسبق للباحث الذي يوجه إلى الجامعة مقارنة بالمدارس العليا في كثير من التخصصات مما يصعب على المشرف استدراك كثير من مقومات وشروط الباحث الجاد والكفء وتكوينه. 9_ ضعف مصداقية بعض امتحانات مسابقة الدكتوراه بسبب فكرة الحصة الكوطة التي لا يشترط فيها مستوى المترشح ومعدله أو من حيث طبيعة الأسئلة وشموليتها مما يفتح باب الحظ لنجاح بعض الطلبة ذوي المستوى المحدود أو من حيث جدة التنظيم وإحكامه مما يمنح فرص النجاح بالغش وبالتالي نجاح طلبة غير قادرين على إنجاز بحوث في الوقت المحدد والمستوى المطلوب. وهذا الأمر يرهق المشرف كثيرا إذ يقضي وقته يتتبع ركاكة الأسلوب وضعف اللغة بدل أن يضيف للموضوع وأفكاره كما يحرمه من حقه في منحة الإشراف بسبب تجاوز الطالب المدة القانونية لإنجاز البحث. 9- ضعف الدور الذي تؤديه المخابر العلمية المستحدثة في الجامعة الجزائرية في التكوين والتوجيه عن طريق تنظيم ورشات وملتقيات دورية خاصة بطلبة الدكتوراه والفشل الواضح في تسييرها رغم ما سخر لها من مَبالغ مالية طائلة. كل ذلك أفرز إما باحثا غايته تبرر وسيلته أو باحثا محبطا متعبا مشتتا بين هذا وذاك ومشرفا إما مجرد اسم على ورق سبب كثرة انشغالاته الإدارية والمهنية وإما مشرفا متعبا مستنزفا دون مقابل مادي ولا تشجيع معنوي. وما انجر عن ذلك من تدنّ في مستوى البحث العلمي وسرقات علمية. وبالتالي مشاريع علمية فاشلة أنهكت الجامعة والأستاذ والباحث ماديا ومعنويا. وهذا لا ينفي الاستثناءات الممتازة من الباحثين الذين يخرجون سنويا من الجامعة الجزائرية بفضل جهود بعض إطاراتها المتميزة المستميتة أمام كل الظروف وما تقدمه من تضحيات في سبيل العلموالوطن. وأخيرا أقول: إذا أردنا فعلا ترقية البحث العلمي علينا أن نعيد له قدسيته بالانطلاق من الأساس والمدرسة ثم الجامعة وفرض الصرامة والموضوعية في التقييم وأقترح اعتماد السرية التامة في أسماء الخبراء مع اعتماد نظام الترميز في كل مشروع بحث يقدم للتقييم مهما كان نوعه ومستواه داخل أو خارج جامعاتها بالإضافة لضرورة تثمين جهود المشرفين وتوفير الجو والوسائل الملائمة لأداء مهامهم على أكمل وجه. باختصار يجب أن توفر الدولة والجامعة السياق الملائم والتأطير الضروري والتكفل المادي والتنظيم الواجب والإجراءات الواقعية لضمان مصداقية البحث العلمي والنهوض به.