مراصد إعداد: جمال بوزيان أخبار اليوم ترصد آراءً حول ترقية الأساتذة الجامعات تحتاج تحريراً من رواسب إيديولوجية.. والتعالي والإقصاء لا تزال معايير ترقية الأساتذة المحاضرين صنف (أ) إلى أساتذة التعليم العالي بروفيسور في الجامعات الجزائرية تثير جدلا من حين إلى آخر.. سألنا أساتذة حول شروط الترقية لرتب عليا من الأصناف الأخرى وطلبنا منهم مقترحات. الدكتور مبارك مهدي أستاذ جامعي : حُمَّى الألقاب العلمية والمهنية مؤسف أن تقدس المجتمعات العربية ومنها المجتمع الجزائري حاملي الشهادات والمناصب العليا وتشجع على تضخم ذوات أصحابها من خلال ابتذال استخدام الألقاب العلمية والمهنية في غير موضعها الصحيح. وأعتقد أن المجتمعات العربية خاصة شمال أفريقيا تميزت في هذه السمة أكثر من أي مجتمع آخر على وجه الأرض. فما جذور هذا الخلل؟ هل له علاقة بثقافة تقديس الأفراد؟ أم نزعة زرع الهيبة لأصحاب الشهادات العليا؟ أم إساءة استخدام المنصب أو اللقب العلمي؟ أم رغبة في تكريس البروز والسيطرة وكسب المكانة الاجتماعية؟. فعلى سبيل المثال لقب المهندس يلتصق باسم الفرد الحاصل على شهادة كلية الهندسة سواء كان ذلك في محيط المسجد الجامع أو السوق الكبيرة أو المقاهي أو المجالس العامة والخاصة ناهيك عن البيئة المهنية التي لا اعتراض على استخدام هذا اللقب وغيره في محيطها للأغراض المهنية. والأمر نفسه ينطبق على لقب دكتور (طبيب) الذي يتجاوز استخدامه لهذا اللقب خارج أسوار المستشفيات والعيادات والمدن الطبية إلى درجة أن بعضهم يلحق بهذا اللقب ألقابا أخرى لا يستحقها فيضع حرف الدال في مقدمة اسمه وهو لم يحصل على شهادة الدكتوراه في الطب. ولكن الابتذال الحقيقي والأهم والأوسع انتشارا هو استخدام لقب دكتور في مقدمة أسماء أساتذة الجامعات في المحيطات الأكاديمية وخارجها لدرجة تدعو إلى الاشمئزاز أحيانا من فرط استخدامها في أماكن لا علاقة لها بالعمل المهني أو البيئة العلمية والأكاديمية التي يعمل فيها الدكتور . شهدت مرة موقفا طريفا يتمثل في دعوة أحد الأبناء أباه ب البروف .. ويزداد الأمر سوءا أن هناك من يتشنج عندما يخطئ أحدهم بحسن نية ويناديه بلقب دكتور وهو حاصل على لقب بروف والأسوأ من ذلك أن يناديه أحدهم أستاذ دون إضافة دكتور .. ولكن الأدهى والأمر أن يستخدم هذا اللقب من قبل الحاصلين على شهادات مزورة أو وهمية أو شبه وهمية او شهادات فخرية (كما حاصل في المجال السياسي حيث الشائع هي المتاجرة بالشهادات العلمية). وفي هذا السياق طرحت وزارة التعليموالبحث العلمي في النرويج نظاما بغرامة مالية تصل إلى 22 ألف دولار لمن يستخدم لقب بروفيسور (أي ما يعادل لقب أستاذ التعليم العالي أستاذ دكتور في جامعاتنا) وهو غير حاصل عليه بالفعل لأن من الشائع أن يطلق لقب بروفيسور في الجامعات الغربية على من يدرس في الجامعات والكليات داخل تلك المؤسسات وليس خارجها وهناك مستوى يجب أن يصل إليه الحاصلون على مثل هذه الألقاب بإصدار نظريات أو الإشراف على مشاريع بحثية تخدم جانبا معيناأو تخدم مجتمعا معينا. وهنا يبرز التساؤل: إذا كانت هذه العقوبة لمن يستخدم لقبا علميا لا يستحقه في محيط الجامعات فكيف سيكون الحال؟ وماذا ستكون العقوبة لو استخدمت هذه الألقاب خارج محيط الجامعات في تلك الدول؟!. وللدلالة على ذلك كثير من رؤساء تلك الدول ووزراؤها يحملون شهادة الدكتوراه لكن من النادر استخدامهم لقب دكتور . أخيرا هل نلوم هؤلاء الأفراد؟ أم نلوم المجتمع الذي شجعهم على المبالغة في استخدام الألقاب العلمية والمهنية ومنحهم مكانة اجتماعية ليست من استحقاقهم؟ وعموما بما أن هؤلاء الأفراد هم من فئات المجتمع وأعدادهم في تزايد فأخشى أن تصل هذه الممارسة في مجتمعنا الجزائري خاصة إلى درجة مرض اجتماعي أو اضطراب نرجسي بل ربما يكون هذا نمطا من أنماط الفساد الذي تنبغي مكافحته والحد منه. الدكتورة غزلان هاشمي أستاذة جامعية : الوصاية الغيرية تهمش كفاءات عالية بسبب تصفية فكرية ومعرفية ونفي الاختلاف شروط الترقية في الجامعات الجزائرية بكل أنواعها وتمظهراتها إقصائية في معظم بنودها فهي تخضع الباحثين إلى الوصاية الغيرية وهذا الأمر يسهم في تهميش الكثير من الكفاءات من خلال جعلها وسيلة للتصفية الفكرية والمعرفية ونفي التغاير والاختلاف والاستبداد بالمناصب العلمية والحفاظ على المركزيات التي تخلقها التكتلات إذ الثغرات الموجودة يتم استغلالها من أجل تعطيل الأساتذة الباحثين المختلفين معهم أو تسهيل تمرير ملفات بعض أصدقائهم ومعارفهم وقبولها حتى وإن كانت هزيلة هذا من جهة. أما من جهة ثانية فالباحث الجزائري يشعر بالظلم والاختناق نظرا للمعايير المعتمدة في الترقيات فحصر عدد المجلات التي تقبل الأبحاث المنشورة فيها للترقية إلى درجات أعلى فيه تعنت واضح خاصة وأن الضغط سيكون كبيرا على رؤساء تحريرها بسبب كثرة المواد المرسلة إليها هذا الأمر يؤخر من إخضاعها إلى عملية التحكيم ومن ثمة نشرها بعد تعديلها من قبل أصحابها إذ أحيانا ينتظر الباحث الأكاديمي أكثر من عام حتى يرى بحثه النور وهذا يضطره أحيانا إلى التسول المعرفي وإهدار كرامته من أجل التسريع من عملية النشر أو الحصول على وعد بالنشر على أقل تقدير. كما أن إدراج المناصب الإدارية التي تقلدها الأستاذ الجامعي كامتياز يساعده على الترقية فيه إجحاف كبير في حق من يجتهد في تقديم نتاجات معرفية أصيلة وإضافات للبحث العلمي إذ الاعتماد على هذا المعيار يحبط الباحث الجدي ويساعد غيره على التسلق الاستعاري المعول على تاريخ من المصلحية والتمرير المنبني على التحيز والانتقاء غير العقلاني إذ كثيرا ما وجدنا بروفيسورات معطلة فكريا عاجزة عمليا ودون مستوى درجاتهم بكثير إذ لا يملكون إلا تاريخا معرفيا هزيلا ورصيدا يكاد يعدم فيه النتاج العلمي بل قد تنحصر سمعتهم العلمية في مجرد كتيب واحد وعدد قليل من المقالات التي تم تحصيلها في مراحلهم العمرية الأولى ومن هنا لا تجد لهم تجديدا ولا انخراطا في الواقع البحثي فيمابعد وكأن الدرجة العلمية المحصلة هي نهاية البحث ومنتهى المبتغى وسيدة الأهداف فالتسلق العلمي في سلم الدرجات المعرفية تحول في الفترة السابقة إلى تحصيل حاصل يبلغها الباحث يبلغها الباحث بمجرد تقلد مناصب بطريقة غير مرشدة ولا عقلانية ولا تخضع لانتقاء موضوعي في معظمها وفي ذلك بخس لقيمة المعطى المعرفي والمنجز الأكاديمي وتهميش لكفاءات لم تحصل على الترقيات إلا بعد تاريخ طويل من البحث والتنقيب والنبش والإنجاز. وقد ذكرت في أكثر من مناسبة أن الأكاديمية الضيقة قتل للبحث العلمي الجاد وإعلان عن موت الباحث أو الأستاذ الجامعي إذ بمجرد إحساسه بسلطتها المعيارية وسطوتها المرتكزة على الجشع والمادية المقيتة تضمحل الرغبة في ركوب مغامرة البحث وارتياد عوالم الغوامض والتي يعوضها أحيانا بالركض خلف التوصيف أو المسمى/اللقب دون اهتمام بالتكوين والنبش والإضاءة والإضافة .فما بالك حينما تعزز بهذه القوانين غير المرشدة ولا العقلانية التي لا تسهم إلا في تكريس التمايز وتشجيع الرداءة إذ تتحول في حد ذاتها إلى سلطة قمعية تمارس كل أشكال الإقصاء والتهميش والرقابة على الباحث الجامعي. إن الجامعة اليوم تسهم في تكريس الرداءة من خلال إنتاج شخوص معطلة وعقول منطفئة ونفسيات محطمة لا ترى في المستقبل إلا جانبه المظلم المعتم وهذا يشكل خطرا كبيرا على المجتمع ككل إذ سيتسرب هذا الإحساس إلى كل الفئات على اختلاف مستوياتهم ويضفي إلى إنتاج ذوات مشوهة عاجزة عن إدارة حياتها ككل بكل مستوياتها فنحن لا يجب أن ننسى أن دور الباحث أو الأستاذ الجامعي بوصفه مثقفا يتمثل في تثوير المجتمع وتنوير فئاته وتبصيره بحقوقه وبأهمية الانخراط في البناء والتجديد وترميم الذوات بعد أن هشمتها عقودا من الممارسات القمعية والاستبداد ومجاوزة هذه الأهداف وهذا الدور المنوط به والتزامه الحياد إزاء القضايا الكبرى وعيشه على هامش المجتمع وعدم اكتراثه بالوضع الجامعي المتردي يفسح المجال واسعا لانتشار التفكير الطفيلي. لابد للجامعة من إعادة هيكلة كلية وتحريرها من الرواسب الإيديولوجية القبلية ومن عقلية التعالي والممارسات الإقصائية كما يجب تفكيك المركزيات المقيتة والعصابات المنغلقة في سبيل بناء حوارية معرفية ولن يتسنى لها الرقي مالم تخلق ميكانيزمات وسبلا تشجع من خلالها الباحثين وتحفزهم على النتاج المعرفي الغزير والمتواصل وتحفظ كرامتهم وتنتشلهم من الضياع في عالم الماديات المنغلقة وتفتح باب الحوار وفرصة الإسهام في تأثيث الجامعة معرفيا وكذا إداريا من خلال التعاقب على المناصب وعلى رئاسة المجالس العلمية ناهيك عن ضرورة توسيع قائمة المجلات الأكاديمية المعتمدة في وزارة التعليم العالي خاصة وأن هناك مجلات رصينة معرفيا ومن الظلم لها ولطاقمها وللباحثين رفضها وإقصاؤها. الدكتورة ربيعة برباق أستاذة جامعية : إلغاء أهمية النشر الدولي وتفضيل النشر الوطني يعزل الباحث الجزائري الجامعة هي مخ المجتمع الذي يجب أن يظل في حالة نشاط وإنتاج فكري دائم لتحقيق التطور ومسايرة الركب العلمي والحضاري لذلك توفر له الأمم وتسخر له الإمكانات وتمنحه الامتيازات والتشجيعات التي تكفل له الاستمرار والتطور على غرار المنح والترقيات والتكريمات وغيرها. وقد شهدت جامعتنا أخيرا ترقية دفعة جديدة من الأساتذة الجامعيين إلى رتبة أستاذ التعليم العالي وهي أعلى رتبة علمية يسعى إليها كل أستاذ باحث.. وبهذه المناسبة أتقدم بأحر التهاني للزملاء والأصدقاء الذين تمت ترقيتهم. ومن المعلوم أن هذه الترقية تخضع لشروط إدارية وبيداغوجية وعلمية تحدد بمراسيم وزارية تكيف وفقا لمعطيات ساحة البحث العلمي كمّا ونوعا. تتعلق الشروط الإدارية بالانتماء إلى المؤسسة الجامعية الجزائرية ومزاولة العمل فيها لمدة خمس سنوات دون انقطاع. اما الشروط البيداغوجية فتتمثل في ممارسة الأستاذ نشاطه تدريسا وتأطيرا علميا في جميع المستويات والإشراف على أبحاث التخرج ومناقشتها في طوري التدرج وما بعد التدرج خاصة الماجستير والدكتوراه. وأما الشروط العلمية فتتمثل في الإنتاج العلمي من منشورات واختراعات واكتشافات ومداخلات ومشاريع وكل النشاطات التي يضطلع بها الأستاذ الجامعي إلى جانب وظيفتي التدريس والإشراف. وإن توفر الحد الأدنى من الشروط التي ينص عليها المرسوم الوزاري في ملف الترقية يكفل المرشح حقه في الترشح للترقية شرط توفر المناصب المالية المخصصة لذلك. كل هذا معقول ومقبول من الناحية النظرية والقانونية العامة إلا أن الأمر الذي أراه غير مقبول هو الاضطراب والعبثية في استصدار المراسيم المتعلقة بشروط الترشح مما أضفي حالة من الاضطراب وعدم تكافؤ الفرص وطرق التقييم بين المترشحين من دورة إلى أخرى. فقد يترقى أستاذ بمجلة وترفض ترقية آخر بالمجلة نفسها كما يمكن أن يرقى أستاذ بملف خفيف علميا ويرفض ملف آخر أثقل منه بسبب تغيير في المجلات المقبولة. مما يجعل البحث العلمي خاضعا لمنطق الحظ. وآخر تغيير حدث في شروط الترقية في دورة شهر نوفمبر الفارط لا أراه خادما للباحث الجزائري خاصة فيما يتعلق بإلغاء أهمية النشر الدولي وتفضيل النشر الوطني لأن الأمر سيعزل الباحث عن العالم العربي والأجنبي ويحصر اهتمامه بالمجلات الوطنية بعد أن كان الباحث الجزائري يتصدر تلك المجلات بتميز وتفوق. فالمشكلة الحقيقية بالإضافة لاضطراب القوانين وتغير شروط الترقية هي مشكلة القيمة العلمية لهذه الترقيات ومضمون الأبحاث العلمية والإنجازات المقدمة في ملف المترشح وأسس ومعايير تقييمها. فالنشر العلمي في بلدنا وفي الوطن العربي عموما فقد مصداقيته وقيمته العلمية. لذلك أقترح على الجهات الوصية ما يأتي: 1_ إعادة النظر في معايير اختيار لجان القراءة والتحكيم في المجلات العلمية المعتمدة في الترقيات وكذا في أسس اختيار لجان الترقيات العليا. 2- التزام السرية التامة في أسماء أعضاء اللجان الخبراء والمحكمين في هذه اللجان حرصا على النزاهة والموضوعية العلمية. وفي هذ الصدد أنبه إلى ظاهرة سلبية انتشرت أخيرا في صفحات بعض الزملاء والأساتذة متمثلة في نشر أخبار انضمامهم إلى مثل هذه اللجان التي يفترض أن تكون سرية جدا حرصا على المصداقية والموضوعية في عملهم. 3 -أقترح إنشاء منصة إلكترونية وزارية تتولى فحص الأمانة العلمية للأبحاث والمقالات تكون وحدها المخولة بحرير إشهاد يثبت الملكية الفكرية للباحث قبل تمرير بحثه إلى الخبراء لتقييمه علميا. 4- توفير الشبكة العنكبوتية على مستوى مكاتب عمل الخبراء والباحثين أو تزويدهم ببطاقات خاصة عن طريق شراكة بين وزارة التعليم العالي واتصالات الجزائر. 5- فيما يتعلق بالمؤلفات والكتب العلمية أقترح إخضاع دور النشر للتصنيف القائم على الجودة بإشراف هيئات علمية متخصصة فليس كل مؤلف منشور مقبولا علميا.. أو على الأقل إخضاع المؤلفات بعد نشرها لخبرة علمية عن طريق هيئات خاصة. 6_ إعادة تفعيل دور ديوان المطبوعات الجامعية مع إخضاع المؤلفات المودعة لديه للتشفير قبل الإرسال إلى الخبراء السريين. بديلا موضوعيا عن اللجان العلمية للأقسام التي تسند المطبوعات والمشاريع العلمية والملتقيات للجان على مقاس أهوائها ومصالحها وعلاقاتها الشخصية. وهي كلها نشاطات تدخل في ملف ترقية الأستاذ سواء في التأهيل الجامعي أم في ملف الترقية إلى أستاذ التعليم العالي فيا ويل من خالفها وخرج عن طوعها. بل هناك ممن استغل انتماءه لهذه اللجان أو المناصب الإدارية في تضخيم ملفه العلمي وتمرير مشاريعه وأبحاثه بغض النظر في قيمتها العلمية. 7_ ضرورة تثمين جهود المحكمين وكذا الباحثين الجادين ماديا ومعنويا من أجل تشجيع البحث العلمي ودفعه نحو الأفضل. فالأستاذ الجامعي منهك ومستنزف فكريا بعشرات المقالات والبحوث التي يقيمها ويناقشها سنويا دون مقابل مادي سوى وثيقة تثبت تحكيمه لا تضمن له من حقه سوى ربع نقطة أو نصفها في ملف ترقيته. 8_ وضع قانون ترقية عادل وثابت لا يتغير من دورة إلى دورة يكفل مبدأ تكافؤ الفرص بين الأساتذة والباحثين. وأخيرا أقول:إن الجامعة الجزائرية تزخر بطاقات بشرية هائلة بإمكانها أن تصنع التميز في كل مجالات البحث العلمي فقط ينقصها التشجيع والتثمين والجزاء الحسن وهذا لايتأتى إلا بوجود إرادة سياسية صادقة ومسؤولة تضمن الاستقرار لهذا القطاع الحيوي الحساس الذي باستقراره نضمن استقرار البلاد في جميع المجالات والنهوض بها.