طفت إلى السطح في الأسابيع الأخيرة مجموعة من السرقات العلمية بعدد من جامعات الوطن، ل"دكاترة" و"باحثين" ورؤساء أقسام جامعية، استولوا على بحوث غيرهم ودراساتهم الأكاديمية ونسبوها إلى أنفسهم ونشروها في مجلاتٍ بحثية، وبداهة أن الأمر هنا لا يتعلق بسرقات "عادية" قام بها عوامٌ ودهماء في الشوارع والأسواق، بل بسرقات علمية اقترفها من يُحسب على نخبة المجتمع. المفترض أن لا يحصل الطالب في الدراسات العليا على الماجستير ثم الدكتوراه، إلا بعد جهودٍ مضنية، وبحث معمّقة تدوم سنوات، يقدّم بعدها عصارتها في أطروحة من إنتاجه، وإن استند فيها إلى عشرات المراجع، ويقدّم فيها شيئاً جديداً للعلم، وبعدها يتحوّل إلى كاتب ومؤلف ينشر باستمرار في مجال تخصصه - بالتزامن مع أدائه وظيفة التدريس بالجامعة - كتباً وأبحاثاً ودراساتٍ أكاديمية طيلة حياته لإثراء الساحة العلمية والمعرفية ببلده وخدمة العلم والبحث العلمي. لكن الملاحظ أن الكثير من الأطروحات الجامعية هي مجرّد استنساخ لأطروحات سابقة، لا إبداعَ فيها ولا جديد يُضاف إلى البحث العلمي، وبين الفينة والأخرى تنفجر فضيحة بشأن "السّلخ" الحَرْفي لأطروحات دكتوراه قُدّمت من قبل في دول أخرى، فلا يقوم "لصوص العلم" بأي مجهود آخر عدا استبدال أسماء الباحثين الأصليين بأسمائهم، ويحصلون بعدها على الدكتوراه بدرجة "مشرف جدا". ومنذ سنوات قليلة، قام "دكتورٌ" يدرّس بجامعةٍ في الشرق الجزائري بالسطو على كتاب باحثٍ مغاربي وتقدّم به إلى مسابقة مشرقية، فحصل على جائزة بقيمة مئتيْ ألف دولار، وبعدها تفطنت اللجنة إلى الفضيحة فكشفت المستور و"بهدلت" الدكتور الجزائري في وسائل الإعلام العربية، وجرّدته من اللقب، وتركت له السّحت يأكله بالكذب والسرقة. هناك بالتأكيد الكثير من الدكاترة والباحثين الذين حصلوا على شهاداتهم بجهودهم وجدّيتهم، ولا يزالون يثرون الساحة العلمية والمعرفية في البلد بدراسات وبحوث وكتب قيّمة، ويحظون بكل التقدير والتوقير حينما يشاركون في ندوات وملتقيات فكرية عربية ودولية، ومنهم كفاءاتٌ عالية تدرّس في أرقى جامعات العالم وأدمغة تشتغل في مخابر بحث مرموقة، وكل هؤلاء هم موضعُ فخر واعتزاز الجزائريين جميعاً.. ولكن مثل هذه الممارسات المشينة تسيء إلى صدقية الجامعة وتضرب هيبتها في الصميم وتثير الريبة حول الشهادات العليا، ولاسيما حينما يتابع الرأي العام بعض الدكاترة و"البروفيسورات" على شاشات الفضائيات لا يحسنون الحديث بعربيةٍ فصحى سليمة بضع دقائق، ولا يفرّقون بين الفاعل والمفعول به... لو فُتحت تحقيقاتٌ عميقة في الموضوع لانكشف الكثير من "الفساد العلمي" في جامعاتنا، ولكن إذا تعذر ذلك على الوصاية، فهي مدعوّة على الأقل إلى إيجاد آلياتٍ فعالة لرقابة أطروحات الماجستير والدكتوراه مستقبلاً، ومعاقبة المتورطين في السرقة بإقصائهم مدى الحياة، أو بحرمانهم من تقديم أطروحات أخرى، خلال 5 إلى 10 سنوات، أسوة بمعاقبة الغشاشين في امتحان البكالوريا، وهذا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه واستعادة هيبة الجامعة ومكانة البحث العلمي التي بلغت الحضيض.