على أبواب الشهر الفضيل أوراق من صيام الصالحين والسلاطين ع. شيماء بدر والأندلس وعين جالوت.. فتوحات رمضانية - بن رباح وبن كلثوم أول من أيقظ المسلمين للتسحر - صفة صيام الأولين مع خاتم المرسلين - الملك الأيوبي يضرب المفطرين نهارا رمضان اشرق فالدنا تتطلع.. ظمئا لنور من كتابك يسطع/ ايقظت قلبي فاستفاق ميمما .. شطر الهدى يرنو اليك ويسمع/ ساقوم ليلك داعيا متبتلا.. واظل يومك خاشعا اتضرع/ ياموسم القرآن حسبك نفحة.. هذا الكتاب المستبين الارفع كلمات للشيخ الجليل نصر الدين طوبار كان ينشدها مع مطلع الشهر الكريم.. ونفوسنا في أمس الحاجة لمن يجلي عنها قسوتها وغفلتها ويزيح هموم الحياة والوطن الذي يتقاتل اليوم أبناؤه وتهدر دماؤهم. ولرمضان ذكريات عظيمة في التاريخ فقد شهدت لياليه العشر الأخيرة نزول ملك الوحي جبريل عليه السلام بالقرآن المعظم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وجرت خلال الشهر فتوحات إسلامية ووطنية مشهودة. كما أن رمضان يرتبط بعبادات وعادات محببة للنفوس ففيه يصوم المسلمون نهارهم ويقومون ليلهم – طبعا إذا أعانهم الله على تجنب طوفان المسلسلات والبرامج التليفزيونية – ويتناولون وجبة السحور قبل الصيام والإفطار مع مغرب الشمس وعادة يحبون الاجتماع وصلة الأرحام وذوي القربى بينما طيلة اليوم يتنافس المسلمون على ختم المصحف ويكثرون من الدعاء والاستغفار لأنهم يعلمون أن أبواب الجنة جميعا مفتحة والثواب بلا حساب وهي فرصة لمن اغتنمها فتاب. أما العادات فتختلف من بلد لأخر وإن كان بعضها ذائعا مثل مرور المسحراتي قبيل السحور لإيقاظ المسلمين ومثل موائد الإفطار في الطرقات لكن تعد مصر من أهم البلدان الإسلامية التي تحتفظ بطابع مختلف ومبهج للشهر الكريم فهي تمتلك إرثا منذ العصور الإسلامية القديمة يتردد أصداؤه في رمضان كل عام.. فتشاهد الفانوس ومدفع رمضان الذي وضع أول مرة بقلعة صلاح الدين في عهد الخديو اسماعيل. وقد أصبح التفنن في صنع الأطعمة المحببة من عادات الشهر الكريم وتختلف الأصناف المميزة لرمضان من بلد لأخرى ولدينا في مصر تعد الكنافة والقطائف من أشهر أطباق الحلوى الرمضانية.. وقيل أنهما حلوتان من الشام صنعتا خصيصا لملوكهم الأمويين وخاصة سليمان بن عبدالملك. لكن كيف كان رمضان زمان؟.. في صدر الإسلام يطل علينا بلال بن رباح كأول مؤذن في الإسلام لكنه أيضا إلى جانب بن أم كلثوم هما أول من أيقظ الناس للسحور وقيل أن أول من نادى بالتسحير عنبسة بن اسحاق سنة 228 ه فكان يذهب ماشيا من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادي الناس للسحور. أحوال الصالحين رمضان عند الرسول ص وصحابته كان للعبادة صوما وذكرا وتلاوة للقرآن وإطعام للمساكين وتأمل في ملكوت الله وجاء التابعون على نهج الأولين فكان الشافعي مثلا يختم القرآن ستين ختمة في رمضان. كما حرص الصالحون الأولون على قيام ليل رمضان ما استطاعوا حتى شاع دخول وقت السحور عليهم كما تأسوا برسولهم الذي كان في كرمه كالريح المرسلة في رمضان يعطي كل من يلقاه من رزق الله ووصل بصحابته أن أعطوا السائل آخر ما يملكونه فأصبحوا في رمضان ولم يأكلوا شيئا! وقد قال الحسن البصري: اذا لم تقدر على قيام الليل ولا صيام النهار فاعلم أنك محروم قد كبلتك الخطايا والذنوب أما سيدنا عمر بن الخطاب فقال من قبله مرحبا بمطهرنا من الذنوب عادات سلطانية من الطرائف أن نقرأ عن سلاطين المماليك وهم يجلبون الثلج من جبال الشام وتحمل على جمال حتى ميناء دمياط ومنه للنيل لتنقله البغالة لقصر السلطان بالقلعة ويوضع بالشراب خانة لتبريد الماء والمشروبات لتناولها بعد الإفطار. وكانت بمصر أسواق للشماعين لإنارة الفوانيس وأسواق للحلاوين للحلوى الرمضانية. وفي العصر الأيوبي كان الملك الأيوبي يذيع منشور: يا أهل مصر قد أظلكم شهر مبارك ومن لم يصمه بغير عذر شرعي فقد باء بغضب الله عليه واستحق اشد انواع العقاب واستهدف غضبنا عليه وإنزال اشد عقوبتنا به وكان ينزل بنفسه اول يوم رمضان لمباشرة الاسواق فإذا صادف مفطرا وثبت انه متهاون بحرمة الشهر امر بضربه ضربا مبرحا. وكان المسلمون إذا جاء اليوم التاسع والعشرين من شعبان صعد أحد قضاة الشرع إلي مئذنة الجامع الكبير ومعه مرافقان. وينتظر غروب الشمس. حتي يظهر الهلال او لايظهر. فإن ظهر الهلال أوقد القاضي مصباحا معلقا أعلي المئذنة. فيعرف الجميع أن اليوم التالي هو أول أيام شهر الصوم. ويبدأ موكب الرؤية. يشارك فيه فرسان الشرطة وأصحاب الحرف ومشايخ الطرق الصوفية. وتعلو البيارق والأعلام والزغاريد والأغنيات. ويوزع الشربات والحلو. وتوقد المصابيح علي واجهات المنازل ومآذن المساجد. وفي نواصي الشارع والحارات. وتقام الأذكار في الساحة المقابلة لجامع الإمام الحسن. وتلقي خطبة في فضل شهر رمضان. الأمر نفسه بالنسبة لساحة جامع السيدة زينب. وتطوف بشوارع القرية- أو الحي- جماعات مطبلة صائحة: صيام صيام..كما أمر قاضي الإسلام . ومن أجمل الأغنيات التي يرددها الأطفال في رمضان رحت يا شعبان.. جيت يا رمضان بنت السلطان.. لابسة قفطان وحوي يا وحوي.. إياحه وهذه الأغنية ترجع في نشأتها إلي مصر القديمة. حين كان المصريون يستقبلون أهلة الأشهر القمرية بترديد الأغنيات الشعبية علي ضفاف الوادي. ولفظ وحوي فرعوني أي عمل كما يعمل الحواة. أما أيوحة فهي -في بعض الاجتهادات- مأخوذة من أيوح . ومعناها في اللغة المصرية أبوح الآن يشق السمع دوي المدفع. ويؤكد الخبراء التاريخيين أن مظاهر رمضان وضحت في مصر مع دخول الدولة الفاطمية فكانت هناك مواكب احتفالية للخليفة الذي كان يؤم المصلين بالجمعة والعيدين. ويصف الرحالة ناصر خسرو الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري. التنور الثريا الذي أهداه الخليفة الحاكم بأمر الله إلي مسجد عمرو بالفسطاط بأنه كان يزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة. كما يقول عن جامع عمرو: إنه كان يوقد في ليالي المواسم والأعياد أكثر من سبعمائة قنديل. وإن المسجد يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض. وإذا ما انتهي شهر الصوم تعاد تلك التنانير وكذا القناديل والمشكاوات إلي مكان أعد لحفظها فيه داخل المسجد. كذلك كانت الدولة تخصص مبلغا من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي يصرف لتلك المساجد في شهر رمضان. أما عن نشأة الفانوس فهناك روايات مختلفة أشهر أنه في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي كان محرماً على نساء القاهرة الخروج ليلاً فإذا جاء رمضان سمح لهن بالخروج لأداء التراويح في المساجد بشرط أن يتقدم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوساً مضاء ليعلم المارة في الطرقات أن احدى النساء تمر فيفسحون لها الطريق وبعد ذلك اعتاد الأولاد حمل هذه الفوانيس في رمضان. والبعض يقول أن المصريين عرفوا فانوس رمضان عام 358 هجرية وهو اليوم الذي وافق دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ليلاً فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس الملونة وهتافات الترحيب عند صحراء الجيزة حتى وصل إلى قصر الخلافة. ومن العادات في زمن الفاطميين بعد انتهاء رمضان أن تقوم دار الفطرة بإعداد الكعك وما شابه لتوزيعه في ليالي الفطر والعيد وتعد بالقناطير لتوزع على مجموع المصريين في القاهرة. كما كان يحرص الخليفة على إقامة مائدة إفطار رمضان تسمى سماط بحضور رؤساء الدواوين الحاكم والوزراء. وكانت في هذا الوقت القاهرة مدينة خاصة للخليفة وخاصته وفرق الجيش المختلفة. وتعددت الأسمطة الرسمية التي كان يحضرها الخليفة الفاطمي بنفسه فكان السماط يمد في قاعة الذهب بالقصر الشرقي الكبير في ليالي رمضان وفي العيدين وليالي الوقود الأربعة والمولد النبوي خمسة موالد: الحسين السيدة فاطمة الإمام علي الحسن الإمام الحاضر بالإضافة إلى سماط الحزن في يوم عاشوراء.. وفي رمضان كان يجلس الخليفة في منظرة القصر ويتوافد كبار رجال الدولة فيقبلون الأرض بين يديه ويتلو المقرئون القرآن الكريم ثم يتقدم خطباء: الجامع الأنور وجامع الأزهر وجامع الأقمر مشيدين في خطبتهم بمناقب الخليفة ثم ينشد المنشدون ابتهالات وقصائد عن فضائل الشهر الكريم . وترجع فكرة موائد الرحمن إلى الولائم التى كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في أيام الفاطميين. في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان كان القصر الفاطمي يشهد احتفالاً خاصا ب ختم القرآن الكريم وفيها تخرج الأوامر بمضاعفة ما هو متخصص للمقرئين والمؤذنين في كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختام الشهر الكريم. مع أهل القلم يقول شوقي: الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع.. كان العقاد الأديب الكبير رحمه الله يقول: رمضان شهر الإرادة.. ولا حاجة للصائم إلى أدب طالما عرف حكمة الصوم في تقوية الإرادة.. ورمضان موعد معلوم من العام لترويض الجماعة علي نظام واحد من المعيشة وليس أصلح لتربية الأمة من تعويدها هذه الأهبة للنظام ولتغيير العادات شهراً في كل سنة. يقول الرافعي: لا ما أعظمك يا شهر رمضان لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك.. مدرسة الثلاثين يوما يقول الإمام حسن البنا: ها هو ذا السحاب ينقشع والغيم ينجاب ويتكشف والسماء تبتسم عن غرة الهلال إنه هلال رمضان مرحبا بك يا شهر الخير مرحبا بك يا شهر الإنسانية الكاملة مرحبا بك يا شهر الروحانية الفاضلة مرحبا بك يا شهر الحرية الصحيحة مرحبا بك يا شهر رمضان أقبل...... ذاكرة الأيام في عام 2 ه جرت غزوة بدر الكبرى يوم الجمعة 17 رمضان سماها القرآن يوم الفرقان وهي الغزوة التي دارت بين المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب المشركين بقيادة عمرو بن هشام المخزومي. وانتصر فيها المسلمون. في عام 8 ه جرى فتح مكة الأعظم في عشرين رمضان حيث دخل الرسول ص وأصحابه لمكة بعد طول اضطهاد وهدموا الأصنام وتعاملوا مع أهل مكة بروح سمحة ورباطة جأش ولما شهد القرشيون ذلك دخلوا لدين الله أفواجا وبينهم أبو سفيان وعدد كبير من قادة المشركين. في عام 92 ه جرى فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير واللذان أسقطا بجيشهما الذي أرسلته الدولة الأموية أسقطا الدولة القوطية واستمرت دولة الإسلام بتلك البقعة 900 عام حتى سقوط غرناطة الحزين في 1492 م. في عام 114 ه جرت موقعة بلاط الشهداء في 1 رمضان وشهدتها سهول فرنسا بين المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقي والي الأندلس وكارل مارتل قائدا لجيش الفرنجة وهي المعركة التي يؤرخ لها الغرب باعتبارها الفاصلة في بقاء المسيحية كديانة بأوروبا وتوقف الفتح الإسلامي هناك. في عام 223 ه جرى فتح عمورية وتحديدا في 6 رمضان ووقعت هذه المعركة بين المسلمين بقيادة المعتصم الخليفة العباسي وبين الروم وذلك بعد أن استنجدت امرأة بالمعتصم فصرخت وامعتصماه فسمع المعتصم بالخبر وجهز جيشا وفتح المدينة في عام 479 ه انتصر المعتمد بن عباد ملك إشبيلية بالأندلس على قوات الفرنجة الأسبان فيما عرف بمعركة الزلاقة. في عام 559 ه وتحديدا 9 رمضان انتصر نور الدين زنكي على الصليبيين وأسر قائدهم واستعاد مدينة حارم بالشام. في عام 570 ه فتح القائد صلاح الدين الأيوبي عدة مدن في بلاد الشام كان بينها فتح بعلبك التي كانت بأيدي الصليبيين. وفي عام 584 جرى فتح الكرك وصفد أيضا. في عام 641 وتحديدا في الأول من رمضان جرى فتح مصر بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلى يد القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه. في عام 648 ه سنة 1250م وقعت معركة المنصورة وأسر لويس التاسع خلال شهر رمضان. في عام 658 وتحديدا 24 رمضان انتصر المسلمون بقيادة السلطان قطز على التتار المغول بقيادة هولاكو في المعركة الشهيرة عين جالوت في عام 663 ه انتصر مسلمو المغرب على الصليبيين. في عام 666 استطاع السلطان الظاهر بيبرس فتح أنطاكية وكانت بأيدي الصليبيين. في عام 927 ه فتح السلطان العثماني سليم الأول بلاد المجر في عام 1393 وتحديدا في العاشر من رمضان انتصر المصريون على إسرائيل في حرب أكتوبر الشهيرة وتمكنوا من طرد الصهاينة من سيناء. كلمة قال الحسن البصري: يا ابن آدم! إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك وقال: يا ابن آدم! نهارك ضيفك فأحسِن إليه فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك وكذلك ليلتك وقال: الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه وأما غداً فلعلّك لا تدركه وأما اليوم فلك فاعمل فيه.