بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* لربما يغفل كل من ينتمي لقطاع الصحة عن فهم مصطلح الوعي وماذا أقصد به تحديدا في قطاع حساس ومهم مثل قطاع الصحة الذي ما فتأ يعرف تحولات وتغيرات بسبب جائحة كورونا وعندما أقول تحولات ليس في طريقة التعاطي مع الفايروس ولكن في طريقة تفكير من يعمل في قطاع الصحة من أنه نال مرتبة كبيرة بمهنته سواء كان طبيبا أو ممرضا أو اداريا فهو حتما أدرك أن الجائحة كشفت اللثام عن أهمية مراتب العمل في الصحة في ظل انتشارها أين أظهرت بعض عيوب المنظومة الصحية ولكنها في الوقت نفسه وضحت قيمة الجهد الذي بذله ولا يزال يبذله الجيش الأبيض ولربما لن يفي هذا الجهد حق المستخدمين سواء قدمت لهم منحات أو تقديرات كيف لا وهذا الجيش ولمدة تفوق العامين وهو في واجهة مع هذا الوباء القاتل متقدما الصفوف الأولى في المواجهة وعليه يمكننا القول بكثير من الوعي أنه حان الوقت للاعتراف بكل ذي حق حقه وحان الوقت لفهم تحولات الحياة التي لم تستسلم لها ذهنيات ترى في منح الحق كاملا لمهني الصحة وكأنه مبالغة أو ربما إيلاء شيء ما أكثر مما يستحقه ولكن الحقيقة كل الحقيقة أن الجهد الذي بذله الجيش الأبيض جهد جبار وربما في هذا الظرف بالذات ستنمو فكرة الوعي كمشروع وليس كمصطلح ليزداد المسؤولون في وزارة الصحة إدراكا يوما بعد يوم أن تحسين الظروف المهنية في المستشفيات بات ضرورة لا جدال ولا نقاش فيها فحتى لا يفقد الوعي نكهة الفهم لدى الكل يجب الانتقال من مرحلة الاجحاف إلى مرحلة الإقرار والعمل في نفس الوقت فلا يكفي الاعتراف بالجميل دون العمل في الميدان لتحسين الظروف وفي المقابل سيقدم مستخدمو الصحة نفس الجهد أو ربما أكثر لو وجدوا تلك التحفيزات التي تشعرهم بقيمتهم وقيمة مهنهم النبيلة فلم يعد يليق الآن أن نبقى نساوم في قيمة المنحة التي من المفروض أقرها رئيس الجمهورية تعطى في وقتها ومن الوعي أن نقول أن الصحة في الجزائر ستعرف تحولات لا شك ليس بسبب الجائحة فقط بل بسبب الوعي الذي أدركه مستخدمو الصحة أن وجودهم مهم ولا مناص من الانكار لحقوقهم سواء في تعديل قوانينهم الأساسية أو تحسين الأرضية المهنية التي يعملون فيها . فلو عدنا للوراء قليلا وتذكرنا اضراب الأطباء المقيمين والذي قابله أعوان الشرطة بالمنع لأن الظروف ليست مهيأة لذلك أو ربما لأن المطالب تفوق قدرات وزارة الصحة في أن تستجيب لها ولو أنها مطالب شرعية تصب في مصلحة مستخدمي الصحة والمرضى والوزارة كهيئة وصية تشرف على متابعة الشأن الصحي عبر الوطن بديناميكية السهر على تحسين الخدمة العلاجية وتقديم سبل العلاج التي يستحقها المواطن الجزائري. ان حجم الوعي الذي نقصده في مقالنا هذا هو مدى استيعاب مهني الصحة لدورهم المستقبلي في تطوير القطاع سواء بقيت الجائحة أم تلاشت بمعنى هل سيبقى الفكر منحصرا فقط في المطالبة بالحقوق أم يمتد إلى اعتبارات أخرى وهي تتلخص في هذا السؤال: كيف ينظر مستخدمو الصحة لمستقبل القطاع؟ وما هي المساهمات التي يمكن تقديمها لتحسين المنظومة الصحية والتي تحديدا لست أدافع على كلمة تحسين بقدر ما أركز على كلمة تغيير وطبعا كل يرى هذا التغيير بمنظوره الخاص. فنظرة مستخدمي القطاع لمستقبل الصحة مهمة وهي من تجسد مدى تفاعلهم لمشروع التغيير القادم الذي لا مناص هو مطلب لابد منه في ظل الرهانات والتحولات التي تعرفها الجزائر سواء داخليا أو خارجيا وهذا ما يجعلنا نتساءل عن نسبة الوعي التي تحملها آفاق التفكير لدى ممتهني القطاع . فنسبة الوعي ان كانت مرتفعة وذلك انطلاقا مما تستحقه الجزائر من تحضير لبنى تحتية قوية ومتينة ومن استعدادات بشرية ومادية ومعنوية وفكرية لهي المشروع القادم للتطبيق وبكل استعداد نفسي لتحمل للمسؤوليات فلا يعقل أن يتردى الوعي لدى مرتادي صفحات التواصل الاجتماعي ليبقى الحديث يدور فقط على المنح ووقت إعطائها اذ لابد أن يكون التوقيت مضبوطا ولا نقاش في مهلته والتفكير فقط في المنحة ليس نموذجا لانفتاح التصور المستقبلي لمستقبل القطاع فهذه الحقوق مفروغ منها آليا وعلى من يعطل دفعها سواء بالإجراءات الإدارية أو بغيرها أن يختزل مثل هذه الظروف التي تحول دون ترسيخ مبدأ الوعي الناقد والمفكر والمعطاء فلا يليق أن يبقى الطبيب أو الممرض يفكر فقط في دخله الشهري أو منحته متناسيا ما هو أهم في احاطة نفسه بكل المستجدات التي تدور في مجال الصحة وحتى غيرها من المجالات فالتفكير يتطور ويتغير ويتجدد بحسب المتحولات وترقية الصحة في حد ذاتها تحتاج إلى وعي وادراك مسبق لما يجب أن يكون عليها الحال . ومن هنا وجب على القيادات الفكرية التي ستقود مستقبلا قطاع الصحة في الجزائر نحو الأفضل يما يليق بالدولة القوية حتما سيكونون على موعد مع ما يسمى بالتحديث وضرورة التسلح بالثقافة الواسعة والعميقة والمتنوعة لأن الاقتصار والاكتفاء بفرع واحد من فروع العلم أو التسيير حتما سيصيب العقل بضمور الأفكار وتقليص مستوى الطموحات وبالتالي فالتحديث بوعي كاف كفاية الدولة لحاجتها من العدة في الخطة والعتاد والجاهزية لهو التحديث الشامل من أجل كسر قوالب الروتين التي اعتادها مستخدمو الصحة ولزموا بذلك حلقة روتينية أتعبتهم فلم تخرجهم من بوتقة الاستسلام لواقع يرونه دائما هو نفسه وهو من سيبقى حتى خلال السنوات القادمة ناسين في ذلك أن درجة الوعي لديهم هي من ستحدث الفارق في الموجودات والأشياء فحتى وزارة الصحة عليها أن توسع من مدركات الأشياء ضمن الاستراتيجيات التي تتبعها اذا لابد من تغيير النسق العملي سنة بعد سنة حتى لا يصاب مستخدمو الصحة بالملل وأكيد أن المتفحص لأخبار الصحة في العالم سيجد أن الحكومات تتبنى طرق عمل مختلفة ودائما تسعى للمنافسة نحو الأفضل والأحسن وخير دليل على ذلك طريقة اقتناء لقاح كورونا وكيف حرصت الدول أن تجلب لشعوبها ما هو أفضل من حيث النجاعة والفاعلية. لنصل في الختام إلى أنه بات من الضروري على ممتهني الصحة أن يتبنوا الوعي كمبدأ فكري وليس كخيار يلجأ اليه فقط لفهم النوازل مثلا أو لتحليل ظاهرة ما الوعي سيصبح متلازما للعقل الجزائر في قطاع الصحة لأن المستجدات أكبر بكثير على أن يبقى العقل منحصرا في مجرد التفكير في كيفية الذهاب للعمل وكيفية العودة وعلى أي وسيلة نقل يتم التنقل أو في مجرد التفكير في دفع المنحة أم لا بالإضافة إلى وجود المغالطات سواء عبر ما تبثه شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى قنوات الاعلام أحيانا وهو ما ستوجب الوعي لدحضها في أن يصبح بقيمة الفكرة التي نحتاجها صباحا ومنتصف اليوم ومساء لنغذي مشروع حياتنا بما يحتاجه من طاقة إيجابية تشرح لنا سبل التفاعل والتعامل مع ما يحيط بنا.