بقلم المفكر التنموي: إبراهيم تاج Email: هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته كان بودي بدء الحديث بعوامل البناء.. لا بمعاول الهدم ولكن هكذا هو الحال في التحليل والفكر الاستراتيجيين فالبحث غالبا ما يبدأ من كوامن التهديدات وليس من مكامن التحديات.. فكل حضارة تتهددها كثير من الأخطار والمخاطر الخارجية منها والداخلية فالأصل في الإدارة منع الخسارة.. والحكمة في التدبير محاربة التبذير أو الهدر فمن إدارة مكتب صغير إلى تدبير أمة.. فالقوانين هي نفسها ترتكز على الاستراتيجيات والتطهير ومن يقظة الفكر الانتباه إلى وجود شبه إجماع بين من أدلوا بدلائهم في موضوعات الحضارة والنهضة.. من مختلف المشارب الفكرية والروافد العلمية والتعددات العرقية.. وهو ما يتطابق مع قوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ﴾ الكهف 59 - الظلم والظلامية.. الظلم والجهل.. وهما أعدى أعداء البشرية.. لأنهما غريزة الإنسان.. وطبيعة أولى فيه.. وطبيعة ثانية في شخصية الإنسان غير المتحضر.. أنصت إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ الأحزاب 72 والجهل أعظم الظلم.. لأنه ظلم للذات والشرك أعظم الجهل لأنه ظلم لنواة المنظومة وهي معتقداتها قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ لقمان 13 - والظلم في حديثنا هو الهادم الأول لمنظومات الحضارة.. فهو سبب الاختلال لان التوازن يحققه العدل عامة والقسط خاصة.. ونواتج ذلك تظهر على كل مستويات المنظومة والهيموستازيا.. وبما أن الوحدة – بفتح الواو - هي غاية الغايات في المنظومات.. فإن الفرقة – بضم الفاء – هي أخطر المخاطر كلها وأسوء الكوارث.. فالوحدة للمنظومات بقاء والفرقة لها فناء.. هو قانون يجب إلا ينسى فكل منظومة تسعى إلى لم شتاتها.. كأم تجذب إليها صغارها كل الأجزاء تنجذب نحو مركز المنظومة نحو نواتها.. ونواة المنظومات الحضارية هي إيديولوجيتها الملفوفة المتراصة بالمعتقدات الجمعية والتراث الجماعي.. ففعلا هي شمس المجموعة وكل ما حولها يدور في فلكها. 2 ويبدأ الظلم في أعمق أعماقنا حيث تنسج الدوافع الدفينة ثياب السلوك واتجاهه.. والاتجاهات أهم من السلوكات بحد ذاتها - فمن طابت سريرته حمدت سيرته -.. وحيث تمارس التدميرية الذاتية طقوس العبث والهدم وهي تلبس أسمال السواد – كطائفة عبدة الشيطان - وأشكال العدوان الخبيث الذي يتجاوز ما هو دفاع بيولوجي تحكمه النية الإيجابية للبقاء.. إلى ممارسة من طبع شرير يتقد شرره من نيران الشهوة الشيطانية.. شهوة يختلط في بوتقتها القسوة والإفناء.. وبلغة التحليل النفسي هي السادية والنيكروفيليا.. طهي بلا رائحة لأنه لا حياة فيه ولا احساس.. فتخيل معي كيف ستكون النتيجة من وصفة ظلامية كهاته.. هو سم للأسف نتجرعه كل حين.. وقد ينتهي بانشطار النواة وإفناء المنظومة التي ديدنها البقاء. لا شك أن الحديث عن الحضارة هو مهرجان من المقاربات.. ومن دراساتي المتعددة تعلمت المرور عبر المناهج.. ولذلك فحين أتحدث عن التدميرية الحضارية أجدني مرغما أن انطلق من سيكولوجيا الأعماق وأن أصغي لذاتي أولا ثم أنصت إلى واحد ممن أتقنوا تشريح البنية التدميرية البشرية.. طبعا أقصد هنا إريك فروم وهو يناقش موضوع العدوانية وهو بدوره ينطلق من أعمال كونراد لورنتس في مساءلة سيكولوجيا الحيوان.. وما يهمنا هنا هو كشف أعمق قوة مدمرة للذات. ويفرق فروم بين العدوان كدافع أولي متكيف بيولوجيا هدفه النمو.. وهو ما يتجلى عبر سلوكات الدفاع عن الذات والمصالح أو محاولات الهرب من كل ما يسبب لنا الأذى والألم سواء كان جسديا أو نفسيا.. وهذا دافع مشترك في عالم الحيوان. وبين العدوان الخبيث الذي لا يوجد إلا لدى الإنسان.. ومنشؤه القسوة والشهوة ويظهر على شكل رغبة في إقصاء الآخر من الوجود كليا أو جزئيا ودونما سبب رغبة في تعذيب الآخر والتسبب في شقائه والتلذذ بذلك.. كأنه يستمتع بركيام جنائزي من آهات الناس. وكما يوضحها صاحب كتاب القرد العاري: فالهزيمة هي ما يطمح إليه العدو وليس القتل الهيمنة أو التحكم هما هدف العداء وليس الإبادة... لذلك فقتل هابيل لقابيل هو عدوان خبيث غير مبرر بيولوجيا ومن عجيب الأمر أن من يسعى إلى تدمير الآخر فهو ابتداء يدمر ذاته وانتهاء يدمر الحضارة التي يحمل في جوفه فكرها ومعتقداتها.. بل يدمر الإنسانية كلها. يدمر ذاته إذ القسوة هي جفاف قبل أن تكون جفاء.. لأن العواطف البشرية تحول الانسان من مجرد شيء إلى بطل.. كما يقر بذلك إريك فروم.. لذلك فهو يحول نفسه إلى شيء بارد كالجليد لا يصلح للنماء يدمر ذاته حين يبتعد عن حب البقاء إلى حب الفناء.. من إيروس إلى تاناتوس – استغفر الله – حسب مؤسس مدرسة التحليل النفسي سيجموند فرويد.. فالحقد والحسد والكراهية وأمراض القلوب هي المهلكات التي تدمر أصحابها.. دينهم ودنياهم. لا شك أن مسببي الحروب ومجرمي المجازر هم على قمة هرم المدمرين حضاريا.. ولكن لا تغتر بفضاعة جرم من قتل.. فمن كان مسؤولا عن مصلحة الناس وهو يجلس على مكتبه القديم.. فليعلم أن أبسط تعطيل للخدمة وأن أي تسويف لأداء معاملاتهم هو تلذذ خفي وتعذيب للآخر وهذا نوع من التدميرية التي ستسبب له الاحتراق نفسيا كان أو وظيفيا وتسبب للآخر الاغتراب وتسبب للمنظومة التدميرية والضبابية والظلامية التى تنطلق من العمى وتقع فيه وتفاقمه.. كذلك الأم الجافية والأب الدكتاتوري.. أظن أننا سنفتح فضاء في عقولنا لكشف سلوكاتنا المدمرة للحضارة الخفية منها والجلية الكبيرة منها والصغيرة. 3 الظلم عدو للتنمية الذاتية والتنمية البشرية والتنمية المستدامة بأبعادها المجتمعية والاقتصادية والبيئية.. والجهل محركها ومبتداها.. هكذا بلغة أخرى. فلماذا يظلم.. لأنه يجهل ويظن بجهله أنه سيربح بظلمه ويحقق مصلحة.. وهو يجهل أنه يعيش في منظومة كونية.. حيث مصلحته ومصلحة الجميع واحدة.. فإن كنت لا ترى ذلك فاعلم بأنك مصاب بمرض خطير.. هذا المرض هو سبب كل المصائب التي نحن فيها.. البشرية تعاني لأن أفرادا منها طغى عليهم العمى.. فصارت لا ترى مصلحتها أين هي ؟ ولا كيف تحققها ؟ ولا كيف يسعد لينجح ثم ينجح فيسعد ؟ فأي سعادة تعيشها ومن هم من حولك تعساء.. حتى ولو كان أنانيا ويغلبه حب الذات فالعقل يدرك أن التاجر يحب الزبائن المرتاحين ماليا.. وأن الرفاه يولد الرفاه.. وأن المنظومة تمشي على قدر أضعف أجزائها.. ولكنه عمى ليس كالعمى.. لا تعمى البصائر فقط بل والضمائر.