لازالت بعض الولايات تعكف على المحافظة على العادات والتقاليد الخاصة بصيام الطفل لأول مرة في شهر رمضان المعظم باعتبارها موروثات عريقة على غرار ولاية البليدة التي تتميز بتقاليد وطقوس تنفرد بها عن باقي ولايات الوطن وتمارسها العائلة البليدية ابتهاجا منها بابنها الصغير من جهة وتحفيزا له على أداء أحد أركان الإسلام من جهة. فتقاليد وعادات صوم الطفل لأول مرة كانت تسهر عليها الأم من خلال حرصها على منع ولدها الصغير من الخروج من المنزل حتى لا تضربه لفحات الشمس الحارقة من جهة وشغله باللعب حتى ينسى صيام يومه الطويل. أما بالنسبة للفتيات اللائي يصمن لأول مرة فيتم شغلهن في المطبخ بتحضير الفطور أو ما يطلق عليه "بالعشيوة" باستعمال أدوات منزلية خاصة بهن قدر صغير وبه نافخ وطاجين صغير وذلك تشجيعا لهن باعتبارهن أمهات المستقبل. ويكون الطفل الصغير الحكم في انتقاء الأطباق المحضرة في يوم صيامه وإعداد أطباق متنوعة يحبها الطفل كما تحضر له أمه خبزة صغيرة خصيصا له وكذا حلويات متنوعة تقدم في السهرة العائلية التي تنظم على شرفه ويُدعى إليها الأقارب والأحباب. ولوقت الإفطار طقوس خاصة ينفرد بها الطفل الصغير بحيث يقدم له كأس من الشاربات المصنوعة من عصير الليمون وماء الزهر والمحلاة بالسكر ويحوي بداخله قطعة من الذهب (خاتم من الذهب أو حبة من اللويز) ويقوم بأخذ شربات منها من مكان عالي. ولمنح الطفل الصائم كوبا من الشاربات الباردة أهمية كبرى ومنفعة صحية بحيث تعمل تلك الشاربات على الرفع من نبضات قلب الطفل التي تكون جد منخفضة بعد يوم كامل من الصيام فيما ترمز قطعة الذهب التي هي تقليد محلي على جعل صيامه نقيا كالذهب الخالص من الشوائب، أما المكان المرتفع فهي علامة على المكانة العالية التي يحظى بها بين أقرانه. ومن شأن هذه التقاليد والطقوس وبالرغم من بساطتها أن تحبب الطفل في الصيام وتجعله راسخا في ذهنه مدى حياته من جهة وتشجيع باقي الأطفال من إخوته أو أصدقائه إلى الاقتداء به والصيام مثله، وغالبا ما يختار الأولياء الأيام العشر الأولى من شهر رمضان لصيام أولادهم باعتبار أن النصف الثاني منه تكون فيه اغلب العائلات منشغلة بشراء ملابس العيد وتحضير الحلويات الخاصة بالعيد. ولا تجد أثناءها للأطفال الصائمين حديثا لهم في الشوارع سوى بالتباهي بعدد الأيام التي يصومها كل واحد منهم وهو الأمر الذي من شأنه خلق تنافس بينهم حول من يصوم أكبر عدد من أيام هذا الشهر الفضيل. ويشهد الكثير من العجائز والشيوخ المعمرين أن تلك العادات تراجعت ولم تعد على الحالة التي كانت عليها من قبل مما بات يؤثر سلبا على صحة الأطفال بالنظر إلى الأبعاد الصحية التي تحويها تلك الطقوس قبل أن تدخل في خانة العراقة والتقاليد.