فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ: الفاتيكان يتعرف على الأبيض من خلال فيلم -الجزء المائة- بقلم: الطيب بن ابراهيم كثيرا ما تردد اسم الأبيض سيدي الشيخ وطرح في الفاتيكان بين الأوساط الكنسية المتابعة لملف التنصير فإرسالية الأبيض من حيث المبدأ هي مجرد إرسالية كباقي مئات الإرساليات التي تنشط وتصول وتجول في مجال التنصير في جميع أنحاء العالم لكن ما تميزت به إرسالية مدينة الأبيض أنها كانت المخبر الذي احتضن التجربة التنصيرية الأولى من نوعها في التاريخ في العالم العربي والإسلامي تجربة الاختراق الثقافي والتّعَرُّب والتعْرِيب والأذان بزعامة إرسالية إخوة يسوع الصغار فأصبح اسم المدينة صانعا للحدث التنصيري المثير للجدل ولفتت لها انتباه العالم نتيجة تجارب ومغامرات الأب روني فوايوم التنصيرية الفريدة من نوعها في تاريخ الكنيسة. فأخبار ما كان يجري في إرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض لم يكن غريبا على الجهات الممسكة بالتنصير بالفاتيكان وهذا من خلال التقارير والمراسلات والزيارات المتبادلة التي كانت تتم بين رئيس إرسالية الأبيض والفاتيكان. لكن معرفة ذلك من خلال التقارير لم يكن كافيا من طرف رئيس إرساليتها وصاحب مشروع تنصيرها الفريد من نوعه الذي أثار ضجة الأب فوايوم فعليهم معرفة المزيد من المعلومات عن المدينة وعن موقعها وتاريخها وسكانها وأهميتها وأصبح ذلك ضرورة ملحة من طرف رجال الدين عامة ورجال الفاتيكان خاصة. *زيارة الفاتيكان والالتقاء بأقطاب الكنيسة ومنظريها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قام رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم والمستشرق لويس غادري بزيارة للفاتيكان لتقديم تقرير مفصل عن إرسالية الأبيض ولتوضيح بعض النقاط التي أثارت خلافا وفي نفس الوقت للالتقاء بأقطاب رجال الدين ومنظري الكنيسة كان أولهم هو منظر الإرسالية لويس ماسينيون الذي كان اللقاء معه في الفاتح من شهر ماي سنة 1946 كان اللقاء في فندق بيازا بروما. وبعد ظهر يوم 6 ماي 1946 كانت زيارة الأب إيبانيول مؤسس الإخوة الصغار والمبشرين في ريف فرنسا. وفي اليوم الموالي يقول الأب فوايوم: في صباح يوم 7 ماي التقيت للمرة الأولى المونسنيور مونتيني وزير الخارجية الرسولي الذي كان لطيفا للغاية ومتفهم إذ عرض على الأب فوايوم موقع الأبيض سيدي الشيخ وتوقرت على الأطلس حيث مقر إخوة يسوع الصغار ومقر أخوات يسوع الصغيرات وكأنه يقول له من خلال الخريطة نحن نعرف مكان تواجدكم ونتابع أخباركم ونعرف موقع الأبيض سيدي الشيخ وتوقرت. ومونتيني هذا هو الذي أصبح لاحقا بابا للكنيسة ما بين سنة 1963 إلى سنة 1978. وفي لقاء المونسنيور مونتيني بالأب فوايوم قدَّم له هذا الأخير الملاحظة على الصلاة باللغة العربية بعد أن قام بتلخيص الأسئلة والإجراءات. وختم الأب فوايوم والمستشرق لويس غاردي زيارتهما بمقابلة البابا يوم الجمعة 17 ماي 1946. وبعد رحلة صيفية في أوروبا دامت أربعة اشهر عاد الأب فوايوم ولويس غاردي للأبيض سيدي الشيخ يوم 12 أوت سنة 1946. *لقاء الأب فوايوم مع مونتيني البابا المنتظر بعد أسبوع من لقاء الأب فوايوم مع المونسنيور مونتيني والاطلاع على خريطة الأبيض جاء دور اطلاع الفاتيكان ورجاله وطلبته على الأبيض من خلال فيلم صامت قصير صُوِّر في الأبيض إذ يقول الأب فوايوم: يوم الخميس 16 ماي سنة 1946 على الساعة 12:30 ظهرًا ذهبا إلى المعهد البابوي الشرقي للتعليم العالي لتناول الغداء عند الإخوة اليسوعيين حيث الاستقبال من طرف الأب هيرمان رئيس الجامعة والأب لاتور وكان الترحيب حارا للغاية. وعلى الساعة الرابعة مساء كان الموعد الأساسي وهو تحدث الأب فوايوم عن الإرسالية الأبيض وتقديم الفيلمين الصغيرين أحدهما كان حول الأبيض سيدي الشيخ والآخر عن إرسالية بيسا. يقول الأب فوايوم عن الفيلم: لقد كانت لقطات بسيطة وهي العملية شائعة في ذلك الوقت أطلقوا على الفيلمين اسم أفلام- توقف . تم تقديم الفيلمين القصيرين عن الأبيض وجبل بيسا أمام حوالي ثلاثين من الآباء اليسوعيين الحاضرين كما حضر البعض أيضًا من المعهد الغريغوري البابوي بما في ذلك الأب بوير مسئول الدراسات الغريغورية. عند العودة في المساء تمت زيارة الأب فيليب وهو صديق الأسقف ريشو ومؤلف كتيب عن الصداقة. وكانت هناك محادثة طويلة جدًا وأسئلة مطروحة من طرف الأب فيليب حول العمل والنشاط في الأبيض. يمثل الفيلم القصير الذي عرض بالفاتيكان على الأساقفة والقساوسة وطلبة المعهدين الشرقي والغريغوري ولا ادري إن كان عرض على البابا أم لا يمثل بالنسبة لذلك الوقت صورة تقريبية للمشاهد بمدينة الأبيض سيدي الشيخ من حيث المباني والشوارع والسكان ومظاهرهم ونشاطهم وحياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وأسلوب حياتهم بالإضافة لصورة مبنى كنيستهم ومنارتها وبعض أنشطة رجالها وربما شاهدوا مقطعا نادرا وفريدا من نوعه من صعود القس روني فوايوم على أعلى منارته ومشاهدة أذانه العربي بالصورة وهي التجربة الفريدة من نوعها في تاريخ والكنيسة والتنصير لتثبت لقادته الجهود والتضحيات والتحديات التي كان يقوم بها جند الكنيسة في أماكن تواجدهم.