في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الحادي والثلاثون- بقلم: الطيب بن إبراهيم *المستشرق لويس غاردي في الأبيض سيدي الشيخ باسم مستعار ولد المستشرق لويس غاردي Louis Gardet سنة 1904 بمدينة تولوز الفرنسية حيث نشأ وأخذ تعليمه بكل مراحله ليتخرج بشهادة في الفلسفة من جامعتها وكان أكثر تأثرا بالمفكِّرَيْنِ الكاثوليكيَيْن الكبيرين : جاك ماريتان ولويس ماسينيون. كان Louis Gardet في بداية حياته وقبل تدينه شيوعيا لا يعترف بالدين وكان يكتب مقالات يهاجم فيها رجال الدين ويرد عليهم لكن بعد أن رد على إحدى مقالاته الفيلسوف جاك ماريتان بدأ يقرأ لهذا الأخير وبدأ يتراجع إلى أن تأثر بجاك ماريتان كثيرا لدرجة أن وقع للويس غاردي انقلابا فكريا سنة 1926 - 1927 ليتحول من شيوعي إلى رجل دين وكانت الفلسفة التوماوية ( توما الاكويني ) حقله الخصب بمساعدة وتأثير جاك ماريتان ليتأثر لاحقا برجل الدين الأب شارل دي فوكو. لويس غاردي Louis Gardet هو اسم الشهرة وليس هو الاسم الحقيقي المسجل به صاحبه في الحالة المدنية والذي لم يعرفه به احد وهو André Harlaire ومع ذلك لم يحتفظ هذا الأخير باسم شهرته Louis Gardet عندما حلّ بالجزائر خاصة بإرسالية مدينة الأبيض سيدي الشيخ مع إخوة يسوع الصغار قرابة خمس عشرة سنة وتحول اسم لويس غاردي إلى اسم مستعار آخر عرف به هو الأخ ماري أندري frère Marie André وبقي يحمل هذا الاسم منذ سنة 1933م تاريخ تواجده بالأبيض سيدي الشيخ إلى غاية سنة 1947 وهو تاريخ مغادرته للمدينة نهائيا إلى فرنسا حيث عاد لمسقط رأسه مدينة تولوز واشتغل بالتدريس في جامعتها وعاد يحمل اسم لويس غاردي . كان للويس غاردي أربعة أسماء مختلفة يستعمل كلا منها في مجال خاص به وهي: André Harlaire اسم الهوية André Brotierاسم السفر Marie-Andréاسم خاص بالصلاة (عرف به بإرسالية الأبيض) Louis Gardetاسم خاص بالطباعة. منذ أن تحول لويس غاردي من الشيوعية إلى التدين كان يعيش متخفيا ومتخوفا من ردود فعل واغتيالات الشيوعيين له انتقاما على ردته عنهم فعاش بأسماء مستعارة متعددة. وفي أول لقاء من نوعه جمع بين لويس غاردي ورئيس إرسالية الأبيض الأب روني فوايوم يعترف هذا الأخير أن لويس غاردي رفض الإفصاح عن اسمه العائلي لزملائه فما كان عليهم إلا احترام رغبته ورغم كثرة ترحال لويس غاردي وتنقله من مدينة لأخرى ومن دولة لأخرى كان يستعمل جواز سفر الفاتيكان بدل جواز سفر دولته فرنسا الذي يضطره لتقديم أوراقه الثبوتية الأصلية والإدلاء باسمه الحقيقي بالإضافة لذلك كانت حالته الصحية والنفسية متوترة حيث كان شبه معاق وكانت وفاته بتاريخ 17 جويلية سنة 1986. وما لفت انتباهي أن بعض من كتبوا وأرخوا للمستشرق لويس غاردي لم يشيروا لوجوده بمدينة الأبيض سيدي الشيخ الجزائرية خلال هذه المدة الطويلة وعلى رأس هؤلاء صاحب موسوعة المستشرقين بأجزائها الثلاثة نجيب العقيقي تكلم في الجزء الثالث منها (ص 280) عن لويس غاردي في ثلاث صفحات تقريبا ولم يشر لا من بعيد ولا من قريب لوجود غاردي بالأبيض سيد الشيخ قرابة الخمس عشرة سنة ولا لاسمه المستعار الذي حمله. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية سافر لويس غاردي سنة 1947م إلى فرنساوروما مع زميله رئيس إرسالية الأبيض روني فوايوم وتركا خلفهما الأب ميلاد عيسى مسئولا على إرسالية الأبيض سيدي الشيخ كما التقى لويس غاردي في روما بأستاذه جاك ماريتان الذي كان سبب ردته الفكرية حيث كان ماريتان سفيرا لبلاده فرنسا لدى الكرسي الرسولي فالتقيا بعد فراق دام أكثر من ثلاث عشرة سنة . *لويس غاردي وإرسالية القلب المقدس لم يكن لويس غاردي أحد القساوسة الخسة المؤسسين لإرسالية القلب المقدس بمونمارتر ولم يحضر معهم حفل التأسيس يوم الجمعة 8 سبتمبر سنة 1933م بضاحية باريس حيث كان يومها موجودا بالجزائر وهناك اطَّلع على خبر التأسيس وتابع الحدث إعلاميا من خلال جريدة الصليب. أوّلُ لقاءِ تعارف تم بين لويس غاردي وروني فوايوم رئيس المجموعة كان بالحراش إذ تم تقديم لويس غاردي لروني فوايوم من قبل الأب فوايار باسمه الجديد الأخ ماري أندري حدث ذلك في مدينة الجزائر في شهر افريل سنة 1933م أي قبل أربعة أشهر من الإعلان عن تأسيس الإرسالية. يقول الأخ أندري ( لويس غاردي ) بعد لقائه مع روني فوايوم يوم الجمعة المقدس 14 افريل على الساعة الثالثة والنصف مساء : أن التقارب بينهما كان سريعا وكأنهما التقيا من قبل ومن هنا أصبح التقارب الديني والفكري والمذهبي يجمع بينهما وأصبح غاردي في انتظار الإعلان عن المولود الجديد وهو تأسيس إرسالية تلامذة شارل دي فوكو حتى ينظم إليها. وحدث ذلك فعلا بعد أن تأسست الإرسالية. وصل المستشرق الفرنسي الكبير لويس غاردي إلى الأبيض سيدي الشيخ لأول مرة رفقة الأب روني فوايوم والأب مارسال مساء يوم الجمعة 22 سبتمبر سنة 1933م وكان يوم رياح عاتية محملة بزوابع رملية كما يقول لويس غاردي نفسه حيث خرجوا بجانب الطريق لتناول طعام الغَداء وهو عبارة عن علب سردين مختلطة برمال الرياح وأن كل واحد منهم كان يضع على وجهه ورأسه شاشا كما يفعل السكان أثناء هبوب الرياح المحملة بالزوابع الرملية وكانت ليلتهم الأولى في الأبيض بالنسبة له حدثا تاريخيا وحلما قد تحقق حيث لأول مرة في حياته يجد نفسه في بيئة صحراوية بكل ما تعنيه الكلمة وفي اليوم الثاني سافر زميلاه فوايوم ومارسال لمدينة لعين الصفراء حيث الآباء البيض وآلة النجارة التي جهزتهم بكل ما يحتاجون من خزانات وأسرة وطاولات وموائد وأمتعة وغير ذلك وتركا لويس غاردي حارسا للمقر الجديد بمدينة الأبيض..