بقلم: عبد الباقي صلاي* مهما اختلف الناس وتباينت رؤاهم حول الإيديولوجيات والمفاهيمية الثقافية والسياسية فهم لا يختلفون على أن الاقتصاد هو المحرك الفعلي لحياة البشر وهو المرافق لكل مسارات التطور الذي ينطلق منه البشر في معركتهم ضد الجوع والفقر.فالاقتصاد هو العمود الأساسي الذي تدور حوله كل الحياة وبدونه تموت الأرض ومعها حياة كل البشر. ولن نغوص في الجانب التاريخي للاقتصاد فذاك أمر جلي لدى كل مهتم بأبجديات ظروف نشأة الاقتصاد وتطوره عبر التاريخ والأزمان.فهذا نجده بشكل متاح في أمهات الكتب ولدى بحوث الباحثين من كل صنوف العلماء في هذا المجال.كما لا نتعمق في مداليل الحضارة وما تعنيه والمرتكزات التي تقوم عليها فذاك أيضا معروف لدى الخواص من العلماء والمختصين والمهتمين من غير المختصين.وإنما ارتأينا أن نقترب ونحاول جهدنا أن نلمس جانب محدد يكون الاقتصاد فيه معلما من معالم الحضارة الإنسانية التي يشترك في بنائها كل البشر منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا لأن لا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يعكس البوصلة ويختلف في مدلول الاقتصاد كمحفز وكمحرك لعجلة الحياة الاقتصادية برمتها. والاقتصاد هو بوابة كل حضارة كمفهوم سوسيولوجي قبل أن يكون مرتبطا بمفهوم مادي صرف.لأن هناك أمما لها من الحياة المادية وبهرج الحياة لكن لا ترقى إلى الحضارة بالمفهوم الواسع الذي ينطلق من جوانب عديدة ومختلفة للحياة ولا يرتبط فقط بالحياة المادية فقط وقد يدخل هذا في خانة الاقتصاد لكن بشكل محتشم نوعا ما. إن الحضارة كُلّ متكامل لا يمكن تبعيضها أو الانتقاص منها شيئا فالحضارة تُبنى بفروعها الكُلّي والجزئي وتزدهر بكل هذه الفروع لتصل لحالة من الاكتمال والتشبع.أما الاقتصاد فهو الحارس الفعلي للحضارة والضامن لبقاء هذه الحضارة على قيد الحياة أطول زمن ممكن.لكن لا أحد يستطيع أن يستغني عن الآخر فلا الاقتصاد بقادر أن يستغني عن الحضارة ولا الحضارة تستطيع أن تستغني عن الاقتصاد!. وعندما يكون الاقتصاد مرتبط بالإنسان فحتما الحضارة تلتقي مع الاقتصاد في زوايا عدة لتعطي ما لديها للإنسان ولحياته ومعاشه الآني والمستقبلي ولهذا فالاقتصاديون يعتبرون : علم الاقتصاد من العلوم الاجتماعية التي تدرس سلوك الإنسان الذي غالباً ما يتسم بالتعقيد والصعوبة والتغير تبعاً للكثير من المتغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية وغيرها. ولذا لم يُجمع اقتصاديو العصور الماضية أو اقتصاديو العصور الحديثة على تعريف موحد وشامل وواضح لعلم الاقتصاد ويُعزى ذلك إلى علاقة علم الاقتصاد الوثيقة بالسلوك الإنساني الذي يتغير باستمرار وكذلك إلى تطور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وإلى اختلاف الأنظمة الاقتصادية المتبعة من فترة إلى أخرى .ومن خلال هذا التعريف والفهم لعلم الاقتصاد يتضح جليا لكل دارس للاقتصاد أن سلوك الإنسان هو مسؤول عن التطور الاقتصادي ومنه مسؤول عن تطور الحضارة وبقائها على قيد الحياة لأمد طويل وتعمر قرونا وقرونا. عندما نرقب اليوم بالقراءة المتأنية حضارة الغرب نجد أن بناءها كان على نمط اقتصادي معين واضح المعالم فالرأسمالية كلغة فلسفية في علم الاقتصادي لا تعني فقط جانبا ماديا يرتكز على قدرات سلعية تنزل إلى السوق وإنما تعني مفهوما إيديولوجيا يختزن في جوهره مفاهيم عدة لتطور الاقتصاد.وحتى الاشتراكية-سواء الشيوعية أو التي لا ترتكز على الشيوعية الماركسية- التي أزاحتها الرأسمالية من على ركح المشهد الاقتصادي بعد نهاية الحرب الباردة بداية التسعينيات فهي تمثل مفهوما لتطور الاقتصاد حتى وإن كان تطورا مشروطا بقواعد معينة يعرفها المختصون من رجالات الاقتصاد. وعلى هذا الأساس فتطور الاقتصاد سيما بعد الثورة الصناعية وتغلب الغرب على كثير من الدول في العالم العربي الذي يعيش في الشرق من الكرة الأرضية هو تطور بالأساس في مسار الإنسان ومسلكيته اتجاه معاشه وحياته. وعلى الرغم من أن المسلمين ينطلقون من عقيدتهم على أن مفهوم الحضارة الغربية مفهوم مخالف للفطرة الإنسانية وهناك من يعتبرها حضارة تعكس طفرة اقتصادية من خلالها تكوّن فائض إنتاجي ليشكل قطبا قويا في معادلة الغلبة المادية التي يعرفها الغرب.فالمسلمون مع أسف شديد إلى اللحظة ينظرون إلى الحضارة الغربية كحضارة لا تخالف فقط الفطرة البشرية كما جاء بها الإسلام وإنما تعاديها عداءً بَيّنا وهي حضارة مادية لا تعترف بالإنسان ولو أن الاقتصاد بمفهومه مرتبط بشكل مباشر بالإنسان وبحياة الإنسان!. تطور الغرب جاء نتاج إرهاصات قوية كما جاء نتاج تفكير معمق لسنوات طويلة من البحث والتعب والجهد والتفكير.فهو عكس المجتمع العربي المسلم الذي بقي يعيش حالة التيه وحالة الضياع لا يعرف من أين ينطلق في هذه الحياة فهل يبدأ من حيث بدأ الغرب وهو كاره لهذا الغرب ولحضارته المادية أم ينطلق من الفراغ الذي يعيشه وهو عديم العلم والمعرفة جاهل بكل العلوم. لقد وجد المجتمع العربي المسلم نفسه حبيس عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان وحبيس رؤية للواقع لا تمت للحياة الحقيقية بصلة وسجين متعة لا تحمل من مواصفات المتعة سوى أنها متعة رخيصة تهدم ولا تبني.فالاقتصاد لم يرق بعد في المجتمعات العربية المسلمة إلى اقتصاد يستطيع أن يستحق اسم اقتصاد.فكل ما هنالك أن الاقتصاد في المجتمع العربي المسلم هو مجرد حركات يومية روتينية تعتمد على الريع ولا تحوز على جانب التفكير الحقيقي الذي تتخلق منه الأفكار والنظريات. ولنتابع عدد جوائز نوبل في الاقتصاد كل عام لنقف على حالة القلق وحالة الفزع الذي يعرفه المجتمع العربي المسلم.فلا تجد عربيا أو مسلما حاز على جائزة نوبل في الاقتصاد كما لا تجد عربيا استطاع أن يقدم بحثا شاملا لحركة التطور الاقتصادي والتوجه به نحو البناء الحضاري.فالمسلون ما استطاعوا أن يجدوا ضالتهم في أفكارهم ولا ضالتهم حتى في استقطاب أفكار الغير كما فعلت مارغريت تاتشر مع أفكار صاحب دائزة نوبل في الاقتصاد عام 1976 فريدمان الذي كان مصدر إلهامها للثورة الاقتصادية التي ركزت على الخصخصة في بريطانيا وتخفيض الضرائب وقطع أغلال البيروقراطية التي كبلت بها الدولة رجال الأعمال والمستثمرين صغارا وكبارا.فالعرب والمسلمون وإن أداروا ظهورهم للعلم فقد أداروا ظهورهم أيضا للاقتباس ومع أسف شديد لو اقتبسوا لا يقتبسون إلا ما هو سيئ لمستقبلهم!.