هو الإمام العلامة جامع صنوف المعارف والفنون، عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري السيوطي، ولدته أمه بين الكتب، وقد نشأ بينها، إذ مات والده وعمره خمس سنوات فحفظ القرآن وعمره دون ثماني سنوات، ثم حفظ عدة كتب في الفقه والأصول وألفية ابن مالك في النحو، وحضر في طفولته دروس كبار العلماء، ثم سافر لطلب العلم إلى الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب، فقرأ على أكثر من مائة وخمسين أستاذاً، وبدأ التصنيف وكان يعرض بادئ الأمر ما يكتبه على شيوخه وأساتذته فيعجبون بذلك، ويكتبون له التقاريظ والثناء على ما يؤلفه، وحسب قوله فقد برز وتبحَّر في سبعة علوم وهي: التفسير والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان على طريقة العرب البلغاء، وتمكن في علوم أخرى كذلك، ولما بلغ سن الأربعين اعتزل الناس وخلا بنفسه في روضة المقياس بالقاهرة حيث سكناه وهي على النيل، وتجرد للعبادة والعلم منزوياً عن أصحابه كأنه لا يعرفهم، وهناك صنف مكتبة كاملة نادرة المثال في تاريخ العرب والمسلمين بل والعالم، فكتب أكثر من خمسمائة مصنف وكتاب، وهي لم تكن إلا لنوادر من العلماء وكان في عزلته وخلوته، وبقي على هذه الحال من العبادة والتصنيف حتى توفي في منزله. لقد كان قلقاً على المعرفة فقدم لها مصنفات أصبحت محطات مهمة في تاريخ المعرفة العربية والإسلامية، وتوزعت مصنفاته بين كتب فيها مجلدات وبعضها رسائل صغيرة، وفي علوم كثيرة كانت بعض مؤلفاته تلخيصاً واختصاراً لمؤلفات سابقة، وبعض تلك المؤلفات السابقة قد عُدم وفقد ولم يوجد، فكان للسيوطي الفضل في حفظه خلاصته ومضامينه، وكانت بعض مؤلفاته فيها الإبداع والابتكار، ونظراً لأهمية كتب هذا الإمام فقد شاعت وذاعت وتداولها العلماء وعُنوا بها، وأصبح بعضُها عمدة في بابه مرجعاً لتخصصه، قال ابن العماد: وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته وسارت في أقطار الأرض شرقاً وغرباً، وكان أعجوبة في سرعة التأليف، وقال تلميذه الداودي: رأيت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كتب تأليفاً وتحريراً وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، ومن أهم مؤلفاته التي أثرت في المعرفة: الإتقان في علوم القرآن، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الجامع الصغير، الجامع الكبير ويعرف بجمع الجوامع، تدريب الراوي، تنوير الحوالك، شرح موطأ الإمام مالك، تاريخ الخلفاء، الاقتراح في أصول النحو، الأشباه والنظائر في العربية، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، الأشباه والنظائر في فروع الشافعية وحسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، وغيرها الكثير وأكثر مؤلفاته مطبوع متداول. وهذه المصنفات الجليلة والمآثر الفضيلة التي أبدعها في عمر لايتجاوز الستين عاماً، جعلت هذا الإمام من أعلام الزمان ونوادر الأيام إذ هو مستمر مع المعرفة الإسلامية والإنسانية في الأفكار والعقول، والتخصصات العلمية، فرحم الله الإمام الفذ الجامع الحافظ جلال الدين السيوطي رحمة واسعة.