إنَّ الله سبحانه وتعالى قد وسع على البعض في أرزاقهم، وضيق على البعض الآخر، ولم يهمل الأثرياء من هديه ولا الفقراء من إرشاده، أما من تفضل الله عليه، فوسع له في رزقه، وبارك له في ماله، ومنحه جانباً من الثراء وحظا من النعمة، فإن عليه أن يعلم أن كل ما أوتيه هو فضل الله ورزقه، فعليه شكره والثناء عليه. وأبلغ تعبير عن شكر الله على هذه النعمة إشراك الآخرين فيها، والمساهمة في مساعدتهم وقضاء حوائجهم، تحقيقاً لحق الآخرين علينا وضماناً لاستمرار هذه النعمة ودوامها. يقول صلى الله عليه وسلم: «إن لله عند أقوام نعما يقرها عندهم ما كانوا في حوائج الناس ما لم يملوهم فإذا ملوهم نقلها من عندهم إلى غيرهم». والصدقة يبتغى بها وجه الله تعالى، لذلك يدعى المتصدق إلى الإحسان فيها بإخفائها عن أعين الناس حتى لا يرائي بصدقته ولا يظهر تكرمه على الفقير، ولا يخدش كرامته، وألا يتبع صدقته بالمن والأذى، ويذكره بفقره وما كان عليه. وأفضل الصدقات ما كانت من رجل شحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ، (البخاري). فالصدقة التي يترتب عليها ثوابها دنيا وآخرة، هي الصدقة التي تكون في الوقت الذي يأمل فيه الإنسان البقاء وطول العمر، وتحدثه نفسه بجمع المال وإكثار الثروة، ذلك الوقت الذي يتغلب فيه الإنسان على هوى نفسه وشحها، وهو وقت الصدقة التي تطفئ غضب الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى»، (الطبراني). ورمضان شهر الصدقات والتضامن والمواساة، أسوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه أنه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (البخاري). وإن الله الذي كتب علينا صيام رمضان شرع في توديعه بأمر مهم، وهو صدقة الفطر التي أوجبها على كل مسلم ومسلمة، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس (الموطأ)، والحكمة من ذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ (أبو داود)، طهرة للصائم من التجاوزات أثناء الصيام، وطعمة للصائم حتى لا يبقى يوم العيد بيت تظلم جوانبه الخصاصة، وتشمل فرحة العيد كل منزل وتدخل كل أسرة.