الفضل هو اعتراف بنعمة المتفضل عليه والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان، ويقسِِّم الأرزاقَ ويغدِق العطايا، ويرزق من يشاء بغير حساب، يبتلي عبادَه بالنعم كما يبتليهم بالمصائب، الأمر الذي يجعلنا نشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه. بهذه الكلمات بدأ الشيخ فرحات المنجي أحد كبار علماء الأزهر الشريف حلقته في برنامج »الدين والحياة« على قناة »الحياة« الفضائية، والتي تناول فيها موضوع الفضل وكيفية الشكر وأنواعه الذي هو طريق التصالح مع الله سبحانه وتعالى، فضلا عن شكر الأنبياء. واستدل الشيخ المنجي على الشكر بالقول :»إن رجلاً ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين، فدخل عليه أحدُ الناس فوجده يشكر الله على نِعمه، ويقول: الحمدُ الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، فتعجب الرجل من قول هذا الأعمى مقطوع اليدين والرجلين، وسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا. وأضاف المنجي أنه يجب على المسلم الشكر على النعمة التي تأتى إليه لأنها من أولها إلى آخرها تأتى من عند الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان عندما يشكر المتفضل عليه كأنه يشكر الله سبحانه وتعالى الذي قال في آياته الكريمة »ولا تنسوا الفضل بينكم« وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق آيات الطلاق بسورة البقرة. الفضل بين الزوجين وعن الفضل بين الزوجين، أكد المنجي أنه يجب عدم نسيان فضل الزوج على الزوجة والعكس حتى تدوم العشرة ويكون بينهما مودة وحب واحترم، وإذا حدث الطلاق بين الزوجين أمرهما الله سبحانه وتعالى أن لا ينسيا ما بينهما من سابق العشرة والرحمة والمعاملة. وحول فضل قيام الإنسان بشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه، قال الشيخ فرحات إن الإنسان الذي يشكر ربه على نعمه لا تزول أبدا، أما الذي لا يشكر الله فأن نعمة ستكون فيها تناقص، فمثلا إن رجلا أعطى زكاة لغير مستحقيها لأنه لم يطعم جائعا أو يكسي عريانا فنجد النعمة عنده كما هي لا تزيد ولا تنقص هذا لأنه لم يشكر الله شكر واجب أو خالص لله. وتابع: الحكماء قالوا لا تصطنع ثلاثة أوَّلهم اللئيم أي من وضع فيه البذر لا تنبت، والثاني الفاحش لأنه يعتقد أن ما أسديت إليه معروف فبدل أن يشكر أو يشكر المتفضل عليه يقول إنه أعطاني هذا لأنه خاف من فحشي فشر الناس من اتقاه الناس لاتقاء شرَّه، وثالثهما الأبله أي الذي لا يميِّز ما تعطيه إياه. وشدد على أن الإنسان الذي يشكر الله على نعمه فهو الشخص الكريم، ويوصف بالأرض الجيدة حيث تنبت الحبة فيها في أي وقت، ولا نجني منها إلا الشكر، لذلك فهو الشخص الذي يفضله الله ويزيد من نعمه عليه. وروى الشيخ المنجى قصة سيدنا داود عليه السلام مع الشكر عندما كان في محرابه ووجد أمامه دودة وجلس يفكر وقال لنفسه ما يعبأ الله خلقه هذه؟ فأنطق الله الدودة وجعل لها سمعا وقالت له: تعجبك نفسُك يا داود أنا أشكر الله على ما رزقني وأشكره أكثر منك ففيما أنت شكرتَ الله؟ فاستحى سيدنا داود منها وقال: يا ربي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من نعمك؟ فقال الله: الآن شكرتني يا داود. وأكد أن الشكر واجب على كل إنسان لأنه لا توجد نعمة في الأرض أو السماء إلا بدايتها من عند الله سبحانه وتعالى، فإننا ما ننتظر الشكر لأنفسنا فإننا ننتظر الشكر ليعود إلى الله، مستنكرا ما يفعله بعض الناس الذين يمدون أيديهم في الشارع »في إشارة للمتسولين« ويقومون بقطع أياديهم أو رجلهم فإن شكرهم لم يوصل إلى الله لأنهم يفضحون ربهم أمام خلقه فيجب استفتاء قلوبنا قبل أن نعطي أي شيء، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم »إذا صدق السائل ما افلح مارد«. شكر الأنبياء كان الشكر خلقًا لازمًا لأنبياء الله صلوات الله عليهم، يقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين. شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم. ووصف الله عز وجل نوحًا عليه السلام بأنه شاكر، فقال: »ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا«. وقال الله تعالى عن سليمان -عليه السلام-: »قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم«. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الشكر لربه، وقد علَّمنا أن نقول بعد كل صلاة: »اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك«. وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل، ويصلي لله رب العالمين حتى تتشقق قدماه من طول الصلاة والقيام، فتقول له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟! فيردَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: »أفلا أكون عبدًا شَكُورًا«. أنواع الشكر المسلم يشكر كل من قدم إليه خيرًا، أو صنع إليه معروفًا، ومن أنواع الشكر، شكر الله: المسلم يشكر ربه على نعمه الكثيرة التي أنعم بها عليه، ولا يكفر بنعم الله إلا جاحدا، قال تعالى: »فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون«. ونعم الله على الإنسان لا تعدُّ ولا تُحْصَى، يقول تعالى: »وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها«. وقال الله صلى الله عليه وسلم: »التحدُّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله«. وقال الله صلى الله عليه وسلم: »إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلَة فيحمده عليها، أو يشرب الشَّربة فيحمده عليها«. وقال الله صلى الله عليه وسلم: »إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده«.