مراصد إعداد: جمال بوزيان أخبار اليوم ترصد آراء أساتذة حول التضامن الاجتماعي الفقر واقع مُرّ.. ولا يرفعه إلا العدل الواسع يختلف التضامن مع الأفراد والمجتمعات عبر التاريخ.. وقد تتنوع الطرق والوسائل من خلال مشروعات مثمرة وغيرها لكن الأهداف تظل واحدة ومحورها الرئيس خدمة الإنسان الذي كرمه الله جل وعلا في هذه المعمورة.. سألنا أساتذة عن رؤية النظام الإسلامي لحل مشكلات الفئات الهشة وكيف يُعالِج الفقر الذي أوجدته منظومات بعيدة عن العدالة الاجتماعية. ***** منهج الإسلام في محاربة الفقر أ. مرام بن مسعود المال قلّته وفيوضه فتنة هذه الأمة خاصة كما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء خاصة لأنه يشغل البال عن المراد ودافع بأدران النفس المشوهة إلى البروز ومنازعة الخير فيها ومانع عن كمال المآل قال كعب بن عياض رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال) وقد كان عليه الصلاة والسلام يستعيد من الفقر المدقع والغِنى المُطغي داعيا الله أن يرزقه كفاف العيش وكأنه يؤسس بذلك إلى منهج وسطي الذي يضمن العزة للمسلم والقوة التي يحبها الله فيه فقد قال عليه الصلاة والسلام (المؤمن القوي أحب وأقرب إلى الله من المؤمن الضعيف) والقوة تشمل قوة الأخذ وذلك بالكسب الشريف وقوة العطاء دون تقتير أو إسراف ولا يتم ذلك إلا بترك التعلق بالمال الذي هو وسيلة وهبة ربانية إنما قُسمت بين الناس بحكمة فالغني الشاكر من عرف حق أخيه في مال الله ولذلك جاء الإسلام هذا الدين الشمولي بمنهج هو ميزان العدل في القضايا المالية ولو قامت النظم العالمية التي يشهد الواقع على فسادها كالرأسمالية والاشتراكية بالتحول إلى الاقتصاد الإسلامي لاختفت جل المشكلات والأزمات التي يعاني منها واقعنا المتأزم يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي يرحمه الله في مقدمة كتابه مشكلة الفقر : .. وقد عرفت الإنسانية الفقر والفقراء منذ أزمنة ضاربة في أغوار التاريخ وحاولت الأديان والفلسفات منذ القدم أن تحل مشكلة الفقر وتخفف من عذاب الفقراء.. حينًا عن طريق الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب وتارة عن طريق التحليق النظري في عالم مثالي لا تفاضل فيه ولا طبقات ولا فقر ولا حرمان..وفي عصرنا هذا احتلت مشكلة الفقر -والمشكلة الاقتصادية على وجه عام- مكانًا فسيحًا في عقول الناس وقلوبهم واتَّخذها المخربون والهدَّامون أداة لإثارة الجماهير والتأثير عليها وكسبها إلى جانب مذاهبهم اللادينية الباطلة بإيهامهم أنها في صف الضعفاء وفي خدمة الفقراء وساعد على ذلك جهلُ المسلمين بنظام الإسلام وتأثرهم بالدعايات المضللة التي مَسَخَتْ صورته وشوَّهت جماله مستغلة في ذلك الواقع الكئيب لحياة المسلمين والأفهام الخاطئة لبعض علمائهم في عهود الانحطاط.. . كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر؟ تتعدد تعريفات الفقر بحسب النظم الاجتماعية كما أن هناك درجات للفقر أدناها كما جاء في العرف الفقهي الإسلامي الفقر المدقع وهو الفقر في الغذاء أي أن الفقير لا يجد ما يسد رمقه قد انقطعت به السبل. وقد أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة أن يسأل الفقير الناس فقال عليه الصلاة والسلام: إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع متفق عليه. ويرى جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن معنى الفقر مرتبط بمستوى الكفاية ومدى تلبية احتياجات الإنسان الأساسية أي بمستوى معيشة يوفر الضروريات. أسباب الفقر في الإسلام:له جانبان: 1-الشق العقدي الوجداني ويتمثل في: -الانحراف عن الكسب الطيب والتكسب مما حرمه الله كالمعاملات الربوية والتطفيف في الميزان والسرقة والرشوة وفشو الحرام بأنواعه كما توضحه بعض الآيات الكريمة مثل قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَات مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (سورة الأعراف). كما أنه اختبار يقول الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْص مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (سورة البقرة). 2-الشق العملي وله بعدان: البطالة والبطالة نوعان: بطالة اضطرارية وبطالة اختيارية. البطالة الاضطرارية لا اختيار للإنسان فيها وإنما تُفرض عليه لأسباب كثيرة مثل العجز الصحي والعقلي واندثار المهنة التي يعمل بها المحسوبية والوساطة أو عدم تأهله علمياً أو عملياً لوظيفة معينة. -أما البطالة الاختيارية فهي بطالة من يقدرون على العمل ولكنهم يفضلون الراحة. 3-وسائل الإسلام في محاربة الفقر: - الجانب العقدي: ينكر الإسلام النظرة الرأسمالية من أساسها ويرى أن المال مال الله والإنسان مستخلف فيه يقول الله تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيه﴾ (سورة الحديد) ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (سورة النور). - الإيمان بأن الله تعالى يملك خزائن الرزق يقول الله عز وجل: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ (سورة الذاريات). - الدعاء والاستغفار من موجبات الرزق. يقول الله عز وجل: ﴿َقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّات وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ (سورة نوح). -تقوى الله سبحانه وتعالى والالتزام بالمنهج الرباني في الأفعال والأقوال من موجبات الرزق. يقول الله تعالى: ﴿َوَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَات مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ (سورة الأعراف ) -جانب الأخذ بالأسباب الكونية والعرفية في محاربة الفقر: يحدد المنهج الاقتصادي الإسلامي السياسات الاقتصادية والوسائل التي تعالج الفقر وهي كالآتي: -العمل الجاد والضرب في الأرض (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ). - والهجرة من مكان إلى مكان طلباً للرزق الطيب. -الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية التي سخرها الله تعالى للإنسان -الاقتصاد في النفقات وتجنب الإسراف (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) -الادخار والاستثمار. - كما يحدد الإسلام طرق تنمية المال ولا يقر أي وسائل غير مشروعة مثل الربا والغش والقمار والاحتكار والاستقطاع من أجور العمال لكي يزيد الربح كما لا يعترف بالنهب أو السرقة أو السلب بالإكراه كوسائل للتملك أو لتنمية المال. - الحث على التجارة فيها وتحريم الربا لأن رأس المال الرّبوي في ذاته ليس سبباً من أسباب الكسب الصحيحة قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) سورة البقرة. - تشريع الزكاة وزكاة الأموال هي أداة لإعادة توزيع الدخل لصالح الفقراء وهي ضريبة دائمة تؤخذ بنظام ثابت ما يعادل 2.5 إلى 5 من أصل الثروة كل عام. وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى أرض اليمن وأمره أن يأخذ الزكاة من الأغنياء ويردها على فقرائهم. -يعمل الإسلام على عدالة التوزيع وتقارب الملكيات في المجتمع. والزكاة أول تشريع منظم في سبيل الضمان الاجتماعي وإعادة توزيع الثروة لصالح الفقراء بما يسمى ببيت مال المسلمين مما يسهم في محاربة الفقر والبطالة عن طريق التوزيع العادل للثروة. -التأسيس الممنهج للممارسة الاجتماعية عن طريق التكافل والصدقات وبيان أهل الصدقة وهم ثمانية أصناف مجموعة في قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة. -وقد أسس النبي عليه الصلاة والسلام مع نشأة الأولى للدولة الإسلام قانون التكافل المجتمعي فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وفيهم نزل قوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ثم كان لأهل الصُّفة وهم فقراء المهاجرين جزء من المسجد يعيشون فيه ويتزودون من صدقات الأنصار ريثما يستقر حالهم وتستب أوضاعهم وقد جاءه مرة سبي فسألته ابنته فاطمة رضي الله عنه خادمًا لأنها تعبت من كثرة أعمالها وكلت فأجابها (عليه الصلاة والسلام:) أخدمكما وأدع أهل الصفة تطوي وأوضح لها أنه سيبيع السبي وينفقه على أهل الصفة ويبدو أنها سألته أيضًا أن يعطيها مالًا وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد زار عليا رضي الله عنه فوجد أن فراشهما قصير لا يغطيهما فعلمهما كلمات في الدعاء وآثر إعطاء أهل الصفة عليهما وقال: لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تلوي بطونهم من الجوع . -الحث على المواساة وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) لأن العلاقة وثيقة بين الفقر والقهر من جهة وبينه وبين الجهل والمرض من ناحية أخرى فإن محاربة الفقر تقع في مقدمة أولويات العمل الخيري في الممارسة الاجتماعية في الاجتماع السياسي الإسلامي وتجلى ذلك بوضوح في نظام الوقف الإسلامي عبر أغلب المراحل التاريخية. وفي الختام ومما نستشفه من الآيات الطاهرة والسيرة العطرة أن الفقر واقع لا يرفعه إلا العدل فهو أساس الملك واللبنة الأولى للبناء الحضاري المزدهر. ***** مقاومة الفقر مسؤولية جماعية لإحداث التوازن أ. أم الخير ربحي مما لاشك فيه أن نِعم الله لا تعد ولا تحصى وقد وزعهاعلى عباده بحكمة وعدل.. وقد تنوعت تركيبة المجتمعات من غَني وفقير ومحتاج... لأسباب يعوز بعضها إلى عدم تكافؤ الفرص وهشاشة السياسات الاقتصادية والاجتماعية الترقيعية في التسيير وانعدام العدالة الاجتماعية إلى جانب احتكار ثلة من الأفراد للثروة وحرمان الأغلبية منها على مدار عقود من الزمن. إن التاريخ يسجل مواقف خالدة أو بالأحرى مشروعات إنسانية ناجحة وآليات للتخفيف من وطأة ظاهرة الفقر التي تنخر جسد المجتمع على مر الزمن مما أدى إلى ردود أفعال عنيفة على غرار الثورات والاحتجاجات هنا وهناك بغض النظر عن أهدافه الأيديولوجية نتيجة تراجع القدرة الشرائية في ظل ارتفاع رهيب للأسعار.. إن المنظومة الإسلامية شرعت الزكاة كآلية فعالة جدا للحفاظ على توازن المجتمع بكل أطيافه وكرامة الانسان على حد سواء لقول الله عز وجل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم الآية رقم 60 من سورة التوبة. كما حرص الرسول الكريم على بناء بيت المال ليستفيد الجميع وتأسس ديوان خاص بها لتنظيم التوزيع العادل لموارد الدولة الإسلامية. لقد أكد الخبراء عبر العالم أن الاقتصاد الإسلامي يعدأنموذجا لمحاربة الفقرالمدقع في ظل إخفاق الآليات الحكومية في معظم الدول على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية يستثنى منها التي اعتمدت على النظام الاسلامي ولو جزئيا على غرار إندونيسيا ماليزيا وسنغافورة... لقد حقق هؤلاء نتائج باهرةفي إطار ما يسمى التنمية المستدامة حيث تقلصت نسبة الفقراء مع مؤشر نمو اقتصادي متكامل كما تراجعت الآثار السلبية لمشكلة الفقر مثل: الفساد والرذيلة الانحراف والتطرف العنف والأمراض... إن الاسلام وضع أطرا ليتمتع الأفراد بالخدمات الأساسية نفسها مع غيرهم كحق الملكيةوالميراث والخدمات المالية..ووضع ضوابط حرصا على حفظ الحقوق الشرعية. نظم الخليفة عمر بن الخطاب موارد الدولة من خراج وجزية ليستفيد المجتمع لاسيما الفقير والمحتاج ما يعرف بتوزيع متوازن للدخل القومي وبتوسع رقعة الدولة الإسلامية زادت الاحتياجات فكان لزاما البحث عن البدائل فتم الاهتمام بالإنتاج الزراعي (الخراج والعشور) كماحث الإسلام على السعي في الرزق والعمل ومحاربة الكسب غير المشروع كالتسول والسرقة... لأن العمل يكفل العيش الكريم لصاحبه في قوله: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه . نظّم الإسلام أيضا المعاملات وحرم الربا والتطفيف في الميزان وتوعد المطففين في الآية: ويل للمطففين وشجع التكافل الاجتماعي والتضامن حتى مع أهل الذمة كما يعد الوقف آلية ناجعة وصدقة جارية لصاحبها للحد من الفقر إن بعض المؤسسات المالية تشجع على القرض الحسن أو القرض الرفيق للتيسير وهكذا فإن مقاومة الظاهرة مسؤولية جماعية لإحداث التوازن بين الحجم السكاني المتزايد والموارد المتوفرة لضمان الأمن الغذائي واستثمار الطاقات لمواجهة التحديات الاقتصادية. *****