مسؤولون سياسيون وخبراء أمميون يُحذرون كيف يهدّد الذكاء الاصطناعي خصوصيتك؟ * يتعلم من البشر ليتفوق عليهم.. كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟ بقلم: معاذ فريحات* الجزء الأوّل في يوم ما قد تمر من أحد مطارات العالم المسافة بين بوابة وأخرى قد تستغرق 15 دقيقة. في هذا الوقت القصير أنت تستمتع بالنظر يمنة ويسرى لكن خصوصيتك قد تكون اخترقت وأنت لا تعلم. ببساطة كاميرا تعمل بالذكاء الاصطناعي هي تراك وأنت لا تراها. تسلط عدستها على وجهك وفي ثوان ستحدد هويتك. يكفي من هذه الكاميرا نظرة واحدة إلى وجهك لتحدد المسافة بين العينين والأبعاد بين الجبهة والذقن وبين الأنف والفم وعمق محجر العين وشكل عظام الوجنة ومحيط الشفاه والأذنين . وتحدد من أنت. إنها بصمة الوجه وهي من الذكاء الاصطناعي الذي بات كثيرون يخشون من تبعاته على خصوصيتنا وحقوقنا نحن البشر. يقول خبير تحدث لموقع قناة الحرة إن قدرت الذكاء الاصطناعي يمكن أن تصل إلى حد التنبؤ بما يمكن أن يفعله الشخص . والأمر لا يقف عند هذا الحد فهذه التكنولوجيا المعقدة والمتقدمة قادرة على تتبع حياة الأفراد والدخول بأدق تفاصيلهم اليومية من دون الحاجة للتدخل البشري . ويختم الخبير حديثه بوصف ما يجري ب الأمر المرعب إذا استخدمت هذه التقنيات بطريقة خاطئة . في هذه القصة شرح مفصل للتهديدات التي يمكن أن يشكلها الذكاء الاصطناعي على خصوصيتك وعلى حقوق الإنسان التي يجب أن تكون محمية بأنظمة وقوانين تنظم قطاع التكنولوجيا المتقدمة كي لا تضر أدواتها الذكية شديدة التعقيد مجتمعاتنا البشرية. إنذارات منذ سنوات يطلق مسؤولون سياسيون وخبراء أمميون إنذارات من مخاطر الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان والتي وصفها البعض بأنها قد تكون كارثية في بعض الآحيان. حاليا يؤثر الذكاء الاصطناعي على الحياة بجميع مستوياتها ويتم تطويعه لخدمة الإنسان وفي الوقت ذاته يستغله البعض في انتهاكات حقوق الإنسان إذ أصبح لزاما حماية الأفراد من تطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي غير الآمنة وهو ما دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال حديثه في قمة الديمقراطية التي استضافتها واشنطن أواخر مارس. وحذر بلينكن من المخاطر التي تأتي مع الإنترنت المفتوح مشيرا إلى أن التكنولوجيا تعمق أحيانا عدم المساواة في مجتمعاتنا . الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن خلال افتتاح القمة ذاتها عن مبادرة جديدة لدعم الديمقراطية تركز على تطويع التكنولوجيا لدعم القيم والمؤسسات الديمقراطية في مواجهة الاستبداد الرقمي . المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة فولكر تورك حذر في فبراير الماضي من أن التقدم الذي أحرز مؤخرا في مجال الذكاء الاصطناعي يمثل خطرا بالغا على حقوق الإنسان داعيا إلى وضع محاذير فعالة . وفي سبتمبر 2021 حذرت مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان السابقة ميشيل باشليت من أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قد تحمل آثار سلبية كارثية إذا ما تم استخدامها من دون إيلاء اعتبار كاف لكيفية تأثيرها على حقوق الإنسان . كيف يهدد الذكاء الاصطناعي خصوصية الناس؟ مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان أصدرت العديد من التقارير المرتبطة بالخصوصية في العصر الرقمي والتي ترافقت مع تصريحات المفوضين حول مخاطر الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان بحسب ما أكد المكتب الإعلامي للمفوضية في تصريحات لموقع الحرة . وأشارت المفوضية إلى أن الذكاء الاصطناعي والمخاوف المتعلقة به تعتبر من القضايا الهامة التي تشهد تطورات متلاحقة . والذكاء الاصطناعي رغم أنه يشكل قوة لنشر الخير لمساعدة المجتمعات على التغلب على بعض التحديات البارزة في عصرنا إلا أن بعض تطبيقاته كارثية على حقوق الإنسان بحسب المفوضية. وتؤثر خوارزميات التصنيف وأتمتة عملية اتخاذ القرارات وغيرها من تكنولوجيات التعلم الآلي الأخرى على حق الأشخاص في الخصوصية والحقوق الأخرى بما في ذلك الحقوق في الصحة والتعليم وحرية التنقل وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات وحرية التعبير بحسب تقرير أصدرته المفوضية في أواخر 2021. كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟ مع التقدم التكنولوجي أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أسرع تطوراته. فكرة الجهاز الذي يتعلم ويتخذ قرارات مستقلة قد تبدو مثيرة للاهتمام للغاية ولكن كيف يعمل بالضبط؟ ويؤكد التقرير أن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت تحدد من يحصل على الخدمات العامة ومن يتمتع بفرصة الحصول على وظيفة كما تؤثر بالطبع على نوع المعلومات التي يراها الناس ويمكنهم مشاركتها عبر الإنترنت . ويوضح التقرير كيفية اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي على مجموعات كبيرة من البيانات مثل معلومات حول الأفراد يتم جمعها ومشاركتها ودمجها وتحليلها بطرق متنوعة ومبهمة في أغلب الأحيان . خمسة تهديدات أستاذ الذكاء الاصطناعي أشرف النجار حدد في حديثه لموقع الحرة مجموعة الممارسات التي تجعل من أنظمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي خطرا وتهديدا على خصوصية الناس وحقوقهم: التحيز قد يتضمن الذكاء الاصطناعي تحيزا غير مقصود نتيجة للبيانات المستخدمة في تدريب النماذج. هذا التحيز قد يعزز التمييز ضد بعض الفئات الضعيفة في المجتمع ويزيد من عدم المساواة. المراقبة يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإجراء المراقبة الشاملة وانتهاك الخصوصية هذا قد يقلل من حرية التعبير والتجمع ويمكن أن يؤدي إلى قمع المعارضة والنشاط السياسي. المعلومات المضللة يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير البروباغندا و الأخبار الزائفة والمحتوى المضلل مما يهدد مصداقية المعلومات ويشجع الانقسام والغموض بين المجتمعات. غياب العدالة قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي عند تطبيق القانون والنظام إلى تطبيق غير عادل مما يؤدي إلى تفضيل بعض الجماعات على حساب الآخرين ويعرض حقوق الإنسان للخطر. مخاوف من جائحة الأخبار الزائفة مع تطور الذكاء الاصطناعي تحتفي منظمة الصحة العالمية الجمعة باليوم العالمي للصحة والذي يصادف أيضا مرور 75 عاما على تأسيسها وبعد أن تعاملت المنظمة مع تحديات كبيرة في ظل جائحة كورونا خلال العامين الماضيين إلا أنها الآن أمام جائحة من نوع آخر ترتبط في المعلومات الخاطئة . البطالة يمكن أن يؤدي تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لأتمتة بعض الوظائف ما قد يرفع من معدلات البطالة ويفرض واقعا من عدم المساواة الاقتصادية مما يؤثر سلبا في الاستقرار الاجتماعي والسياسي للمجتمعات. سلاح ذو حدين سلاح ذو حدين هكذا وصف خبير التكنولوجيا سامر المبيض الذكاء الاصطناعي مؤكدا أنه مثل ما له من قدرات على خدمة الإنسان إلا أن البعض قد يوجه هذه القدرات لاختراق الخصوصية وانتهاك حقوق الإنسان. وقال المبيض وهو رئيس تنفيذي لشركة فرهات روبوتيكس المتخصصة في تصنيع روبوتات تعمل بالذكاء الاصطناعي في حديث لموقع الحرة إن التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي تمنح قدرات تحليلية هائلة لصناع القرار بما قد يحسن من واقع حقوق الإنسان ويعزز من حماية الخصوصية والشفافية بما يعزز مبادئ الديمقراطية مستقبلا . وأوضح أن استخدام أحدث التكنولوجيا لم يعد حكرا على الأغنياء والأثرياء فكل شخص لديه نقطة وصول للإنترنت لديه ما يشبه منظومة متكاملة من خدمات التعليم والمستشارين الماليين والأطباء والتي تقدم مجانا في كثير من الأحيان . واستدرك المبيض قوله بأنه مع ذلك نظرا لقوة التكنولوجيا حاليا يمكن استخدامها بطريقة معاكسة إذ قد تستخدم لإيجاد انقسامات اجتماعية وتوسيع الفجوة بين الطبقات المختلفة والتأثير على الرأي العام من خلال معلومات زائفة تؤثر على مسار إنتخابات أو استطلاعات للرأي . شبح موت يهدد بإغراق الذكاء الاصطناعي قد تكون التكنولوجية المغيرة للحياة (Life-changing technology) أو ما يعرف ب التكنولوجيا المزعزعة (disruptive technology) تكشف عن تطورات جديدة يشهدها عالمنا ولكن هذه التطورات لن تكون من دون ضريبة قد تطال المستخدمين والمجتمعات المختلفة. وأضاف أن بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يقتصر الوصول لها عن طريق حكومات أو شركات معينة تستخدمها في استهداف خصوصية وحقوق الأفراد أو المجموعات المختلفة. أنظمة تميزية وقدرات هائلة ويقول الأكاديمي النجار إن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تكون متحيزة وتنتهك خصوصية الأفراد لكن هذا لا يعني أن التكنولوجيا بحد ذاتها متحيزة بل أن توجيهها والنماذج التي تعتمد عليها موجهة بطريقة متعمدة لتكون بهذا الشكل ولهذا تفضي مخرجاتها إلى ممارسات معيبة أو خاطئة . ويشرح تقرير المفوضية الأممية أن البيانات المستخدمة لإثراء أنظمة الذكاء الاصطناعي قد يتم توجيهها بشكل معيب يولد ممارسات تمييزية.. لا تمت بصلة بالموضوع المطروح ناهيك عن أن تخزين البيانات لأمد طويل قد يعني استغلالها في المستقبل بطرق غير معروفة بعد . ويشير إلى حالات تسببت في معاملة الأشخاص معاملة غير عادلة بسبب الذكاء الاصطناعي مثل حرمانهم من تعويضات الضمان الاجتماعي بسبب بيانات معيبة أو القبض عليهم بسبب خلل في أنظمة التعرف على الوجه . ويقول خبير التقنية المبيض إن استغلال الذكاء الاصطناعي في الاستخدام الخاطئ ليس حكرا على الحكومات والأنظمة السياسية إذ قد تطوعه شركات تجارية أو بعض الأفراد في انتهاك الخصوصية من أجل تحقيق أرباحا طائلة منه . برنامج تجسس إسرائيلي جديد كشف مختبر سيتيزن لاب الكندي أن برنامج تجسس إسرائيلي جديد يشبه برنامج بيغاسوس السيىء السمعة جرى استخدامه لاستهداف صحفيين وسياسيين معارضين في دول عدة. وزاد أن القدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات هي الميزة الأكبر للذكاء الاصطناعي التي يستهدفها البعض في الممارسات الخاطئة فهي تسهل لهم اتخاذ قرارات سريعة بناء على معلومات إحصائية وعلى سبيل المثال يمكن إعادة توجيه رسائل معينة للمجتمعات من أجل التأثير في موضوع يهم الرأي العام وما يسهل هذا الأمر أن الجميع الآن يعتمد على الإنترنت في أخذ المعلومات منه. التنبؤ بما يمكن أن يفعله الشخص وإلى جانب الميزة السابقة يتهم الذكاء الاصطناعي بانتهاكات ترتبط بالخصوصية بحسب المبيض وقال سيكون من السهل على جهة ما تتبع وتحليل الاتجاهات والأنماط في البيانات المتاحة عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أو حتى باختراق الأجهزة التقنية المختلفة والتي قد تكشف عن نقاط ضعف يمكن استخدامها لتحقيق أهداف تجارية أو سياسية أو غيرها . صهيب الغازي خبير في مجال الذكاء الإصطناعي والبلوكتشين حذر من القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي والتي تصل إلى حد التنبو بما يمكن أن يفعله الشخص. ويوضح في حديث لموقع الحرة إن هذه التكنولوجيا لديها القدرة على تتبع حياة الأفراد والدخول بأدق التفاصيل اليومية للمواطن من دون الحاجة للتدخل البشري وهذا الأمر مرعب إذا ما تم استخدامه بطريقة خاطئة . وأضاف الغازي أن هذه الأنظمة لا تحد من قدرة الأفراد من التعبير فقط وإنما يتعدى ذلك إلى إمكانية التنبؤ بطريقة تفكيرهم ومعرفهم تفضيلاتهم اليومية بما يمكنهم من رصد من سيقابل من الأشخاص الآخرين أو بماذا يتحدث مع زوجته أو أطفاله وهو ما يتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان بالعيش والتفكير والاختيار . أنظمة التعرف على الوجه ومع تزايد استخدام أنظمة التعرف على الوجه حول العالم دعت منظمة العفو الدولية منذ سنوات إلى حظر استخدامها والتي اعتبرتها شكلا من أشكال المراقبة الجماعية التي تنتهك حق الإنسان في الخصوصية وتهدد حقه في حرية التجمع والتعبير السلميين . وأنظمة التعرف هي برامج وتطبيقات قادرة على تحديد هوية الشخص أو تأكيدها باستخدام وجهه فقط من خلال تحديد ملامح الوجه في الصورة وقياسها.. وتستخدم أنظمة أمان للتعرف على الأفراد بحسب موقع أمازون. ويعتمد التحليل في هذه التطبيقات على تحديد المسافة بين العينين والمسافة بين الجبهة والذقن والمسافة بين الأنف والفم وعمق محجر العين وشكل عظام الخد ومحيط الشفاه والأذنين إضافة إلى بيانات أخرى للوجه أصبحت تعرف باسم بصمة الوجه . العنصرية الممنهجة وتقول المنظمة إن هذه التكنولوجيا تؤدي إلى تفاقم العنصرية الممنهجة خاصة ضد ذوي البشرة السمراء وهم أكثر الفئات عرضة للخطأ في تحديد هوياتهم باستخدام أنظمة التعرف على أوجه . واعتبرت المنظمة أن تكنولوجيا التعرف على الوجه هي تقنية منحازة ومعيبة ومناقضة للديمقراطية . وتشرح أن تطوير تكنولوجيا التعرف على الوجه تعتمد على استخراج الملايين من الصور من حسابات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ورخص قيادة السيارات من دون موافقة أصحابها وبعد ذلك يقوم البرنامج الإلكتروني بتحليل صور الوجه التي التقطتها كاميرات الدوائر التليفزيونية المغلقة أو غيرها من أنظمة المراقبة بالفيديو بحثا عن أي تطابق محتمل بين هذه الصور والصورة المستخرجة المحفوظة في قاعدة البيانات. الأكاديمي النجار يشرح أن تقنيات التعرف على الوجه تستخدمها الأنظمة السلطوية لتعزيز قدرتها على المراقبة والقمع فهي تتيح لهم من خلال صورة الوجه فقط التعرف على الأفراد وتتبعهم ومراقبتهم بما يصل لحد التجسس . وأضاف أن هذه الممارسات لا تعمل بمعزل عن الاعتماد على قواعد البيانات المفتوحة التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت والتي تعتمد عليها الحكومات السلطوية لتحليل البيانات الضخمة واستخلاص المعلومات وتحديد الأنماط والتي كانت تحتاج إلى جهد بشري كبير سابقا ولكن مع تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت على بعد كبسة زر واحد لتنفيذ مهام مراقبة وتحليل وتتبع بكفاءة أكبر وبتكلفة أقل . وقالت دراسة سابقة للمعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا في الولاياتالمتحدة إن أنظمة التعرف على الوجه الرقمية تجد صعوبة في تحديد هوية الأمريكيين من أصول إفريقية وآسيوية وحتى السكان الأصليين . وأوضحت الدراسة التي اعتمدت على تحليل نتائج 189 خوارزمية طورتها 99 شركة بينها مايكروسوفت وإنتل وباناسونيك أن نسبة الإجابات الخاطئة ترتفع عندما يتم مطابقة صورة الوجه لذوي البشرة السمراء أو من أصول آسيوية. ورغم عدم اختبار خوارزمية أمازون لتقنية التعرف على الوجه إلا أن الدراسة أشارت إلى أنها متحيزة أيضا بما يرتبط ب العرق ونوع الجنس .