مراصد إعداد: جمال بوزيان الأمة عطشى في انتظار قائد عبقري يخلف العُمريْن وصلاح الدين النهضة الحضارية تحتاج جاهزية ودراسة دقيقة للتحديات إنّ أي مجتمع أو أمة تحتاج في ما تحتاج قائدا قدوة يَرعَى جميع مَصالحها ويَحفظ كل مُقدِّراتها أيَّما حفظ. سألنا أساتذة: ما صفات القائد الناجح؟ وهل كل ذي عقل راشد راجح حكيم عليم.. قد يصير قائدا قدوة ويحمل لواء البناء الحقيقي والمشاركة في الحضارة الإنسانية بما يستطيع من أفكار وطموحات ووسائل ويحقق النجاح الذي ينشده المجتمع أو الأمة؟ وما أولويات القائد القدوة كي لا يصطدم بأخطار وأزمات ومشكلات قد تحدث؟ وكيف يتعامل مع كل الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بقيادته؟ وهل يجب أن يدفع بتفكيره وتخطيطه ومهاراته وقدراته إلى تحقيق الأهداف المسطرة هدفا هدفا أثناء عهدته أم ليس شرطا فيؤسس لنهضة قادمة وإقلاع حضاري ولو بعد حين؟ وعنِ القادة القدوة عبر التاريخ الذين تركوا بصمات لا تُنسَى ونُذكِّر بها الأجيال. ***** القيادي والمبدع.. كلاهما يؤثر في الجموع ويجذبها أ. صافي محمد مظهر أحمد قبل أن نتحدث عن الشخصية القيادية وصفاتها علينا أن نعرّف القيادة وما دوافعها؟. القيادة بشكل مبسط هي القدرة على التأثير في جماعات وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف لمصلحة القائد أو المجموعة. وعلى هذا فإن للقيادة عناصر لا تتأتى لفرد إلا بتوفرها ألا وهي: القدرة الأتباع الهدف. وللقيادة أهمية كبرى بكونها صلة الوصل بين الخطط المستقبلية والعاملين على تنفيذها ولا تتأتى القيادة السليمة والناجحة والحكيمة إلا بتوليها للفرد المناسب الذي تتوفر فيه صفات بعينها فطرية ومؤهلات ومهارات مكتسبة ومن الجدير بالإشارة إليه أن الشخصية القيادية وامتلاك الصفات القيادية شيء وممارسة القيادة شيء آخر... كثيرون ممن يمتلكون الصفات القيادية لم تتسنَّ لهم ممارسة القيادة. ومن المهم أيضا أن نفرّق بين الشخصية القيادية والشخصية الإدارية فالمدير هو الذي يقوم بتنفيذ ما يقره القائد ويقوم بتوزيع المهام على العاملين بها ويفصل بين القائد والمدير صفاتٌ أهمّها هذه الست التي إن وجدت في فرد ما فهو قائد وليس مديرا: * التخطيط فالقائد هو الذي يقوم بوضع الخطط والإشراف عليها بعد أن يوكل مهمة تنفيذها للإداريين. * فتح آفاق جديدة للعمل. * بناء علاقات رئيسة بنفسه مع الجهات الرسمية أو العملاء المهمين. * حل المشكلات المزمنة بعد أن يعجز الإداريون عن حلها. * تطوير الذات المستمر وكذلك تطوير قدرات الإداريين الذين يتبعون له من خلال اكتساب معلومات جديدة. * دورات تطوير المهارات. * متابعة آخر ما وصل إليه العلماء لتثبيت أو تغيير قناعات. * تطوير السلوك من خلال سلك سبل مبتكرة في المسيرة العملية. * تقدير وتكريم المتميزين بنفسه في المواقف التي تحتاج الحضور بين الناس من حين لآخر لترسيخ وجوده. أما ما دون تلك الست فهي تندرج تحت الأعمال الإدارية. وقد أثبتت دراسات أن ثمة صفات وملامح مشتركة بين القيادي والمبدع فكلاهما يؤثر في الجموع ويجذبهم وليس بالضرورة أن يكون الهدف الذي يطمح القائد لتحقيقه هدفا ساميا بل قد يكون هدفا مدمرا أو مبنيا على شرور فعلى سبيل المثال فرعون كان قائدا ولكن لم يكن قائدا إيجابيا وقد تبعه الكثيرون وورد في القرآن الكريم عن فرعون وسوئه في الدنيا: (استخف قومه فأطاعوه) وكذلك كان هو قائد هؤلاء التابعين له في الآخرة حيث قال تعالى: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) فقد قادهم حتى إلى جهنم وكذلك من أمثلة القادة السلبيين هتلر وموسيليني وغيرهم من تاركي البصمات السوداء في التاريخ.. أما من القادة الإيجابيين فأولهم نبي الأمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي شهد بعبقريته القيادية الغربيون قبل المسلمين وكذلك على سبيل المثال لا الحصر خالد بن الوليد من القادة الذين ذاع خبر خططه العسكرية وقدراته القيادية وعمرو بن العاص الذي قاد سرية ذات السلاسل وكان تحت امرته أبو بكر وعمر والذي قال فيه عمر بن الخطاب لاحقا: لا ينبغي لعمرو أن يسير على الأرض إلا أميرا . وللقيادي رؤية منظورة وأفق واسع ورؤى مستقبلية واضحة وجلية في فكره فإن كان الهدف قريب المدى عمل على تحقيقه في المنظور القريب وأما إن كان الهدف بعيدا فخطط وجهز وهيأ وأسس من يكمل المسيرة باتجاه الهدف حتى لو بعد رحيله فهو يحسن انتقاء الخلف الذي تسند إليه الشعلة لإكمال ما قد بدأه ونجد ذلك في المثل الذي ترك أثرا بارزا وعلامة فارقة في تاريخ الأمة نور الدين زنكي الذي أسس لصلاح الدين وعبد له طريق الوصول للقدس حيث أن نور الدين كان قد أدرك قدرات صلاح الدين العسكرية والإدارية فقد ذكر أبو شامة: أنَّ صلاح الدين تقدَّم بين يدي نور الدين فقبَّله وأقطعه إقطاعاً حسناً وعوَّل عليه ونظر إليه وقرَّبه وخصَّصه ولم يزل يتقدَّم تقدُّما تبدو منه أسباب تقضي تقديمه إلى ما هو أعلى... وكان نور الدين يكلِّفه بالذهاب إلى عمِّه لاستشارته في قضايا تخصُّ الدولة والمكوس والضَّمانات فقد كان نور الدين يهتمُّ بمشاورة كبار قواده.. وتسمى هذه الوظيفة لصلاح الدين في العصر الحديث: كاتم الأسرار وضابط الرُّكن الشخصي لنور الدين ومن هنا بدأ تأهيل صلاح الدين الأيوبي للخطوة الأولى بطريق تحرير القدس بعد أن دامت سيطرة الصليبيين عليها قرابة تسعين عاما. القيادة ليست بالعمل اليسير ولو عدنا ونظرنا في النظريات التي تحدثت عن القيادة أهي فطرية أم مكتسبة وأهمها برأيي نظرية الجرس فإن هذه النظرية تقول إن الناس يتوزعون حسب صفاتهم إلى 2 ٪ قيادي بالفطرة وكذلك 2 ٪ لا يصلحون للقيادة البتة وما بينهما 96 ٪ يقعون في الوسط بين الصنفين بنسب متفاوتة شأنها كشأن الذكاء مثلا أو كل الصفات الإنسانية وهؤلاء يمكن تدريبهم وتطوير مهاراتهم في القيادة وقد ينجحون إلى حد ما إلا أنهم لن يصلوا إلى منزلة القيادي بالفطرة ولذلك نجد أن القياديين الفطريين إن صحت الصفة يشار لهم بالبنان وقد ألمح النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء بقوله: ( كإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة). وللتربية والأهل دور كبير في اكتشاف مقدرات أبنائهم القيادية وشحذها وتطويرها ومن مثال ذلك ما قاله المدائني عن صالح بن كيسان حيث قال: رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صبي صغير فقال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه. فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه. وما نزال بانتظار هذا القائد العبقري الذي يخلف العمريْن وصلاح الدين ويكون الفتح واستعادة القدس على يده إن شاء الله. ***** القائد القدوة حامل البناء الحقيقي أ. سعاد عكوشي إن ما تمر به أمتنا العربية خصوصا والدول النامية عموما من اضطرابات اجتماعية وتحولات مفاهيمية كبرى جزء لا يتجزأ من تغير مفهوم القيادة.. لقد كان القائد سابقا هو ذلك الفرد الذي يوجه الناس نحو أهداف هو من يحددها ويجبر الناس على تنفيذها ولئن كان القائد هو من يحتكر المعلومة وبالتالي يوظفها لخدمة الأهداف المذكورة فقد تغير كل شيء اليوم مما يعني أنه ليس بإمكان ذلك القائد التقليدي إدارة شؤون القيادة اليوم بالطريقة نفسها لأن الفضاءات المفتوحة وفرت المعلومة فضلا عن أن الأهداف الفردية لم تعد تعلو على أهداف الأمة بفضل مستوى الوعي الجماهيري بدقائق ما يجري في قمة هرم السلطة سواء أكان ذلك سلطة الدولة أو المؤسسة أو الحزب أو حتى الأسرة الصغيرة وهذا كله يعني بالضرورة أننا بصدد مفهوم جديد للقائد أصبح يتشكل وهو مفهوم القائد المنسق. إنه ذلك الفرد الذي يملك القدرة على التأثير وتوجيه مرؤوسيه بغية كسب تعاونهم وتحفيزهم على العمل بأعلى درجة من الكفاءة في سبيل تحقيق أهداف موضوعة لا يمكن أن يكتب لها النجاح الا إذا توفرت في القائد سمات مميزة أهمها: 1/ القدرة على فهم وتوجيه الآخرين ويمتلك صفات الشجاعة وتحمل المسؤولية مهما تكن الظروف. 2/ واقعي التفكير والتحليل بعيد عن الأوهام. 3/ لديه قدرة عالية على فهم متغيرات البيئة الداخلية والخارجية لمجموعته أو منظمته. 4/ يتمتع بمرونة عالية وقدرة على مواكبة التغيير والإبداع في خلق الأفكار الجديدة والمميزة. 5/ الثقافة الاجتماعية والمشاركة الوجدانية والتوافق الاجتماعي والنفسي مع عناصر مجموعته. 6/ الثبات وردود الفعل المناسبة تجاه المواقف والأزمات والحسم والحزم في اتباع النظام وتحري سياسة الموازنة في الثواب والعقاب. 7/ القدرة على المبادرة لأنه منوط به تحقيق أهداف محددة في ظل ظروف متغيرة. 8/ القدوة الحسنة لمرؤوسيه في القول والفعل مع سعة الاطلاع والرغبة في المعرفة وموضوعية أحكامه وواقعيتها. إن القيادة المبدعة والصفات المتميزة للقائد تتعاظم أكثر حين وقوع الأزمات أو توقعها فأثناء توقع أي أزمة سرعان ما يصاب الأفراد داخل المجموعة أو خارجها بالحيرة والارتباك والقلق وغياب المنطقية في التفكير ليأتي صوت من القمة بإمكانه أن يوفر قدرا من الأمان والهدوء ليقع على عاتقه إجراءات استراتيجيه أهمها: 1/ إنشاء فريق طوارئ لإدارة أزمة محتملة تضم خبراء في مختلف المجالات (قانونية فنية علاقات عامه) وأعضاء ذوي مهامات خاصة لها القدرة على التفاوض والتعامل مع الصراعات أثناء الأزمة. 2/ التدخل السريع لأن عنصر الوقت هو أحد المتغيرات في التحكم في إدارة الأزمة والتفكير في البدائل لاحتواء الضرر واستعادة نشاط التنظيم. 3/ إدارة أي أزمة يعني المهارة في توقعها والعمل على منع نشوبها وهذا لا يعني بالضرورة نجاح الكامل في تجنبها لكن على الأقل التخفيف من أضرارها وهذا ما يطلق عليه الاستراتيجية الوقائية . 4/ إعداد سيناريوهات مناسبة لمواجهة أزمات محتملة يتم دراستها ووضع تصور لتصاعد الأحداث والتخفيف من حدة المواقف المكونة للأزمة والمناورة بالإمكانات المتاحة. 5/ وضع استراتيجية لإجهاض الفكر الصانع للأزمة وذلك في صور قِيم واتجاهات للتأثير على هذا الفكر وإضعاف أسسه كالتشكيك في العناصر المكونة له أو التضامن مع الفكر الذي يقود الأزمة ثم التخلي عنه وإحداث الانقسام به. 6/ تنفيذ استراتيجية تغيير المسار والتعامل مع الأزمة الجارفة التي يصعب الوقوف أمامها بالانحناء للعاصفة والسير في اتجاهها نفسه في محاولة لإبطائها. ومنه فإن أي تطلع لنهضة أفضل رهين بمدى جاهزية هذا القائد ومن معه للتحديات والرهانات التي تصاحب عملية الانبعاث.. هذا الانبعاث يتطلب أولا بناء الإنسان فهو أساس كل حضارة بشرية ويتطلب ذلك إعادة تقييم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها بناء الإنسان ولا يتأتى ذلك إلا بتربية النشء على المثل العليا الصحيحة حتى نتمكن من قطف الثمار على المدى البعيد مع الصبر والاستمرارية لأن تسلق الجبل لا يتم إلا من السفح لتأسيس المشروع الطويل المنهك.. ولولا ذلك لما صمد المشروع أمام التحديات نتيجة ممارسات تتمثل في حرق المراحل واستعجال القطاف رغم إفناء الذات في السعي وراء الأهداف فتأتي الثمرة فجة غير ناضجة.. كما أن التركيز على إتقان البدايات أهم جزء في مشاريع القادة وربما هو ما يحدد نجاح الأهداف القادمة واستمراريتها لذلك من المهم التعامل معها بصبر وحنكة.. إذ أن نوعية المجهود عنصر أساس في صناعة النجاح وتحقيق أهداف حضارية على المدى البعيد وليس حجم المجهود. والتجارب كثيرة حول من خرجوا من الباب الخلفي لتجاربهم محبطين من عدم وجود أي مؤشرات إيجابية. فمراكمة التجارب وتتاليها زمنيا من ضرورات بناء هيكل أي تجربة إنسانية هادفة تمتد حضاريا في الآفاق.. وحتى وإنْ تحققت الأهداف الكبرى المستقبلية لا يعني أنّ الأمر بات فوق المساءلات والتحدّيات بل هو خاضعٌ لمفهوم: ﴿كَيْفَ تَعْمَلُوْنَ﴾. وفي سياق الحديث عن القائد القدوة فإن قادة غيروا التاريخ قد نعمت بهم الأمة الإسلامية في مراحل تاريخية قادوا الأمة إلى عزّها ومجدها متسلحين بشرع الله فجعلوا القرآن منهاجًا لهم والرسول قدوة فاستطاعوا أن يرتقوا بأنفسهم وأمتهم وسط الأمم. فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ضرب أفضل الأمثال في القيادة والإدارة وهناك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز ومحمد الفاتح.. أعظمهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان وما يزال أعظم معلم لم يرب جنودا بل قادة قيادية اتصفت بالصدق والعدالة المنصفة الحازمة الرشيدة الشورية المرنة القيادة المؤسسية الواعية الذكية والرؤية البعيدة وقدرة متفردة على إدارة الأزمات. ولو ظل القلم يسطر أسماء قادة سينتهى مداده قبل أن تنتهي الأسماء. *****