* الإهمال والتفريط في التحاليل الدورية يفاقمان عدد المصابين بالسيدا يعرف عدد داء نقص المناعة أي السيدا، والذي يعرف لدى العامة بمرض (العار)، ارتفاعا محسوسا بين الشباب الجزائري خاصة في السنوات الأخيرة، إلا أن تزوّد الجزائر ببعض الأدوية الحديثة في مكافحة هذا المرض، أدى إلى التخفيف من سرعة تطور هذا الفيروس في جسم الإنسان، وبالتالي استكمال حياته بصفة عادية بين أسرته إن لم يكن المرض في مرحلة متقدمة· ارتفعت نسبة المصابين بداء السيدا في الجزائر في الفترة الأخيرة، بشكل م"ديف" جداً مقارنة مع السنوات الماضية، وهذا ما أكد عليه البروفيسور "ديف" وهو رئيس مصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى المتخصص القطّار، وذلك خلال حوار خصّ به أخبار اليوم، بأنه منذ بداية الوباء في الجزائر خلال سنة 1985 وإلى غاية 30 جوان 2011 بلغ عدد الذين أصيبوا به في الجزائر حوالي 1210 حالة سيدا و5230 حاملين للفيروس، على أن هذه الأرقام ليست دقيقة ولا حقيقية، فالأسوأ هو ما كان في الخفاء· فأغلب المصابين بهذا المرض لا يبلغون عنه ويفضلون التألم بصمت حتى الموت دون أن يعلم بهم أحد، فالخوف من اكتشاف أمرهم من طرف المحيطين بهم، يجعلهم يكتمون آلامهم التي لا تنتهي إلا بالموت، كما أن هناك بعض الأشخاص الذين يعيشون بصفة عادية والفيروس في أجسامهم وهم لا يعرفون ذلك·· وبالتالي سينقلونه إلى كل المحيطين بهم، ومنذ 1985 وقعت حوالي 1150 وفاة، وحتى هذا الرقم ليس دقيقا فالرقم الحقيقي أكبر من هذا بكثير كما وضّح البروفيسور· أما عن عدد المعالجين في هذا المستشفى خلال هذا العام، فيوجد حوالي 125 حاملا للفيروس وهم تحت المراقبة الطبية الدورية، وحوالي1104 مريض بالسيدا يمكثون بهذا المستشفى ومن بين هؤلاء حوالي 100 طفل مصابون بهذا الداء تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 16 سنة يعالجون في جناح خاص بهم داخل هذا المستشفى· وللعلم، فإن هناك مركزين في العاصمة من يعالجان هذا المرض· فبالإضافة إلى مستشفى القطّار هناك المستشفى العسكري بعين نعجة الذي لم يصرّح للبروفيسور "ديف" بعدد المرضى الحاملين للفيروس، والذين يتلقون العلاج عنده وعن المصابين بالسيدا الموجودين بالمستشفى، أما باقي المراكز الأخرى المتواجدة في بعض الولايات، فهناك في مركز وهران المتواجد داخل المستشفى الجامعي حوالي 900 حالة لحامل الفيروس، و998 مريض بالسيدا، أما مركز تمنراست فيضم حوالي158 حامل للفيروس و158 مريض بالسيدا، وفي مركز سطيف هناك حوالي20 حالة لحمال الفيروس، و108 مريض بالسيدا· أما مركز عنابة ففيه حوالي 9 حاملين للفيروس و39 مريض بالسيدا، وفي قسنطينة 11 حامل للفيروس و28 مريض بالسيدا· أما على طول العام، فإن الجزائر تعرف أكثر من 2435 حالة سيدا وقد كان في بادئ الأمر يمس الرجال أكثر من النساء فبمعدل امرأة مقابل 5 رجال، ثم أصبحت امرأتين مقابل 3 رجال ومنذ ثلاثة سنوات أصبح كل من الرجل والمرأة متساويان في نسبة الإصابة، أما من ناحية العمر فإن الفيروس يمس ما بين 19-59 سنة· وللإشارة، فإن الفرق بين حالة السيدا وحامل الفيروس حيث يسبب الأول فقد المناعة كليا، أما الثاني فينقص المناعة تدريجيا· وقد كانت سنة 1985 بدايات ظهور هذا المرض الخطير، وكانت نسبة الوفيات به مائة بالمائة· واستمر إلى غاية 1998 وهي السنة التي قامت فيها وزارة الصحة باستيراد الأدوية لعلاج هذا المرض الفتّاك، وهذا بعد ازدياد حالات الإصابة به، لذلك فقد تراجعت هذه النسبة بشكل كبير جدا، حيث وصلت إلى غاية تحت 10 بالمائة· أما العدوى، فتكون في أغلب الأحيان عن طريق العلاقات الجنسية التي تعود أسبابها في الغالب إلى لجوء الشباب إلى هذا السلوك المنحرف، بسبب عدم قدرتهم على الزواج، فبعد أن كان معدل الزواج في الماضي ما بين 18 20 سنة، أصبح حاليا ما بين 33 35 وهذا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لهؤلاء الشباب· بالإضافة إلى تجارة الجنس التي تعتبر السبب الأكبر لهذا الداء، حيث انتشرت هذه الآفة بشكل م"ديف" خلال هذه السنوات، كما تنتقل هذه العدوى (السيدا) عن طريق الدم وكل الوسائل التي تسمح باختلاط دم ملوث مع دم شخص سليم، كاستعمال حقن المخدرات التي تعتبر ثاني أهم مسبب للعدوى بعد العلاقات الجنسية، بسبب انتشار استعمالها بين الشباب، حيث يفقدون رجاحة عقلهم بفعل الإدمان ويلجؤون إلى استعمال أي حقنة يجدونها أمامهم·· حتى ولو تسلموها من شخص حامل للسيدا·· أو يجلبونها من المزبلة·· كما قد ينتقل هذا المرض عن طريق استعمال أدوات ملوثة مثلا في العمليات الجراحية المختلفة، وأدوات الحلاقة كالشفرة·· وغيرها، الحجامة والوشم، فكلها وسائل قد تسبب المرض بسبب عدم تعقيمها، وهذا الإهمال يؤدي حتما إلى الموت بالسيدا· كما قد تتسبب الأم الحاملة للفيروس بالعدوى لجنينها وذلك بنسبة 30 بالمائة· علاج يكلف خزينة الدولة الملايير تقوم الدولة ممثلة في وزارة الصحة باستيراد الأدوية الأزمة لعلاج السيدا من الخارج، وذلك بتكاليف جد باهظة، فعلاج ومراقبة مريض واحد فقط يستلزم توفير ب600.000 دينار خلال العام الواحد، وهذه الأدوية توزع في 7 مراكز المشار إليها سابقا، والموزعة على كل من وهران، تمنراست، عنابة، قسنطينةوسطيف· بالإضافة إلى مركزين بالعاصمة، ويستفيد كل هؤلاء المرضى من الأدوية والمراقبة المجانية، فالدولة وحدها تتكفل بكل إجراءات من معالجة وإيواء في هذه المراكز في حالة طردهم من عائلاتهم·· وهذا ما يحدث في أغلب الحالات· ويؤكد رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى القطّار، بأن الجزائر تفتقد إلى سياسة محكمة ودقيقة لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، المستفحلة بين أفراد المجتمع الجزائري الغافل عنها، أو ربما الساكت عنها مجبرا بسبب الأخلاق الاجتماعية التي تمنعه من الكشف عن مثل هذه الأمراض· وربما حتى التنبيه عنها، وإبراز خطرها· فالأسرة لها الدور الأكبر في توعية أبنائها من خطر هذا المرض، وتنبيهه لكيفية الوقاية منه، وذلك من خلال زرع القيم الأخلاقية في نفوس الأطفال مع تعويدهم على النظافة الشخصية، لكن للأسف، فإن هذه الخلية الأساسية في المجتمع لم تعد تؤدي دورها كما يجب، وأهملت الكثير من مبادئ قيمنا الأخلاقية، كما أنها تحرّم على أبنائها الخوض في مناقشة بعض هذه الأمور، حيث تعتبرها محرمة ك(مرض السيدا) وتحرّم على أفرادها أيضا الاقتراب من حامل هذا المرض، على الرغم من طرق العدوى المعروفة لدى الجميع، إلا أن هذه الأسر تصرّ على وضع هذا المريض في غرفة ضيقة مظلمة، أما بالنسبة لبعض الوزارات فهي غائبة بصفة شبه كلية عن أداء دورها في التوعية لمكافحة هذا الداء، وعلى رأسها وزارة التربية· كما يصرح نفس المتحدث، فهذه الوزارة يجب أن يكون لها الدور الهام في توعية التلاميذ داخل المدارس، بحيث يفترض أن تقوم بوضع برنامجا خاصا بالموضوع ومكثفا على طول العام، بحيث يستفيد منه تلاميذ المتوسطة والثانوية من خلال مدهم بمعلومات صحيحة، وكيفية الوقاية من هذا المرض الفتاك· ودور وزارة الإعلام التي تظهر فقط في المناسبات أي في اليوم العالمي للسيدا لتقوم فقط بعرض عدد المرضى مع إعطاء أسباب المرض، ورغم ذها فإنه ولحسن الحظ توجد بعض الوزارات النشطة نسبيا في هذا المجال كوزارة التعليم العالي ووزارة العدل·· أما عن الجمعيات فحدث ولا حرج، فهي الأخرى غائبة تماما عن هذا المجال على الرغم من وجود الكثير منها، فمنها من تتبنى شعار مكافحة الإيدز، فقط في المناسبات·· ! بالإضافة إلى نقص فادح في مراكز الفحص عبر الوطن، إذ يقدر عددها حوالي 55 مركزا فقط، وينصح البروفيسور "ديف"، المواطنين بالامتناع والحرص من إقامة علاقات جنسية مع أشخاص أجانب، مع التأكيد على قيمة الوفاء ما بين الأزواج، بحيث يكونون محميين من التعرض للإصابة بمختلف الأمراض الخطيرة المتنقلة عن طريق العلاقات الجنسية كالسيفيليس والكلاميديا والتهاب الكبد الفيروسي· .. هذه أهم أسباب زيادة عدد المصابين بالسيدا تؤكد الطبيبة عبد اللي، وهي ناشطة على مستوى المخبر الخاص بإجراء التحاليل الخاصة بالأمراض المعدية في مستشفى القطّار، بأن الإهمال وعدم النظافة عاملان أساسيان في انتقال هذه الأمراض ما بين الأشخاص، فعدم مراقبتنا لبعض الأدوات التي تلامس جلدنا، وتتوغل إلى دمنا، قد يؤدي ذلك إلى نتائج لا يحمد عقباها خاصة بالنسبة للأطفال، فالمراقبة الدائمة تقينا كل الشرور المحتملة، خاصة في صالونات الحلاقة نسوية أو رجالية كانت، أين يكثر استعمال نفس الوسائل لكل الوافدين على هذه المحلات، وفي الكثير من الأحيان قد تجرح الزبونة أو الزبون بوسيلة ما، ثم تستعمل نفس الأداة مرة أخرى دون تعقيم مع زبونة أخرى· أيضا بائع الذهب الذي يستقبل الزبائن لعملية ثقب آذان، هم أيضا معنيين بتعقيم هذه الوسائل· كما توصي نفس المتحدثة الأهل بمراقبة أطفالهم أثناء اللّعب، ففي الكثير من الأحيان يقوم بعضهم بوخز أنفسهم بإبر أو أشياء حادة غير معقمة، قد تؤدي إلى إصابتهم بأمراض خطيرة، مع التأكيد على وجوب إجراء التحاليل اللازمة التي توصف للمرأة الحامل في أول حملها، فهذه التحاليل هامة جدا، حيث تستطيع كشف الأمراض المعدية قبل تكوّن الجنين وانتقال المرض إليه في الأشهر الأخيرة، فإنقاذه بعد ذلك سيكون صعبا جدا· لذلك فعلى كل النساء الحوامل أن يلتزمن بإجراء هذه التحاليل، ولا يقللن من شأن الموضوع لأنه فيه مسألة حياة أو موت، أو أنهم بعيدات عن هذا المرض، فالإصابة محتملة للجميع، والتفريط والإهمال سيعقدان الأمور، حيث يمكن للطب أن يحدّ من انتقال العدوى للجنين خلال الثلاثة الأشهر الأولى، وضمان صحته ثم إجراء عملية جراحية لإخراجه من بطن أمه سليماً، وهذا بفضل العلاج التي تستورده وزارة الصحة الذي أنقاذ في العديد من المرات أطفالا رضع، غير أن بعض النساء لا تكتشفن المرض إلا في مراحل متقدمة من الحمل، وعندها يكون قد فات الآوان للعلاج· وللعلم، فإنه يمكن للنساء الحوامل المصابات أن يقمن بعملية جراحية في نهاية الحمل لإخراج المولود من بطونهن معافى إذا أنقذنه في الوقت المناسب قبل انتقال العدوى· من جهة أخرى، فإن الإجراءات جد سهلة في هذا المخبر الخاص فقبل إجراء التحاليل يطرح على المريض بعض الأسئلة، وفي الغالب لا يجيب المريض صراحة وذلك خجلا منه، على الرغم من أن كل معلوماته تبقى سرية حتى أنهم يستشيرونه في كتابة اسمه على الأوراق من عدمه، وأغلب الوافدين على هذا المخبر هم المقبلون على الزواج، فإلزامية ذلك أجبرتهم على إجرائه قبل العقد· أما الأفراد الذين لهم سلوك منحرف كالمدمنين على المخدرات فتواجدهم بهذا المخبر يكون نادرا، رغم أنهم الفئة الأولى المعرضة لاحتمال الإصابة بمختلف الأمراض المعدية كالسيدا والتهاب الكبد الفيروسي والسيفيليس، كما تؤكد نفس المتحدثة، أنه يمكن أن يواصل المصاب بفيروس السيدا حياته طبيعيا بين أفراد عائلته، دون أن يتعرضوا للإصابة بالعدوى مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة كاستعمال أدوات خاصة بكل فرد، وبهذا تقل نسبة انتقال العدوى فتسهل على المصاب العيش مع أهله دون خطر وتساعده على الاندماج من جديد في محيطه· أجواء رمضان والعيد غائبة عن يوميات مرضى السيدا تضم مصلحة معالجة مرضى السيدا بمستشفى القطّار، في الجزائر العاصمة، العديد من مرضى السيدا، وهم خليط من الرجال والنساء والأطفال، وكل منهم موجود في مصلحة خاصة به· ومن خلال جولة قادتنا إلى مصلحة النساء، وجدنا أن أغلبهن يقمن في المستشفى منذ فترة طويلة، بسبب انتشار المرض في الجسم، وبسبب انعدام مأوى آخر لهن، فالعائلة تخلت عن المصاب أنثى أو ذكر كان، والخطر واحد وهو اعتقاد هؤلاء بأن العدوى ستكون بمجرد ملامسة المريض أو التكلم معه··، لذا فإن أغلب هؤلاء المرضى تنعدم زيارات الأهل لهم على مدار العام، حيث لا يزورهم أحدا، ولا يتذكرونهم لا في رمضان أو حتى العيد، لذا فكل الأيام سواء عندهم، لا يفرقون بين النّهار والليل ولا بين شعبان وشوال·· كل ما يشغلهم هو الألم فقط، يثقل أيامهم ومقاومتهم تقل يوما بعد يوم، فأغلب المريضات تظهر على وجوههن علامات اليأس، وتتملكهن رغبة في الصراخ في وجه كل المحيطين·· "لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ" وربما كان مسالما إلا أن المرض لاحقه إلى عقر داره· كما حدث مع الكثيرات من النساء كما أكد لنا البروفيسور "ديف"، حيث ينتقل إليهن المرض عن طريق أزواجهن، الذين لم يظهر عليهم المرض إلا أن المرأة المسكينة تسقط في هذا المستنقع، ثم تقوم بنقله إلى جنينها إذا كانت حاملا، وربما ماتت الأم والمولود وبقي الرجل معافى تظهر عليه علامات الصحة، في حين أن جسمه ينخر من الداخل ويخبئ الأسوأ، فقد يتهم زوجته بهذا (العار) الذي جلبته، ثم يعيد الزواج بأخرى لينقل إليها المرض، وبالتالي تتسع الرقعة·· كما أنه توجد نساء قمن بإنجاب أبناء أصحاء بعد اتباع العلاج المقدم من الأطباء، حيث يقل انتقال العدوى إلى الجنين، ثم تتخلى عنه بالاتفاق مع مصالح المستشفى التي تقوم بنقله إلى دور الطفولة المسعفة، وهذا بسبب عدم قبول رعايته من طرف عائلة المريضة، لكن هناك بعض النساء من لا يتحملن هذا الفراق فيصبن بعدة أزمات نفسية تزيد من آلامهن المتواصلة التي لا تنتهي· للعلم، فإن معظم الأطفال بالمستشفى الموجودين للمعالجة من السيدا، قد نقل إليهم المرض عن طريق أمهاتهم، وتقوم المستشفى برعايتهم والتكفل بكل مصاريفهم·· وأغلب هؤلاء المرضى الأبرياء يتمتع بذكاء شديد·· إلا أن المجتمع لا يرحم، فتهمة المرض تلازمهم أينما ذهبوا، فلا تسمح لهم بتحقيق أحلامهم البسيطة أو حق الفرح والسعادة بسبب هفوة·