يعتقد الكثير من الأولياء أن تعليم الطفل لغة أجنبية أو اثنتين، من شأنه أن يرفع من مستواه التعليمي والثقافي لاحقا، كما أنه يزيد فرص التألق والناجح واكتساب العديد من المهارات، بالإضافة إلى ضمان مستقبل واعد لهؤلاء في عالم أضحى مجرد قرية صغيرة بفعل العولمة والتكنولوجيات الحديثة التي أصبح فيها التواصل مع ملايين البشر عبر مختلف مناطق العالم لا يحتاج إلى أكثر من كبسة زر واحدة، ولكنه يحتاج أيضا إلى إتقان عدد من اللغات العالمية، وهو ما يرغب به الكثير من الأولياء لأبنائهم، خاصة منهم أبناء الطبقة الغنية أو أبناء المثقفين، أو أبناء من لديهم ثقافات غربية تميل إلى اللغات الأجنبية أكثر من ميلها للغة العربية. وعليه فقد يلاحظ كثيرون عددا من الأطفال في مختلف الأماكن وهم لا يتحدثون إلا باللغة الفرنسية مثلا، ولا يستطيعون التواصل إلا بها، مع أنهم قد يفهمون بضع كلمات بالعربية، ولكنهم لا يستعملونها إلا نادرا، ولا يتمكنون من فهم أي حديث بالعربية، وغالبا ما يكونون متمدرسين في مؤسسات تربوية خاصة، أو في روضات خاصة كذلك، لا تتعامل إلا باللغات الأجنبية، وتكون لغة التعليم الأساسية فيها هي اللغة الفرنسية، وطبعاً فهذا ما هو متاح لشريحة معينة فقط في المجتمع الجزائري، وهو ما يجعل هؤلاء الأطفال أيضاً مهددين بفقدان لغتهم الأم، أي اللغة العربية التي يجدون أنفسهم عاجزين عن تعلمها أو حتى تعلم عاميتها مستقبلا، وهو ما سيكون له تأثيرٌ كبير على تكوين شخصيتهم وعلى انتمائهم وهويتهم وثقافتهم فيما بعد، ولأنهم يعيشون ويكبرون في هذا المجتمع فهذا يعني أنهم سيحتاجون يوما إلى التعامل مع الآخرين، أو التعامل مع أشخاص خارج محيطهم الأسري، الذي يعرف احتياجاتهم، ما يجعل فرص التواصل فيما بينهم ضعيفة أو محدودة، ويساهم في انعزالهم وانطوائهم، أو انغلاقهم على أنفسهم، فلا يخرجون من الحدود الضيقة لأسرتهم أو طبقتهم الاجتماعية التي ينتمون إليها. عدا ذلك فإن الكثير من الخبراء يؤكدون أن الوقت المناسب لدراسة اللغة الأجنبية يكون عادة في سن المراهقة أو قبلها بقليل، وذلك عندما يبدأ الناشئ يهتم بالعالم الخارجي، وبالناس الذين يعيشون خارج وطنه ممن لهم به صلة في تاريخ أمته القديم أو الحديث، ومعظم الدول الغربية لا تعلم أبناءها في المرحلة الأولى إلا لغة الطفل القومية، هذا بالإضافة إلى المشاق والصعوبات الكثيرة التي يتلقاها الطفل وهو بصدد تعلم لغة غير لغته، ثم معاناته بعد ذلك لأجل تعلم اللغة العربية بشطريها الفصحى والعامية لأجل أن يتمكن من التواصل مع الآخرين، وهو ما يجعله غير قادر على الإلمام بها مهما بذل من مجهودات. في هذا الصدد تقول إحدى السيدات إن ابنها الذي لازال بالطور التحضيري بإحدى روضات الأطفال الخاصة، لا يتحدث بغير الفرنسية، مع أنها تحاول تعليمه العربية، ومع ذلك فإنه يجد صعوبات كبيرة في نطقها على عكس اللغة الفرنسية التي يتحدثها بطلاقة رغم أنه لا زال لم يبلغ الخامسة من العمر بعد، أما العربية فإن حتى مخارج الحروف لديه، غير سليمة، وتخشى أن يؤثر ذلك على علاقته بغيره من الأطفال لأنها تنوي أن تدخله مدرسة عادية عندما يبلغ السادسة من العمر، كما تخشى على تحصيله الدراسي فيها، على اعتبار أن المدارس العادية تعتمد على اللغة العربية بالدرجة الأولى، وهو نفس المأزق الذي يقع فيه الكثير من الأولياء الذين يفضلون تمدرس أبنائهم في المدارس العادية، في حالة ما رفضوا مواصلة تدريسهم بالمدارس الخاصة.