وظائف الإعلام العولمة تشير «عواطف عبد الرحمن» في مؤلفها "الإعلام العربي وقضايا العولمة" إلى أهم وظائف الإعلام العولمي، وهى: - أولا : في ظل صعود الإعلام السمعي البصري، أصبح هو المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة التي حلت مكان الأسرة والمدرسة والتي تقوم بدور أساسي في تلقين النشء والأجيال الجديدة المنظومة المعرفية المنزوعة من سياقها التاريخي للقيم السلوكية ذات النزعة الاستهلاكية ومن خلال هذه الوظيفة يمارس الإعلام أخطر أدوره الاجتماعية التي تتمثل في إحداث ثورة إدراكية ونفسية تستهدف إعادة تأهيل البشر للتكيف مع متطلبات العولمة وشروطها. ثانيا- تقوم وسائل الإعلام باختراق منظومة القيم الثقافية لدول الجنوب من خلال المسلسلات والأفلام وقد نجحت أمريكا في اختراق الأنظمة الثقافية لدول الجنوب وقدمت لشعوبها النموذج الأمريكي كغاية مثلى. ثالثا- تقوم وسائل الإعلام باستقطاب النخب المثقفة للترويج لفكر العولمة وأيديولوجيتها عبر الحوارات التلفزيونية والمقالات والمؤتمرات محاولة منها تهميش الثقافات والسياسات الأخرى ويتم أيضا تكثيف الجهود لمساندة السياسات الاقتصادية الثلاثة الذي يقوم بإدارة اقتصاد العالم "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" و"منظمة التجارة العالمية". رابعا- تشير الدراسات إلى استفادة العولمة من استمرار النظام الإعلامي العالمي الراهن الذي يتسم بالخلل وأوجه التفاوت الخطيرة سواء على المستويات المحلية والعالمية والتي تتمثل في الانسياب غير المتوازن للمعلومات مع رسوخ الاتجاه الرأسي الأحادي الجانب من الشمال إلى الجنوب من المراكز إلى الأطراف ومن الحكومات إلى الأفراد، ومن الثقافة المسيطرة إلى الثقافة التابعة والدول الغنية تكنولوجيا في الشمال إلى الدول الأفقر في الجنوب. خامسا- تشير الدراسات إلى تزايد أهمية الأدوار التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات في الأنشطة الإعلامية والثقافية، ويتجلى ذلك في توظيف وسائل الإعلام الدولية والمحلية كأحزمة ناقلة يتم من خلالها ترويج القيم الاجتماعية والثقافية الغربية ونشرها في دول الجنوب، مما يتسبب في إحداث بلبلة واضطراب شديد في منظومة القيم المميزة لثقافات الشعوب. سادسا- يقوم الإعلام بدور أساسي في ترويج السلع والخدمات التي تقدمها السوق العالمية من خلال الإعلانات التي تتضمن محتوياتها قيما وأنماط للسلوك الاستهلاكي تستهدف الدعاية للسلع الأجنبية مما يلحق الضرر بالاقتصاديات المحلية علاوة على التأثير السلبي للإعلانات على حرية الإعلام والصحافة في دول الجنوب. سابعا- تروج وسائل الإعلام العولمية حول ما يسمى ب"القرية الاتصالية العالمية"، باعتبارها أبرز ثمار التكنولوجيا المعاصرة والذي يعنى في جوهره إحاطة الجماهير في كافة إنحاء المعمورة بكل ما يدور في العالم من أحدث وأفكار وصراعات وانجازات بشرية، وإن يتم ذلك بشكل يتسم بالموضوعية والتكامل والمصداقية بحيث يخلق معرفة شاملة وحقيقية بما يدور في الكون. نفوذ إعلام العولمة - استطاع إعلام العولمة أن يكفل محيطا ثقافيا واسعا ونظرة أشمل إلى العالم وعمقا في الاتصال الإنساني وبذلك استقطب الملايين عبر رسائله المبسطة في عالم مليء بالتعقيدات. - استطاع الإعلام في عصر العولمة أيضا أن يعيد تشكيل العالم في صورة محسوسة بعد أن سيطرت وسائله على الزمان والمكان وصار المشاهد يجد نفسه في أي نقطة في العالم وهكذا استطاع إعلام العولمة عبر وسائله علاقة جديدة مع العالم والزمن ليكتشف الإنسان أن العالم المترمى الأطراف يمكن أن يختصر فيه المسافات والفروق الزمنية ليصير كرة معلوماتية بعد أن كان في مرحلة سابقة قرية الكترونية صغيرة. - استطاع في عصر العولمة أن يوفر لوكالات الإعلان الدولية المناخ الملائم لنشر قيم المجتمع الاستهلاكي التي تعارض لثقافة جديدة على شعوب تحاول أن تحتفظ بذاتيتها وخصوصيتها الثقافية. - استطاع إعلام العولمة بقدراته التكنولوجية الهائلة أن يضعف من نظم الإعلام الوطنية ويزيد من تبعيتها له لتنقل منه ما يجود به عليه من صور ومعلومات وإعلانات . - استطاع الإعلام في عصر العولمة أن يحل العلاقات الدولية إلى بحر من الأمواج المتلاطمة فأحدث تأثيرات من الصعب تقييمها في الوقت الحاضر فالواقع يؤكد أن عمليات التوظيف والتعتيم والتضليل والتحريف والتشهير لخدمة أغراض قوى عظمة أصبحت مسائل واضحة للعيان وأثرت بدورها في العلاقات بين الدول . - استطاع الإعلام في عصر العولمة إن يدفع بالإنسان خطوات واسعة في طريق السلوك الاستهلاكي، ذلك أن الاستخدام الواسع الإعلان الدولي عبر وسائله في مجال تسويق السلعي والخدمات أدى إلى خلق طلب واسع على هذه السلع حتى في بلاد لا تسمح الدخل فيها بتبني أنماط الثقافة الاستهلاكية والنتيجة الطبيعية انخفض معدلات الادخار في مثل هذه الدول وبالتالي امتصاص جزء كبير من فضائلها الاقتصادية على الرغم الحاجة الماسة إليها. عولمة الرسالة الإعلامية كثيراً ما نسمع اليوم عن ظاهرة العولمة ونتائجها وآثارها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكننا أن نغض النظر عما يجري تحت مظلة هذه الظاهرة العالمية حتى وإن كنا ممن يخالفون أو ممن لا يؤمنون بالعولمة كظاهرة أخذت تضع بصماتها حتى على ما يمارسه الأفراد يومياَ ناهيك عن المجتمعات التي انجرّت وراء هذه الظاهرة العالمية، أما عن الإعلام، فما هي العلاقة بين العولمة والإعلام؟ هل أن الإعلام العالمي تأثر بالعولمة؟ أم أن العولمة هو انعكاس لظاهرة الإعلام العالمي الذي حمل الرسالة السياسية والاقتصادية والثقافية عبر وسائلها لتقنية؟ الحقيقة هي أن كلا الظاهرتين متلازمتان لا يمكن أن ينفكّ احدهما عن الأخر على الأقل في عالمنا المعاصر الذي طوي شوطا من الزمن توسعت فيه دائرة العولمة من ناحية وكثرت وتشعّبت وسائل الإعلام فيه من ناحية أخرى، وقد أثّرت العولمة وبحد كبير على الأنشطة الإعلامية في عالمنا المعاصر ولا تخلو اليوم أية ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا ولعبت فيها وسائل الإعلام دوراً يكاد أن يكون الأهم حتى بالنسبة لما تحتويه هذه الظواهر من معنا في المجتمعات المختلفة. في مقدمة كتابه أكّد البروفيسور «أبو العينين» أن الكثير من الباحثين يعتقد بأن عولمة الأنشطة الإعلامية تمثل أهم تطور أعلامي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وأن هذا التطور سوف يحدد مسار هذه الأنشطة طوال سنوات القرن الحالي، فضلاً عما يمثله ذلك من أهمية وتأثير في أنظمة الإعلام الوطنية في دول العالم، ولكن هناك أيضا ملاحظات مهمة في هذا المجال لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار وهي: أولاً: أن عولمة النشاط الإعلامي لم تتحقق بعد بالصيغة التي ربما تكون قد استقرت لدى الكثيرين. ثانياً: إن ما تحقق عينياً هو عولمة الرسالة الإعلامية بفضل سقوط الحواجز وهي ظاهرة «تقنية» أكثر من كونها ظاهرة سياسية أو ثقافية على الرغم من تأثيراتها السياسية والثقافية. ثالثاً: أن درجات استجابة الأنظمة الإعلامية الوطنية للتغييرات التي تفرضها عولمة صناعة الإعلام متفاوتة إلى حدود بعيدة، الأمر الذي ينفي بشدة حقيقة أن تكون العولمة سمة أساسية لأنشطة وسائل الإعلام عبر مناطق العالم المختلفة في الوقت الراهن. رابعاً: إن عولمة النشاط الإعلامي، حيث توجد الآن ليست ظاهرة حديثة تنتمي للعقدين الأخيرين من القرن الماضي، ولكنها تعبير عن تطور تاريخي تمتدّ جذوره إلى القرن التاسع عشر، وان كانت خطاها قد تسارعت في الربع الأخير من القرن العشرين. وقد كشفت الممارسات المختلفة في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن ال20 عن دورين أساسيين قامت بهما وسائل الإعلام في المنظومة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العالمية، وهو الدور الاقتصادي حيث تلعب فيه وسائل الإعلام دوراً مهماً، فقد أصبحت العولمة الإعلامية تمثل قيمة اقتصادية هائلة ومتنامية وبخاصة في ظل اقتصاد المعلومات الذي أصبح السمة الأساسية للاقتصاد العالمي، حيث بلغت استثمارات صناعة المعلومات تريليوني دولار عام 1995، وفي نهاية القرن عام 2000 بلغت 3 تريليونات دولار سنوياً بعد إن كانت هذه الاستثمارات لا تتجاوز 350 مليار دولار عام 1980، وثانياً الدور الإيديولوجي الذي يوفر بيئة معلوماتية وإيديولوجية لدعم الأسس السياسية والاقتصادية والمعنوية لتسويق السلع والخدمات وتطوير نظام اجتماعي قائم على تحقيق الربح عبر الثقافات الوطنية المختلفة، وبصورة عامة فإن دراسات العولمة في العلوم الاجتماعية تتسم بالتركيز على ظاهرتين أساسيتين، تحتل وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون فيهما مكانة متميزة: أولا: الوسائل التي يسّرت بها الشركات متعددة الجنسيات عولمة رأس المال والإنتاج. ثانياً: الثقافة العالمية الناتجة عن ظهور نمط من الشركات متعددة الجنسيات يمتلك ويهيمن على وسائل الإعلام الجماهيرية مما سبب ظهور نمط من الثقافات والإيديولوجيات ذات التوجه الاستهلاكي. وتخضع أدبيات البحث في ظاهرة العولمة أيضا للعديد من التصنيفات تؤكد بعضها على أنها أحادية السبب والأخرى متعددة الأسباب، ويرى هناك تصنيفاً آخر أكثر ملائمة لتقديم شروح أفضل لظاهرة شديدة التعقيد مثل العولمة وهو تصنيف رباعي يرتكز على تمايز الاتجاهات التالية: أولا: مدخل النظم العالمية «The World System Approach»وهو يبنى على التمييز بين دول المركز وشبه المحيط والمحيط من حيث طبيعة دور هذه الدول في تقسيم العمل الدولي الخاضع لسيطرة النظام الرأسمالي العالمي. ثانيا: النموذج الثقافي العالمي «Global Culture Model»ونشأ هذا النموذج من البحوث التي تناولت عولمة الثقافة، ويهتم هذا المدخل بالمشكلات التي تسببها ثقافة متجانسة مرتكزة على وسائل الإعلام، وبخاصة التلفزيون . ثالثا: نماذج المجتمع الدولي: «Global Society Models» ويعتقد أصحاب هذه النماذج بأن المجتمع العالمي تاريخيا قد أصبح حقيقة في العصر الحديث فقط، وأن العلم والتقنية والصناعة والقيم العالمية المتنامية أوجدت عالما مختلفاً عن أي عصر من عصور الإنسان السابقة. رابعاً: مدخل الاقتصاد السياسي: «Political Economy» ويرتكز هذا المدخل على افتراض أن ديناميكيات الصناعات المنتجة للثقافة يمكن فهمها في ضوء الحتمية الاقتصادية، وينتمي هذا التوجه إلى الغلاة من الماركسيين اللذين يعتقدون بأن ظاهرة العولمة هي نتاج هيمنة القوى الرأسمالية على التطور الاجتماعي والثقافي السائد عالمياً، وفي هذا المجال تمثل وسائل الإعلام ركناً أساسيا في تفسير هذا المدخل لظاهرة العولمة. وهناك من يشير إلى ثمة علاقة وثيقة ربطت بين عولمة النشاط الإعلامي وتصدير الرأسمالية التجارية عبر تطورهما التاريخي، وأن تلك العلاقة هي التي تحكم التطورات الراهنة والمستقبلية في صناعة الإعلام من دون أن ينفي ذلك تدخل عوامل أخرى». ويدعم هذا الافتراض العوامل التالية: 1- التزامن بين ظهور النشاط الإعلامي خارج الأسواق الوطنية الرأسمالية وتصدير الرأسمالية الصناعية والتمدد التجاري في الأسواق الخارجية. 2- الاختلاف الموجود في عولمة الأنشطة الإعلامية التي تطرح على الصعيد العالمي وتنعكس في الأنظمة الإعلامية الوطنية الغربية. 3- خضوع أكبر نسبة من الأنشطة الإعلامية الدولية لعدد من الشركات العالمية العملاقة ونمو الشركات الإعلامية العالمية تبعاً لنمو تلك الشركات. 4- وحدة العمل والمنشأ للشركات العالمية العملاقة مما يشير على انسجامها في الأصعدة المختلفة. 5- تماثل التوزيع الجغرافي للمستوى الذي تحقق من عولمة الأنشطة الإعلامية مع توزيع الاستثمارات التجارية والصناعية للشركات العالمية متعددة الجنسيات مما يدل على إنهما حقيقة واحدة. 6-الاختلاف في تأثير النشاط الإعلامي عبر الوسائل الإعلامية المختلفة. فصناعة التلفزيون مثلاً هي الأكثر تأثراً بسياسات العولمة. ويستخلص من هذا الافتراض نتيجة مهمة وهي إن الطابع التاريخي لظاهرة العولمة ينفي عنها صفة الاستمرار باعتبارها مرحلة تاريخية مرتبطة بالقوى الداعمة لها مما يفسح المجال أمام العوامل الوطنية سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية، للتعامل مع هذه الظاهرة"، وهذا يعني من جهة أخرى أن عولمة النشاط الإعلامي ستزول أو ستتغير إذا تغيرت معالم التجارة العالمية وان تكامل الاقتصاد الوطني سيلعب دوره في تعديل الأنشطة الإعلامية لصالح الشعوب خلافاً لما تريده الشركات العالمية المتعددة الجنسيات.