لا احد يحبب النهوض في ساعات الصباح المبكرة، لا التلاميذ للالتحاق بمدارسهم ولا العمال للذهاب إلى مقرات العمل، وحتى النساء الماكثات بالبيت يجدن صعوبة كبيرة في النهوض لترتيب البيت، او لتحضير الفطور، وفي فصل الشتاء وفي الأيام الباردة ترتفع درجات الكسل عند البعض، ويزداد تمسكهم بالفراش، بل إن هذا الكسل يصبح حالة مرضية جعلت البعض يطرد من العمل والبعض الآخر يتوقف بمحض إرادته، ويبحث له عن عمل في الليل، او بعد منتصف النهار. الحاجة صورية التي التقيناها في حافلة للنقل، والتي كانت تتحدث إلى راكبة بجانبها تشكو لها من ابنها الذي لم يعمل طيلة حياته، وحين عثر على عمل محترم، توقف بعد أسبوع واحد لأنه لم يعتد على النهوض على الساعة السابعة صباحا، بل انه عرض على رئيسه في العمل أن لا يطالبه بالحضور باكرا إلا في الصيف أما الشتاء فان الصباح فيه وقت مقدس، وكانت الحاجة صورية تحكي ذلك بنوع من السخرية الممزوجة بمرارة، ولما قمنا بسؤالها عن سبب عزوفه عن العمل في حياته السابقة، قالت انه كان يتفادى أن يعمل في الصباح وكان يتعذر في كل مرّة بعذر ما، بقلة الأجرة او بعد المسافة او غير ذلك، وعندما وجد عملا محترما قريبا وبمبلغ مقبول لا يحلم به حتى الحاصلون على الشهادات العليا، أراد أن يجرب لكن بعد أسبوع كان الأشدّ قسوة عليه في حياته، أعلن استسلامه، واقترح على رئيسه في العمل ذلك الاقتراح الغريب المضحك في آن واحد، وتضيف لنا صورية، أنّ ابنها وحتى حين كان يدرس كان يذهب متأخرا في كل مرة، وهو ما جعله يطرد من الدراسة مبكرا،قالت لنا الحاجة صورية هذا وتأسفت إلى حالة ابنها والكثير من الشباب الذين سلبهم الكسل الطموح والحيوية اللتان عادة ما يتمتع بهما الشباب في مقتبل العمر. تأسفنا لحالة الحاجة صورية التي يبدو أنها باءت بعبء ابنها الكسول، وزادنا أسفا أن نعثر على سفيان وهو شاب ليس كسولا فحسب بل يدافع على كسله، ويختلق لنفسه أعذارا أقبح من ذنبه بكثير وسفيان هذا ومما علمناه من أمره انه لم يعمل نهارا في حياته بل لا يعمل إلاّ ليلا، لأنه لا يحتمل النهوض باكرا، وقد قال لنا أن هذه العادة او هذا المرض التصق به منذ أن أتمّ دراسته الأساسية حيث اعتاد في الصائفة التي تلت ذلك العام الدراسي أن ينام حتى ساعات متأخرة من النهار، وحتى عند دخوله المرحلة الثانوية فقد كانت كل الحصص الصباحية تضيع عليه، لكنه مع ذلك كان يجاهد في الحصول عليها من زملائه، ولم يفكر يوما في أن ينهض باكرا، لان ذلك اشق عليه وأقسى.