29 ألف متشرّد في شوارع الجزائر تعرف ظاهرة المتشردين تزايدا ملحوظا في الشوارع الجزائرية، بما تحمله في طياتها من مؤشرات تنذر بخطورة الوضع، خاصة على المارة الذين أصبحوا يتخوفون من الاعتداءات، بعد أن اختلطت فئات المتشردين بين متعاطين للمخدرات ومتسولين ومدمنين على الدعارة، بالإضافة إلى المختلين عقليا. هذا وأفادت آخر الإحصائيات عن وجود 165 شخصا في شوارع العاصمة يعانون من أمراض عقلية، بينهم 161 رجلا وأربع نساء تم توجيههم إلى مختلف المراكز المختصة لتلقي العلاج اللازم، حيث تتكرر معاناة المتشردين وتزداد مع قدوم فصل الشتاء والبرد القارص، وحسب آخر الإحصائيات المقدمة من طرف المؤسسة العمومية للإسعاف الاجتماعي بالعاصمة، فقد ارتفعت نسبة المتشردين بشوارع العاصمة الذين يواجهون قساوة البرد، حيث تم إسعاف 7675 متشردا خلال الشتاء الماضي، فالمتجول في شوارع الكثير من المدن الجزائرية يصادف في طريقه إلى البيت أو العمل فئات من مختلف الأعمار، أطفالا، نساء رجالا ومسنين، يفترشون الأرض في غالب الأحيان، أو قطعا من "الكرتون" أو أي شيء رث على قارعة وزوايا الطرقات أو داخل أقبية العمارات، تحت الجسور، وبجانب المحلات المغلقة، وصل عددهم السنة المنصرمة إلى 2099 شخصا متشردا بالجزائر العاصمة وحدها، منهم 1823 رجلا و209 امرأة و67 طفلا، تم تحويلهم إلى مديرية النشاط الاجتماعي.
ويقتات المشردون في الشوارع من صدقات بعض المحسنين أو بما تجوده عليهم بعض العائلات المجاورة للأماكن التي يفترشونها، ليبادر ذوو الإحسان بمساعدتهم بالقليل من النقود والوجبات المنزلية وبعض الأفرشة، منهم من يلتحفون بالأغطية الرثة المشكلة من طبقات من الأوساخ والروائح الكريهة، ومنهم من يرتدي ثيابا بالية تكاد تستر عوراتهم، الأمر الذي يجعل أجسادهم عرضة إلى مختلف الأمراض، خاصة أن أجسامهم نحيلة بسبب سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية، ما يزيد من تدهور صحتهم، ويعرف بعض المختصين الاجتماعيين ظاهرة التشرد "هو بقاء الإنسان في العراء لفترات طويلة والمبيت في أي مكان يختلف أحيانا تبعا للظروف، المتشرد إنسان بلا مأوى لا ينعم بالأمان في بيت له باب وسقف، إنه إنسان مهمش لا ينظر للمستقبل فكل حياته هي اللحظة التي يعيشها، منتهى أحلامه أن يمر يومه بدون مشاكل أو اعتداءات، ولكن جراح ماضيه تطارده وفي بعض الأحيان تدعوه إلى الانحرافات بكل أنواعها. من خلال التسميات الكثيرة التي أدرجناها حتى الآن: أطفال محرومون، مهمشون، مهملون اجتماعيا، غير مندمجين... يبدو جليا أننا نقصد بدراستنا كل الأطفال من أي سن كانوا قبل الرشد يعانون من الحرمان أو عدم الاستقرار النفسي أو العائلي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. حيث ذهب ذات المتحدثون إلى أن التشرد ظاهرة حديثة أفرزها التقدم الصناعي وما رافقه من تحولات اجتماعية، وتمركز في المدن الكبرى ونشوء أحياء عشوائية وبيئات غير سليمة، ومن أزمات اقتصادية، كالبطالة وانخفاض الدخل، وإذا كانت الدول المتقدمة قد استيقظت مبكرا على ظاهرة التشرد وحاولت معالجتها بكافة الوسائل،والطفل المشرد لا تكفي في حقه عبارات مهمل أو مهمش أو غير سوي أو غير متكيف، لأن وضعه في الواقع أخطر من ذلك بكثير، فهو يشكل في البداية خطرا على نفسه ومستقبله، وعندما يزداد إتقانه للجنوح والإجرام يتحول إلى خطر على المجتمع ككل، ومعلوم أن التشرد يرافقه عادة التمرد على الضوابط الاجتماعية والقانونية، وهو يقترن في الأذهان بالتسول وتعاطي المخدرات والانحراف وتعلُّم وسائل الإجرام المحترَفة.
أحصت مصالح وزارة التضامن الوطني، ما يفوق ال 30 ألف متشرد في الفترة الممتدة بين 2004 إلى غاية الفاتح من شهر سبتمبر من السنة الجارية، منهم أطفال نساء ورجال، يعانون من قساوة العيش في الشارع، فالإدمان يفتك بالبعض فيما يتكفل ''الجنون'' بالبعض الآخر. تعرف ظاهرة التشرد تزايدا ملحوظا في الشوارع الجزائرية، بما تحمله معها من مآس اجتماعية، مثل التسول، والإدمان والدعارة، زيادة على ظاهرة تشرد المختلين عقليا، والتي تعرف تطورات ملموسة خاصة في السنوات الأخيرة، وما يلحقها من اعتداءات جسدية تصل إلى حد الموت، وقبل الحديث عن الآليات وطرق التصدي لظاهرة التشرد، خاصة وأن الجزائر مجبرة على حل المشكل بعد انضمامها إلى منظمة الإسعاف الاجتماعي العالمي السنة الماضية، يتحتم إلقاء نظرة على أرقام الوزارة، فحسب إحصائيات مصالحها فإن العدد الإجمالي للمتشردين أو كما وصفهم التقرير الوزاري ''أفراد بدون مأوى'' المسجلين من بداية 2004 وإلى غاية الفاتح من شهر سبتمبر من السنة الجارية، فقد فاق ال 30 ألف متشرد، من بينهم 3089 مختلا عقليا، و530 أما عزباء، وحسب نفس المصدر فإن عدد الرجال المتشردين يفوق بكثير عدد المتشردات، حيث بلغ عدد الرجال المتشردين في نفس الفترة 20816 متشردا، وبلغ عدد النساء 8332 متشردة، كما صنفت الإحصائيات ذاتها فئة المتشردين حسب الأعمار، الشيء الذي أبرز أن الفئة الأكثر عرضة لظاهرة التشرد هي فئة ما بين 30 و60 سنة، تليها فئة المسنين الذين تتعدى أعمارهم الستين عاما، كما أحصت ذات الوزارة الوصية فئة الأطفال المحددة أعمارهم من 0 إلى 9 سنوات، حيث لم تستثنيهم ظاهرة التشرد، وبلغ عددهم 1807 أطفال متشردين، رغم أن كافة القوانين تقضي بتوفير الحماية، التعليم والعلاج خاصة للقصر.
773 منهم مدمنين على المخدرات
وفي سياق متصل أشارت ذات الإحصائيات إلى فئة المتشردين سواء المصابين بالأمراض العقلية أو المدمنين على شتى أنواع المخدرات، حيث أحصت أكثر من 600 متشرد و173 متشردة بلغوا أقصى درجات الإدمان على المخدرات، كما مست ظاهرة التشرد كل فئات وشرائح الاجتماعية، ولم يقص منها حتى المتزوجين، على عكس ما كان معروف في الماضي، أين كان فيه المتزوجون عادة في مأمن من ظواهر التشرد ومخلفاته، حيث جاء في نفس الإحصائيات 1720 متشردا متزوجا، مقابل 19463 متشردا عازبا، إلى جانب الارتفاع الملحوظ للأمهات العازبات، حيث بلغ عددهن 1166 أما عزباء من 2004 إلى غاية سبتمبر الفارط، وفي الفترة الممتدة بين الفاتح جانفي وبداية سبتمبر من السنة الجارية، تم إحصاء أزيد من 120 أما عزباء في مختلف ربوع الوطن، كما احتلت نسبة المصابين بالأمراض العقلية التائهين في الشوارع، مع غياب أدنى شروط التكفل الصحي أو البسيكولوجي، حيث بلغ عددهم 3089 متشردا مصابا بين سنتي 2004 و2007، من بينهم أكثر من 600 مختل عقليا من بداية السنة الجارية إلى غاية الفاتح من شهر سبتمبر الماضي. وفي هذا الصدد، شدد مسؤول بوزارة التشغيل والتضامن الوطني، على ضرورة التنسيق بين الهيئات الرسمية، في الكثير من المرات عند اجتماعه بالأسرة الإعلامية، مشيرا إلى ضرورة إقحام وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات في التكفل الصحي والنفسي للمختلين عقليا المتشردين في الشوارع، مؤكدا أن ''عملية إيواء هؤلاء تشكل عائقا لعمل الإسعاف الاجتماعي التابع للوزارة'' حيث يصعب إيواؤهم في مراكز الإسعاف الاجتماعي أو المسنين، لصعوبة التحكم في وضعهم والخطورة التي يمكن أن يتعرض لها باقي النزلاء في المراكز من عملية مقاسمتهم للغرف أو الساحات من هؤلاء المرضى. نفس الشيء دعا إليه ذات المسؤول، خاصة فيما يتعلق بشبكات التسول والدعارة، مشيرا إلى أن أعوان وموظفي الإسعاف الاجتماعي لا يخول لهم القانون إجبار الأمهات أو النساء المتسولات اللاتي يستعملن الأطفال في التسول، على التوجه معهم إلى مراكز الإيواء، كما لا يمكنهم تجريدهن من الأطفال، مضيفا ''قاضي الأحداث وحده المخول لإصدار أحكام بتجريد المتسولات من الأطفال، كما هو صاحب قرار توجيه فئة الأطفال، سواء لإيداعهم داخل مؤسسات إعادة التربية أو لدى مراكز الإيواء التابعة لوزارة التضامن الوطني أو مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح التابعة لنفس الهيئة الحكومية. وفي حديثه عن الاستراتيجية المستقبلية والتي تبنتها وزارة التشغيل والتضامن الوطني، من أجل الحد من ظاهرة التشرد، أكد نفس المتحدث أن ''النسب المسجلة بين 2004 و2007 تعبر عن الصرامة والعزيمة لمحاربة التشرد بكل أشكاله داخل المتجمع الجزائري، فمن أكثر من 11 ألف متشرد، نهاية 2003 وبداية 2004 تم تقليصه قبل نهاية السنة الجارية إلى ما يقارب 5 آلاف فقط''، كما أشار ذات المسؤول إلى المشاريع المستقبلية التي تنوي الوزارة تجسيدها، أو التي هي في طور الإنجاز، من بينها مراكز الإيواء الاستعجالي، والتي قال بشأنها ''إن هذه الأخيرة من أنجع الآليات التي تمكن الدول من التحكم التام في ظاهرة التشرد'' مشيرا إلى أن الجزائر بانضمامها إلى منظمة الإسعاف الاجتماعي العالمي، تبنت الآليات السبع التي يشتغل بها الإسعاف الاجتماعي في بقية الدول، ومنها ضرورة إنشاء مراكز إيواء تدعى مراكز الإيواء الاستعجالي، والتي تقوم إلى جانب إيواء المتشرد بتشخيص أمراضه وحالته النفسية ثم تقوم بصفة تلقائية بتوجيهه إلى المركز المعني، والذي قامت ذات الوزارة باعتماده بفتحها لمركز الإيواء ب"الناصرية" بولاية بومرداس نهاية السنة الفارطة، وفتح مركزها الثاني ببلدية "حجوط" بولاية تيبازة، من جهة أخرى تحدث مطولا عن العمل الجواري الذي تقوم به الفرق المتنقلة التابعة للإسعاف الاجتماعي، والذي قامت الوزارة بتعزيز عملها بإنشائها للمرصد الوطني للإسعاف الاجتماعي.
وقف أمام حي "فيلالي" بوسط مدينة قسنطينة يصرخ بأعلى صوته مرددا كلمات غير لائقة، لا أحد يجرؤ على التقرب منه أو يكلمه خوفا من ردود فعل خطيرة، مشهد قد يتكرر كل يوم أبطاله مجانين لا يستطيعون التحكم في أفعالهم وتصرفاتهم، كل شيء مباح لديهم، حركات في الشوارع تزعج المارة، نظرات مخيفة، يحدث هذا علنا أمام مرأى الكل وما يقابله من تجاهل الآخرين أصحاب الحل والربط حسب الكثير من المواطنين، حيث يلاحظ غياب كلي للتكفل بهاته الفئة التي كتب عليها أن تقضي أيامها هائمة مشردة بين الشوارع. الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب والتعجب لغياب مصالح الشؤون الاجتماعية بلدية كانت أو ولائية، وما مدى حظوظ هؤلاء المجانين من تكفل صحي واجتماعي حقيقيين...؟
أسباب عديدة تؤدي إلى التشرد.. وللأخصائيين وجهة نظر
أصبح عدد المشردين في ولايات الوطن يزداد بأضعاف ما تحتضنه مراكز الإسعاف والجهات الوصية، حيث أكد أحد الأخصائيين النفسانيين أن ضغط الظروف الاجتماعية والإدمان وعوامل مختلفة، وراء ارتفاع عدد المتشردين، وتفكك العائلات بفعل انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع، مع وجود أطفال يفتقدون الرابط الأسري، إما لهروبهم نتيجة للاضطهاد الذي يحدث لهم في بيوتهم أو نتيجة لتخلي الأسر عنهم واختفائهم بسبب حادث أو ظرف معين، ليجدوا أنفسهم موظفين من قبل عصابات تستغلهم وتقودهم إلى عالم الجريمة. وتضيف الدكتورة "نزيهة. ح" ، أخصائية في علم الاجتماع أن ظاهرة التشرد لا يكاد يخلو منها أي شارع أو مدينة كون عددهم في تزايد رهيب سنويا، وأرجعت ذات المتحدثة السبب إلى غياب مراكز بحوث متخصصة، من شأنها حصر الظاهرة والتقليل من حجم تفاقمها. وبرّر مصدر من مديرية النشاط الاجتماعي سبب تزايد فئة المشردين بالعاصمة بعدم تحويلهم إلى مراكز الإيواء وديار الرحمة، خاصة أن بعض المتشردين المختلين عقليا، والذين تتراوح أعمارهم بين 20 و55 سنة، لا يتحملون المراكز ويهربون منها في أول فرصة سانحة، بحكم تعودهم على التسول والربح السريع، ما يشكل خطرا حقيقيا على المارة في الشوارع التي تكتظ ب"المجانين". وأشار ذات المتحدث إلى غياب شبه تام للإمكانيات للتكفل بالمحرومين وفقا للمعايير المعمول بها دوليا، ولعلّ أهم النقائص المسجلة بالجملة اهتراء بعض مراكز الإيواء مع ما تعرفه من طاقات استيعاب كبيرة لهذه الفئات المحرومة.
شيخ في السبعين من العمر: الشارع أرحم من معاملة زوجة ابني لي
ونحن نتجوّل في شوارع مدينة سطيف التقينا بدليلة، بالقرب من محطة المسافرين، تفترش الأرض على قطعة من قماش رفقة طفل رضيع، اقتربنا منها وكان لها ما تقول عن حالتها المزرية، بدأت "دليلة" رحلة التشرد منذ 5 سنين بعد أن طلقها زوجها وهي حامل بابنها الرضيع ورمى بها خارج المنزل، لم تكن تعرف إلى أي مكان تلجأ إليه سوى الشارع، لتعيل عائلتها الصغيرة من صدقات المحسنين وذوي القلوب الرحيمة، تأتي يوميّا إلى محطة المسافرين على الساعة التاسعة صباحا لتغادرها في المساء إلى أحد المنازل المهجورة التي تتخذ منها مأوى. وغير بعيد عن "دليلة"، صادفنا عمي مختار إن كان حقا يتذكر اسمه، فهو عجوز في السبعينيات من العمر اختار الشارع بمحض إرادته لأنه يعتبره أرحم من أي مكان مغلق، كما سمّى بيته الذي كان يقطنه رفقة ابنه وزوجته التي لم تكن تحتمل هذا الشيخ المغلوب على أمره، واليوم هو يتخذ محطة المسافرين بسطيف مسكنا له، حيث يخلد إليه ليلا للنوم ويغادره في الصباح الباكر بعد أن يترك فراشه أمام أحد بائعي الجرائد. سألناه عن الوقت الذي أمضاه متشردا.. سكت لبرهة لتغمر عيناه الدموع ويمتنع عن الإجابة، يرفض عمي مختار أن يعيش في ديار العجزة لأنه لا يحب أن يتحكم فيه أحد، كما فعلت زوجة ابنه، حسب تعبيره. أردنا أن نستفسر أكثر عن حال هذا الشيخ لكنه رفض وطلب منا المغادرة. وفي بلدية سطيف نصادف كل يوم امرأة في العقد الخامس من العمر تفترش "الكرتون" وسط عشرات من قارورات الماء وبعض الأمتعة، سألنا المرأة إن كانت بحاجة إلى أي إعانة فردت بابتسامة، وعن أهلها لم تدلي بأي إجابة وأبدت الكثير من التحفظ. لجأنا إلى صاحب محل للمواد الغذائية فأخبرنا أنها تقيم بالعمارة المقابلة لمكان جلوسها وهي تجلس يوميا بهذا المكان لترى أبنائها المتمدرسين، كونها امرأة مطلقة خاصة وأن أبناءها لا يقيمون معها في نفس العمارة، الأمر الذي يدفع بها إلى افتراش الكارتون أمام محل مغلق لرؤيتهم في الصباح الباكر وعند عودتهم من المدرسة. والأمر يختلف بالنسبة لكمال "24 سنة" الذي بدأ رحلة التشرد منذ سبع سنوات، كان يجلس أمام رصيف أحد المحلات وهو شارد الذهن، لا تبدو عليه علامات الجنون، وإنما الحاجة والحرمان بعد أن قدم من ولاية وهران للبحث عن عمل ومأوى إلا أنه لم يوفق في ذلك، ليس لديه مكان محدد يؤويه، وهو الأمر الذي حال دون حصوله على عمل، فالكل يسأله أين يسكن ولا أحد - حسبه - يثق في شاب متشرد، وفي وسط بلدية عين الروى التابعة لدائرة بوقاعة ولاية سطيف، إذا كنت عابرا في الصباح الباكر تصادفك عائلة متكونة من 4 أفراد من مختلف الأعمار مستلقية على الأرض، ولعل سكونهم يوحي بأنهم نيام، لكن عند اقترابنا منهم اكتشفنا أنهم مشردون من مختلف المدن قدموا لأسباب مجهولة، وشكلوا "عائلة متشردة في جو حميمي"، أين يتقاسمون لقمة العيش التي يحصلون عليها، ويحمي بعضهم البعض، لكنهم رفضوا الإفصاح أكثر. كلامنا مع المشردين كان مقتضبا أين اعتبر بعضهم أن كلام الصحافة يزيد أمورهم تعقيدا.. فحسب أحدهم حين يقرأ المسؤولين المقال فحتما سيتم التعرف على مكانهم ويطردون منه أو يأتون لأخذهم إلى المراكز، وهو الأمر الذي يرفضه بعضهم.
أكثر من 15 ألف طفل متشرد في العاصمة وحدها كشف رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث 'فورام" أن عدد الأطفال المتشردين في الجزائر بلغ حسب آخر إحصائيات للهيئة أكثر من 15 ألف طفل بولاية الجزائر. وأبرز المتحدث في لقاء نظمته هيئة "فورام" بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحقوق الطفل أن هذه الإحصائيات تبقى غير دقيقة عن وضعية الأطفال المتشردين في الجزائر سواء الذين ليست لدهم عائلات أو أولئك الذين تخلوا عن عائلاتهم – حيث أصبحت الظاهرة وصمة عار لاسيما وأن شوارع العاصمة وأزقتها أضحت مرتعا لهؤلاء الأطفال الذين "يجدون الظروف المناسبة للانحراف". كما أن هذه الوضعية تعكس "المعاناة الحقيقية" لهذه الفئة من المجتمع التي بالرغم من أنها عرفت بعض المكتسبات غير أنها لا زالت تعاني من مشاكل عدة، وأضاف في هذا المجال قائلا : "كيف لا ولا زلنا نسجل سنويا ما يفوق 3000 حالة من ظاهرة الأطفال غير الشرعيين" هذا في الوقت التي تنعدم فيه سياسة وطنية لردع هذه الظواهر، وأبرز المتحدث أنه في الوقت الذي نحتفل فيه باليوم العالمي للطفولة لا زال أطفال يتعرضون لانتهاكات لحرماتهم في حين تسجل مختلف مصالح الأمن والدرك الوطنيين 87 حالة خطف خلال سنة 2007. وأمام هذه الحالات التي كانت غير معروفة سابقا وأصبحت "ظواهر" يعاني منها المجتمع الجزائري أثار نفس المتحدث مشكل "انعدام قانون خاص بحماية الطفولة" ما عدى بعض النصوص التشريعية وبعض الاتفاقيات الدولية التي تبقى -- حسبه -- "غير كافية" وتحتاج إلى قوانين تكون "أكثر صرامة" في التعامل معها. أما عن عمالة الأطفال فذكر المتحدث أنه من "الملفات الشائكة" في الجزائر لاسيما وأنه "لا توجد احصائيات دقيقة منذ الاستقلال" عن عدد الأطفال الذين يعملون دون السن القانونية، مشيرا إلى أن الإحصائيات المتوفرة تبرز أن "هناك 300 ألف طفل يستغلون في السوق السوداء وهو رقم يتضاعف خلال العطل"، وإزاء هذه الوضعية أرجع أسبابها إلى انعدام القوانين إلى تنصل الأولياء من دورهم في تربية وتوعية أولادهم من جهة، ومتابعة كل خطواتهم من جهة أخرى. كما كان هذا اللقاء الذي حضره مدراء مؤسسات تربوية وممثلون عن بعض الوزراة والسفارات المعتمدة في الجزائر فرصة لعرض البرنامج التوعوي حول حقوق الطفولة الذي شرعت فيه الهيئة بتمويل من السفارة الهولندية لفائدة 6000 طفل في المرحلة الأولى ليشمل في مرحلة مقبلة 3000 طفل جديد.
أحياء وسط العاصمة أكثر استقطابا للمشرّدين
كشف مدير المؤسسة العمومية للإسعاف الاجتماعي، أن عدد المتشردين بالعاصمة في ارتفاع مستمر، حيث تم إحصاء 1025 شخصا متشردا في وسط المدينة ونواحي بلدية "سيدي محمد" وحدها، أما في "باب الواد" وضواحيها فتم إحصاء 541 شخصا متشردا، وفي "حسين داي" 186 شخصا، وفي بلدية "الحراش" 50 شخصا و"الشراقة" 52 متشردا، وبقدر ما نكون خارج العاصمة فإن العدد يتناقص، وأرجع ذات المتحدث سبب انتشار ظاهرة التشرد إلى عدة عوامل، منها فقدان العلاقات العائلية الاجتماعية، العنف ضد المرأة، غياب التلاحم الأسري، وأزمة السكن والبطالة وخاصة الزحف الريفي، ففي كثير من الأحيان يلجأ بعض الشباب القادمين من مختلف المناطق النائية إلى العاصمة بغرض البحث عن منصب عمل أو تحسين مستواهم المعيشي، إلا أنهم يصطدمون بواقع المعيشة الصعب لأن لا مكان معين يؤويهم.
وأضاف المتحدث أن مؤسسة الإسعاف الاجتماعي تتوفر على 11 فرقة متنقلة تعمل بالتناوب طيلة أيام السنة، متكونة من أخصائي نفساني، مربي وممرض، تقتصر مهامهم على التوجه إلى الفئات والبحث عنهم في ضواحي العاصمة، ليتم اصطحابهم وإخضاعهم لمعاينات وتقييمات سيكولوجية اجتماعية وطبية، لتقرر الفرقة فيما بعد إذا كان بصحة جيدة أم لا ليتم الاقتراح عليه الالتحاق بعائلته أو إيوائه، وفي حال اصطحاب المتشرد إلى المؤسسة يتم إيواؤه وتقديم له وجبة ساخنة، بعد تنظيفه ومنحه ملابس لائقة.. وهنا يستبدل الكارتون بسرير، وأشار مدير المؤسسة أنه في حال رفضت بعض الفئات مرافقة المختصين إلى المراكز لا يتم إجبارهم على ذلك، بل يتم تحديد برنامج خاص لتوزيع الوجبات الساخنة، وفي هذا الصدد تم توزيع أكثر من 46 ألف وجبة غذائية في شوارع العاصمة، و500 بطانية بالإضافة إلى الملابس والقفازات.