أ.د.محمد عبد النور ل أخبار اليوم : مقاومة شعوب العالم الإسلامي ذات عمق سيادي حوار: جمال بوزيان * المُنتَج اليعربي لا يداهن القارئ سواء كان جمهورا أو نخبة * المرزوقي يخضع كل الثقافة السائدة أكاديميا وثقافيا للمساءلة والمراجعة الضمنية وغير المعلنة إلا في خطوطها العريضة م* حورية التأسيس الخلدوني لعلوم الإنسان في المقدمة من حيث ترتيبه النسقي لعلاقة الطبيعي والإنساني * إذا نظرنا إلى تاريخ الأديان والفلسفات وجدنا التقاطع والتواشج الوثيق بينهما * ميزة الإسلام الأساسية كونه خلاصة للأديان السماوية والفلسفات الطبيعية * تثبيت الرسالة وتحقيق استمرارها اجتهادات والحفاظ على الاجتهاد والتجديد في المعرفة الدينية والعلمية * الحفاظ على الشورى والحرية في الاجتماع والسياسة كانت ضرورة حضارية * شعوب العالم الإسلامي لم تذب لا قبل ولا بعد وهي ظاهرة تدركها نخب الغرب جيدا وتتعامل على أساسها * مقاومة طبيعية لشعوب العالم الإسلامي تعود في كثير منها لطبيعة ثقافتها الجزء الرابع: ضيفنا حاصل على الدكتوراه من جامعة الجزائر في علم الاجتماع الثقافي برسالة حول التعليم الديني وإعادة إنتاج الرموز الثقافية يشتغل حاليا أستاذا بجامعة غرداية باحث في علم الاجتماع لا سيما في كل ما يتصل بالفكر النقدي العربي والهوية الثقافية والحضارية للأمة وغيرها من القضايا والإشكالات المعروضة على بساط البحث العلمي الرصين بصفته متابعا للمدارس الفكرية. يهتم اهتماما كبيرا ب فن الشروح وعرض لأفكار لوبون وراسل وهوسرل ومالك بن نبي وتخصص في شرح أعمال المفكر والفيلسوف أبي يعرب المرزوقي وتوجت كل الشروح بمؤلفات منشورة إضافة للترجمة إلى العربية من اللغتين الانجليزية والفرنسية. أنشأ منتدى مسالك المعرفة للمرافقة والبحث العلمي وقد نشط فيه ندوات حول علاقة المعرفة العلمية بالحس المشترك ومسألة البحث العلمي في المؤسسة الأكاديمية العربية... من مؤلفاته: حاشية على روح الجماهير و شذرات في قضايا التجديد والنهوض و المجتمع العلمي و مدخل إلى علم اجتماع المخيال و شروط نجاح الحراك . وقد صدر له أخيرا كتابان: أسس العلوم الاجتماعية... وفق مقدمة ابن خلدون وشروح أبي يعرب المرزوقي و في التجديد والإصلاح الديني ضِمن سلسلة إعراب المعجم عن دار جواهر للنشر والترجمة بوهران الجزائر. نستضيف الباحث والأستاذ الدكتور محمد عبد النور في هذا الجزء للحديث عن بعض ما أورده في كتابه في التجديد والإصلاح الديني بشأن الإسلام بصفته دينا وليس فكرا وغير ذلك والانفصال التاريخي والانفصال اللساني للقرآن الكريم والمحاولات الحثيثة ل الغرب وأتباعه في الشرق لإخضاع الإسلام لواقع المجتمعات والدول في كل شيء... ... * ورد في الصفحة رقم 13 من كتيبكم الأول من سلسلة إعراب المعجم الصادر حديثا والموسوم في التجديد والإصلاح الديني : الإسلام بطبيعته دينا وليس فكرا... وقد استدللتم بما ذهب إليه محمد إقبال وورد أيضا في الصفحة رقم 16 من الكتيب نفسه: عند ما ننسب الفكر لدِين مُعيَّن فذلك يعني أننا خصصناه بآليات في التفكير يفترض أن يحملها الدِّين المنسوب له... ... نريد إيضاحا لذلك؟. الدين من حيث المبدإ مسألة عملية موجهة للتطبيق والتنفيذ المباشر لكن في موازاة ذلك يكشف الدين عند استنطاقه عقليا عن إضماره مناظير وجودية ومعرفية تقارع الفلسفات العقلية ذلك أن طبيعة الدين الروحانية تشمل أيضا سنن التفكير العقلية وذلك باعتبار الروح في أحد تعريفاتها أعلى درجات العقل في ذات الوقت الذي لا يمكن أن توجد فلسفة إنسانية إلا واستضمرت المنظور الروحاني الخاص بها وفي هذه إشارة واضحة إلى حقيقة وحدة الفكرين الديني والفلسفي. فإذا نظرنا إلى بدايات التفكير العقلي النظري عند اليونان وجدناه مستضمرا لفكرة التوحيد عقليا حيث اتجهت الفلسفة قبل سقراط إلى البحث عن الأصل الواحد للكون عند الطبيعيين والفيثاغوريين وكذلك انتهى أرسطو بعد سقراط باحثا في المحرك غير المتحرك الذي هو الله بالنسبة إليه ومن رغم كون إله أرسطو الذي تصوره غير الإله في الأديان التوحيدية إلا أنه يكشف عن توجه الفلاسفة في الغالب إلى البحث العقلي عن الماوراء الذي هو الغيب في الأديان ويعبر عن ذلك مبحث الميتافيزيقا في الفلسفة وهو جوهر موضوع الأديان وقد أمضت الفلسفة فترة في بداياتها تبحث أصل الوجود والكون قبل أن تنزل إلى الإنسان تبحث عنه مع سقراط والسفسطائيين. كذلك النبوات الأولى اتجهت النبوات قبل إبراهيم إلى التأسيس العقلي مع آدم حيث تحصيل المَلَكة اللغوية في تعلمه الأسماء كإثبات للمَلَكة النظرية مقابل وصم الملائكة للبشر بالإفساد وسفك الدماء حيث تحصيل مَلَكة الإرادة في بيان ضعفه مقابل إغواء الشيطان وانتهاء إلى التجديد الجذري للحياة برمز السفينة المنقذة وحمل الأزواج لإعادة بث الحياة وكذلك انتهى عيسى بعد إبراهيم الذي كان الذروة في المعجزات الحسية التي بدأت بميلاده من غير أب ورفعه من غير وفاة ومن رغم كون عيسى صاحب معجزات إلا أنه واجه في الواقع عناد بني إسرائيل كمؤسسة دينية ووثنية الرومان كمؤسسة سياسية فيكشف الأمر كله كيف أن الأنبياء اتجهوا إلى إصلاح أقوامهم اجتماعيا وسياسيا وقد أمضت النبوات بدايتها تدعو الأقوام قبل أن تصل إلى الكونية تبحث عنها مع إبراهيم والبابليين. فعلا يوجد اختلاف من حيث العنصر الرئيس في كليهما حيث يعني الدين بالتعريف بالمسألة الغيبية والأخروية بينما تعنى الفلسفة بالجانب العقلي في الإنسان الدين يعرف بالغيب والمآل الأخروي لكنه لا يقتصر عليه حيث وفي تقديمه لحقائق الغيب وكيفيات السلوك الصحيح يكشف عن أسباب السعادة الدنيوية وكذلك الفلسفة تعرف بالعقل والمآل الدنيوي لكنها لا تقتصر عليه حيث وفي تقديمه للمناظير العقلية وكيفيات التفكير الصحيحة يكشف عن أسباب السعادة الأخروية. فإذا نظرنا إلى تاريخ الأديان والفلسفات وجدنا هذا التقاطع والتواشج الوثيق بينهما وذلك بناء على ما تقدم من تفاصل الموضوعين الرئيسي بين كليهما ومن المفارقات العجيبة هو أن مسار التاريخين متجاور ومتقاطع جغرافيا وتاريخيا ذلك أن ظهور الأديان حصل في حضارات الشرق الأدنى التي عرفت إرهاصات وبداية التفكير العقلي انفصل في لحظة نضوح معيّن وارتحل إلى حضارة اليونان التي التقطت ذروة العقل العملي المباشر منها وتبدأ في بناء وتطوير العقل النظري ولعل الحكمة من ذلك هو أن يتم تشييد العقل في مبادئه وقضاياه التأسيسية في معزل عن أرض النبوات التاريخية أعني حضارات الشرق الأدنى لتكتمل الحكمة في ظهور الرسالة الإسلامية التي جاءت لتكون الخلاصة التي تحقق الوصل بين التاريخين الديني والعقلي. وهنا تأتي ميزة الإسلام الأساسية في كونه خلاصة للأديان السماوية والفلسفات الطبيعية حتى أن رسول الإسلام ظهر في منطقة جغرافية متوسطة فجزيرة العرب جاءت وسطا جغرافيا بين الشرق الأدنى والغرب الأدنى التاريخيين ذلك ما يوضح دلالة المفارقة التي أشرت لها في السؤال وهو أن الدين أمر عملي في ذات الوقت الذي ينطوي فيه على آليات تفكير خاصة به. * تساءلتم في الصفحة رقم 88 من الكتيب نفسه: ... فبأي معنى هو القرآن لا تاريخي؟... وتشيرون لانفصال تاريخي وانفصال لساني ماذا تقصدون تحديدا؟. الواضح أن حادثتي وفاة النبي ونهاية الخلافة الراشدة خلفتا إشكالات فكرية وواقعية للمسلمين هي أكبر إعضالا من مهمة التأسيس ذاتها ذلك أن الرسالة ظهرت في ظرف وجاءت بصيغة تضمنتا الإعجاز الذي يسر من تجذرها في المجتمع والتاريخ فالظرف هو الأمية الدينية للمجتمع وبداوته التي يسرت الانقياد للدين فضلا عن أن رخاوة البناء الاجتماعي والسياسي لعرب الجاهلية مقارنة بالحضارتين المجاورتين وثنية وتمدنا وقوة حربية واقتصادية بما لم يوجد في جزيرة العرب فضلا عن ذلك هو ورود الوحي بنص عربي مندغم بلغة العرب ومتجاوز لها في بلاغته وفصاحته إضافة لمزوالة الرسول لقضايا المجتمع وتنجيم القرآن حسب أسباب نزول عينية. فزوال تلك الظروف وأعني بها التحضر التدريجي للمجتمع وتتالي الأجيال وتباعدها وانصهار العرب مع الأعاجم بما ولد اللحن في اللغة فضلا عن اتساع الرقعة الجغرافية والديمغرافية التي امتد إليها الإسلام وكذا تسلم الأجيال اللاحقة للرسالة الإسلامية مكتملة في نص القرآن وأحاديث النبي وسيرته كل ذلك أحدث فارقا تاريخيا نوعيا بين فترة التاسيس والفترات التي تلته. والواقع أن المسلمين بعد الفترة الأولى تحملوا مسؤولية ما بعد التأسيس وقاموا بأغلب ما يترتب عن مرحلة ما بعد التأسيس بدءا بجمع القرآن والأحاديث انتهاء إلى تأسيس علوم الدين من الناحية العملية بدءا بحروب الردة واستمرار الفتوح إلا أن المهمتين العلمية والعملية شابهما انحرافات أهمها تحول الاجتهادات إلى نصوص مقدسة ثانية وتحول الحُكم إلى مُلك وراثي.. كل ذلك حتم أن تتلو الاجتهادات الأولى تثبيت الرسالة وتحقيق استمرارها اجتهادات ثانية تنتبه خاصة إلى الثابت في الإسلام وهو الحفاظ على الاجتهاد والتجديد في المعرفة الدينية والعلمية والحفاظ على الشورى والحرية في الاجتماع والسياسة الأولى تمثلت في المدرسة النقدية العربية والثانية تمثلت في نموذج السياسة الراشدية تحققت كاجتهادات وهي اليوم بحاجة إلى استخراج وتنسيق وتنبيه إلى أهميتها ومحوريتها في إطار العمل على استئناف الدور الإسلامي في العالم.. * يريد الغرب وأتباعه في الشرق إخضاع الإسلام لواقع المجتمعات والدول في كل شيء في حين يردد المسلمون إن الإسلام بصفته دينا ومنهجا صالح لكل زمان ومكان وحال... كيف ترون ذلك زمن الاستكبار العالمي واستضعاف الشعوب؟. إذا اتفقنا أن الإسلام بديل ممكن عن الحضارة الحالية القائمة على فكرة الاستعباد علينا أن نسأل: كيف يمكن أن يكون الإسلام بديلا؟ وقبل ذلك يأتي سؤال: هل الإسلام دين سيادة؟ وكيف؟ لدينا واقعان حاصلان عن الاستدمار الحديث: الأول هو ذوبان الشعوب فيه كما حدث مع الهنود الحمر وحتى شعوب القارة الأمريكية الجنوبية التي لبست ثوب مستدمرها لغة وثقافة ودينا والثاني مغالبة الشعوب له كما حدث مع بعض شعوب الشرق الأقصى كفيتنام واليابان التي عادت للذوبان بعد استقلالها إلا شعوب الإسلام التي لم تذب لا قبل ولا بعد وهي ظاهرة تدركها نخب الغرب جيدا وتتعامل على أساسها لذلك فلو أن محاولة التذويب والإخضاع للواقع ستنجح لنجحت عند الاستدمار أو حتى بعده وهذا يعني أن هناك مقاومة طبيعية تعود في كثير منها لطبيعة ثقافة شعوب الإسلام ذات العمق السيادي مهما بدا فيها من شوائب الابتعاد عن الفطرة وفساد الإنسانية. إن إخراج الإسلام عرب الجزيرة لتسيد أكبر حضارتين مجاورتين أكبر دليل على ما يحمله الإسلام من مضامين مؤسسة للسيادة ذلك أن واجب الشهادة على العالم يجعل المسلم مأمورا ابتداء بنقل الرسالة للعالم إن بالإيمان الاختياري الفردي أو بالتشريع الجماعي القائم على الشوكة فالإسلام ليس دين إكراهي لا إكراه في الدين لكنه بالمقابل دين يوجب على أصحابه إحقاق الحقوق بين الناس أيا كان دينهم بحيث لا يلق الحبل للغارب في مسألة الحكم بعكس الإيمان الذي يجعله اختياريا لأن القوة الموازية تعتبر تهديدا مباشرا للعدالة وهذا يعني أن الإسلام يجزم بكونه التشريع الأفضل والأرقى للإنسانية وأن مجرد الإيمان به يجعل صاحبه ساعيا لإحقاق الحقوق بين الناس أيا كان دينهم. فضلا عن ذلك فإن تركيز الإسلام على مسألة إحقاق العبودية لله والتشديد عليها ينتج عنه في الإنسان المسلم إدراكا حادا بكل ما يمس بالعبودية لله وهو ما ينتج عنه آليا شعور سيادي لدى الفرد بأن لا ذل إلا للخالق واجب الوجود وتحصيل السيادة لا يتوقف عند الفرد بل يتعداه إلى العمل على إحقاق سيادة كل البشر على أنفسهم وذلك معنى تشريع الجهاد أي أن المسلم يدرك ويشعر أن أي استعباد يحصل في أي بقعة في العالم هو تهديد لسيادته على نفسه من جهة وتهديد لفكرة التوحيد في العالم التي هي الوجه الآخر لمفهوم السيادة فكل تبعية بشرية لبشر آخرين هي وثنية وتوثين وهي عمليا ذل وانحطاط عملي وخلقي.