يبدو أن الأوضاع في ليبيا باتت متأزّمة، وأن المقاتلين المسلّحين الذين استولوا على الحكم بها بمساعدة حلف (النّاتو) أصبح هدفهم هو السلطة دون ديمقراطية كما زعموا حين إعلان تمرّدهم في 17 فيفري الماضي. لقد تبيّن ذلك بوضوح ولكلّ متتبّع للشأن اللّيبي، خاصّة وأن المجلس الانتقالي الذي بات يملك ولا يحكم وقد يؤول أمره قريبا حيث يصبح لا يملك ولا يحكم، وإنما الجماعات المسلّحة على اختلافات مللها ونحلها هي من يقرّر، بما يعني أن هؤلاء الجبابرة المتعطّشون للسلطة سوف يدخلون الشعب اللّيبي في دوّامة من حمّامات الدماء لا أوّل لها ولا آخر ذلك، لأن الرّغبة الجامحة في اعتلاء كرسي الحكم تطفو فوق كلّ كلام معسول وعدوا به الجماهير المغفّلة المغلوبة على أمرها، والتي رأت منهم حتى الآن من المجازر والتعدّي على الحرمات والاستيلاء على المال العام والخاص، ما لم يحصل في عهد الزّعيم اللّيبي المزاح من قبل (النّاتو) عنوة وبقوّة السلاح. لكن هذا لن يدوم وسوف يحدث ما لم يكن في الحساب، فحكم معمّر القذافي الذي دام ما يزيد عن أربعين عاما وما أنفقه على الأفارقة والتوارق لن يذهب هباء، فهو كما تسرّبت الأنباء يستعدّ للعودة إلى الحكم بقوّة النّار والحديد وبمساعدة التوارق المنتشرين في ليبيا ومالي والجزائر وبعض البلدان الإفريقية الأخرى، ممّا خلق جوّا من الخوف واليأس لدى السكان ولدى مجلس (النّاتو) الانتقالي على حدّ سواء. وقد علّل ما يسمّى برئيس المجلس التنفيذي المؤقّت محمد جبريل مؤخّرا أن استقالته التي قدّمها أكثر من مرّة كانت بسبب أن قراراته لا تنفّذ وترمى في القمامة، وخوفه من تحوّل الخلافات بين الثوّار إلى صدام مسلّح· هذه الضبابية التي تسود بين هؤلاء الذين يزعمون أنهم سوف يوزّعون العدل بين النّاس بالقسطاس سوف لن يقف في وجوههم أيّ شيء إذا تعارض مع طموحهم غير الشرعي والمتمثّل في الوصول إلى سدّة الحكم وبأيّ وسيلة كانت. الخلاف هذا وهذا التقاتل المحموم هو الذي يمكن الزّعيم اللّيبي المطاح به غدرا من العودة مجدّدا، وسوف يكون لهؤلاء وأولئك معه شأن آخر.