بعيدا عن الموقف من حرب الإخوة الأعداء في ليبيا، وبصرف النظر عن ما فعله العقيد معمر القذافي بليبيا والليبيين طيلة أزيد من أربعة عقود من تواجده في الحكم، فإن الطريقة التي تم قتله، أو اغتياله، بها وما صاحبها من تضارب في الروايات وتباين في التفاصيل وشبهات في الحيثيات يثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات·· لقد تحصل من يسمون أنفسهم بالثوار على فرصة ذهبية لإثبات كفاءتهم في تسيير مرحلة ما بعد القذافي، حين وقع هذا الأخير في قبضتهم، وامتلكوا مناسبة نادرة للبرهنة على أنهم أفضل منه، وأقل تعسفا وطغيان ومزاجية·· ولكنهم أهدروا تلك الفرصة، فتحولت مناسبة القبض على القذافي إلى محاكمة علنية لمن يسمون ويوصفون بالثوار بدلا من محاكمة العقيد، فهم حين قتلوه بلا محاكمة، يكونوا قد خرقوا كل القوانين السماوية والأرضية، وبيّنوا أنهم مجرد أفراد عصابة سعت لخطف الحكم من عقيد متجبر·· وكم نخشى أن يكون ما حصل يوم الخميس 20 سبتمبر، من تعذيب للقذافي، وقتله بلا محاكمة رفقة أحد أبنائه وبعض رموز نظامه، وتنكيل بجثثهم، مؤشرا على أن ممارسات نظام القذافي ستستمر في ليبيا ما بعد القذافي، والخوف الأكبر من أن يكون الليبيون الذين خرجوا للاحتفال بنهاية طاغية قد ابتلوا بنظام جديد يجمع بين الطغيان الداخلي والعمالة للغرب في الوقت نفسه، وإذا حصل ذلك، فسيأتي اليوم الذي يبكي الليبيون فيه القذافي، من بعد أن ضحكوا كثيرا وفرحوا لمقتله·· لقد (نجح) من يسمون بالثوار في وضع حد لنظام القذافي، بفضل الناتو، ولكنهم لم ينجحوا في إحداث قطيعة مع ممارساته، وإذا كان القذافي ك(جسد) قد انتهى، فإن ممارساته التعسفية متواصلة، ومن قال أن القذافي كرمز للتعسف والطغيان قد مات فقد كذب، فهو مستمر، إلى الآن في تصرفات (ثوار الناتو)، أو أغلبهم على الأقل!··