فجرت دعوة الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصرية لزيارة المسجد الأقصى في الوقت الحالي وهو تحت ظل الاحتلال ردود أفعال متباينة ما بين المؤيد والرافض لها، فنجد من يرى أنها تعد من قبيل التطبيع مع إسرائيل وتصب في مصالحها، بينما يراها آخرون ضرورية لدعم القدس ومساعدة المقدسيين. فمن جانبه عبر الدكتور عبد المعطي بيومي العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن رفضه لمثل هذه الدعوات، مطالبا الأمة الإسلامية بعدم السماع لها، وعليها أن تتمسك بروح المقاومة على كافة المستويات بدلا من روح الضعف المتمثلة في زيارة الأقصى بتأشيرة إسرائيلية، تؤكد تهاون كل حصون المقاومة والاعتراف بالهزيمة والاستسلام. ويرى بيومي أن الدعوات لزيارة القدس تصب في مصلحة إسرائيل في المقام الأول لأنها تعد بمثابة دعم للسياحة الإسرائيلية، واعتراف بالهزيمة وقبول بالاحتلال واستمرار لحالة التراجع والاستسلام للمشروع الصهيوني. ويتفق معه في الرأي الدكتور محمد أبو ليلة، أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر، حيث يصف المبادرة بأنها انتهاك للثوابت الإسلامية، ولا يجوز شرعا اعتبار القدس قضية تخص الشأن الفلسطيني ولا تهم سائر المسلمين، فكل الأمة تقع عليها مسؤولية الدفاع عنها والذود عن مقدساتها وتحريرها من غاصبيها، ويجب أن نحسن الظن بالعلماء الذين أطلقوا المبادرة ونعتبر ما يقولون به اجتهادا بذل لتحقيق صالح الأمة. وأوضح أبو ليلة أنه يتعين علينا أن نتأكد من أن هذه المبادرة لن يترتب عليها أضرار بقضية الأمة المصيرية أو أن تؤدي إلى صرف المسلمين عنها، لأن القاعدة الشرعية تقول إن دفع المفسدة مقدم على جلب المنفعة. وعلى الجانب الآخر يقول الدكتور محمد الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إن المسجد الأقصى أحد مقدسات الإسلام التي يشد لها الرحال فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين وثبت أن الرسول أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فيقول الله تعالى »سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير ُ«، وقال الرسول الكريم »لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى«. وأشار الجندي أن ما سبق من آيات قرآنية وأحاديث نبوية دليل على أن زيارة المسجد الأقصى مطلوبة شرعا والحج على المسجد الأقصى له قيمته الشرعية، لذا فعلى المسلم أن يحج إليه بعد المسجد الحرام بنص الحديث السابق. وعن رأيه في الزيارة في مثل هذا التوقيت، يقول الجندي »إن المسجد الأقصى في هذا الأيام أسير لدى الصهينة وتريد إسرائيل أن تستولى عليه وتعمل دائما على الاستحواذ عليه وهدم المدينة كلها ، لذا فإن التوجه إليه واعتباره قضية إسلامية وليس فلسطينية فحسب يكون من الأمور المطلوبة شرعا حتى يمكن أن نفك أسرى هذا المقدس العظيم ونمنع إسرائيل من تغيير معالمه«. ويوضح أن زيارة المسجد الأقصى في مثل هذه الظروف الراهنة قد يرقى إلى مرتبة الواجب حتى ولو كان بتأشيرة اسرائلية لأن حكم الزيارة مندوبة، لما يترتب على ذلك إثبات الحق الإسلامي في هذا الصرح العظيم، وقد ثبت عن الرسول أنه قصد لزيارة المسجد الحرام وهو في قبضة قريش وهم كانوا مشركين ولم ير في ذلك بأس بل واعتبر القرآن الكريم أن ذهاب الرسول إلى المسجد الحرام فتحا مبينا كما جاء في سورة الفتح »إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا«. ويتفق معه المفكر الإسلامي الدكتور مصطفى الشكعة الدعوة بقوله »إن الأمة عليها مسؤولية دعم القدس ومساعدة الأخوة المقدسيين بكافة السبل«. وبين الشكعة إن الظروف والتحديات التي تواجه المدينة المقدسة تجعل من زيارتها ضرورة ملحة، والاحتلال لا يحول دون القيام بالواجب كما هو مقرر شرعا لأن الفائدة من الزيارة أكبر من منعها. وأضاف، إن زيارة الأقصى ليست تطبيعا مع العدو أو اعترافا بشرعية الكيان الغاصب، كما لا تعد خروجا على إجماع الأمة، لأنها زيارة لأولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدس تحتاج للدعم والمساعدة، والأمة مطالبة باللجوء إلى كافة الوسائل التي تمكنها من الحافظ عليها بما في ذلك زيارتها. يذكر أن الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري أعلن عن رغبته في زيارة القدس، معتبرا زيارته هي أكبر دعم للقضية الفلسطينية والفلسطينيين، لما فيه من تعزيز ومؤازرة للحق العربي والإسلامي في المدينة المقدسة، ومنع للمشروع الصهيوني الذي يسعى لتهويدها بانتزاع الأراضي والبيوت من أصحابها والقضاء على الهوية العربية والإسلامية للقدس، واعتبرها وسيلة لإجبار العالم على الاعتراف بها عاصمة لدولة فلسطين وقد رفض أن توصف تلك الزيارة ب»التطبيع«.