مع دوي السقوط الرهيب لأشهر وأفضل منتخبات أمريكا اللاّتينية في مونديال 2010 وخروجها المأساوي من العرس الكروي العالمي في دور الثمانية، يتردّد السؤال بقوّة ودهشة: »ماذا حدث للكرة الأمريكية اللاّتينية؟!« وهو سؤال عالمي ومصري بالضرورة، في ضوء شغف أغلب المصريين وإعجابهم باللّمحات واللّمسات والومضات الجميلة لراقصى »السامبا« و»التانغو«. خلافا لتوقّعات سادت بقوّة بأن هذا المونديال سيشهد صعود أكبر عدد من الفرق الأمريكية اللاّتينية إلى المربّع الذهبي لأوّل مرّة منذ عام 1930 بعد أن شاركت أربعة منتخبات من أمريكا اللاّتينية في دور الثمانية، جاءت مباريات هذا الدور لتسدل الستار على هذه التوقّعات والأحلام الوردية، بل لتحوّلها إلى كابوس. ** البرازيل والأرجنتين أكبر الخاسرين وإذا كانت الأوروغواي قد صعدت بمعجزة إلى المربّع الذهبي للمونديال، بل أفلتت بأعجوبة من هزيمة بأقدام النّجوم السوداء، فإن البرازيل والأرجنتين والباراغواي لم يكن حظّهم كحظّ الأوروغواي، لتذهب توقّعات معلّقين ونقّاد كرويين عالميين مثل دانيل جالاس وفلاديمير هيرنانديز أدراج الرّياح، ويثبت المستطيل الأخضر مرّة أخرى وليست أخيرة أن أروع خواص وصفات الساحرة المستديرة يتمثّل في عدم قدرة أيّ شخص مهما كان على أن يؤكّد أن النّصر سيكون من نصيب هذا الفريق والهزيمة ستكون في انتظار ذاك المنتخب. ** هولنداوألمانيا تعيدان الكرة اللاّتينية إلى نقطة الصفر تتجاوز أوجه التشابه بين المنتخبات الكروية الأمريكية اللاّتينية حتى مسألة الثقافة المشتركة، فكلّها تمثّل - ولو بدرجات مختلفة - ذات الفلسفة الكروية، كما يقول المعلّق والنّاقد فلاديمير هيرنانديز موضّحا أنها الفلسفة التي تعلي من شأن المهارات على اللياقة البدنية للاّعبين وتمجّد اللّعب الفردي على حساب اللّعب الجماعي، وتحتقر الحسابات والقواعد العلمية والتخطيط بقدر ما تهلّل للإرتجال بدلا من أن تعاقبه عليه مادام يتميّز بالإبداع، وتكافئ كسر القوانين والقواعد على المستطيل الأخضر إذا كان هذا الانتهاك للقوانين والقواعد يخدم النّواحي الجمالية للساحرة المستديرة. غير أن هذه الفلسفة باتت موضع شكوك عميقة بعد هزيمة البرازيل أمام هولندا وهزيمة الأرجنتين أمام ألمانيا مع هزيمة الباروغواي أمام إسبانيا في غضون يومين فحسب، ربما يشكّلان أخطر 48 ساعة في تاريخ الكرة الأمريكية اللاّتينية حتى الآن. وكانت »الماكينات« الألمانية قد سحقت راقصي »التانغو« برباعية نظيفة ليلحقوا براقصي »السامبا« الذين سحقتهم الطاحونة الهولندية بهدفين مقابل هدف واحد، فيما تمكّن »الماتادور« الإسباني من الصعود إلى المربّع الذهبي بعد أن أقصى فريقا أمريكيا لاتينيا آخر هو منتخب الباروغواي بهدف واحد في المباراة التي أقيمت بملعب »إيليس بارك« في جوهانسبورغ. ** فلسفة الكرة اللاّتينية تبدّدت في 48 ساعة واقع الحال أن فلسفة الكرة الأمريكية اللاّتينية تجلّت فى مباريات ال 48 ساعة في الدور ربع النّهائي بوضوح مثلما حدث في مباراة الأرجنتين وألمانيا، حيث بدا أن راقصي »التانغو« هم الأفضل في بعض مراحل المباراة من النّاحية الجمالية بصرف النّظر عن خروجهم بخسارة فادحة يصعب تصوّرها لهذا المنتخب الذي يدرّبه دييغو مارادونا. ومن غرائب كرة القدم وعِبَر الساحرة المستديرة ودروسها أن أغلب التوقّعات كانت تستبعد صعود الأوروغواي إلى المربّع الذهبي لمونديال 2010، فيما رجّحت بقوّة صعود البرازيل والأرجنتين لهذا المربّع، بل تمنّى الكثيرون من عشّاق الساحرة المستديرة أن يكون اللّقاء النّهائي للمونديال لقاءً أمريكيا لاتينيا خالصا بين راقصي »السامبا« و»التانغو«. ** الدور ربع النّهائي هزّ عرش الكرة اللاّتينية غير أن مباريات الدور ربع النّهائي جاءت لتهزّ بقوّة هذه التصوّرات بقدر ما بدّدت آمالا بأن يشهد هذا المونديال ما وصف ب »انبعاث جديد للكرة الأمريكية اللاّتينية الجميلة«. وبدلا من أن تتحقّق التوقّعات بأن يكون دييغو مارادونا هو مدرّب المنتخب الذي سيحمل لقب مونديال 2010 كان للساحرة المستديرة رأي آخر، فإذا بهذا الأرجنتيني غريب الأطوار والنزق والمثير لجدل لا يتوقّف يدخل في تلاسن مع مشجّعين ألمان بعدما تحطّم حلمه وهزيمة راقصي »التانغو« بأربعة أهداف نظيفة في اللّقاء مع »الماكينات« الألمانية. ** الحطام المتناثر للكرة الأمريكية اللاّتينية في جنوب إفريقيا وسط الحطام المتناثر للكرة الأمريكية اللاّتينية التي سقطت سقوطا مدوّيا فى مونديال 2010، لابد أن الكثيرين من عشّاق الكرة الجميلة، سواء في مصر أو في بقّية أنحاء العالم يتمنّون أن تنبعث هذه الكرة مرّة أخرى من وسط الحطام والرّماد كطائر العنقاء لتكون أجمل وأمتع ممّا كانت. وكما يقول بعض النقّاد يبدو أن هناك حاجة إلى نوع من التهجين بين الكرة الأمريكية اللاّتينية بجمالياتها المسرفة وبين الكرة الأوروبية بحساباتها الباردة وعقلانيتها، ومن حسن الطالع أن الكرة المصرية تجمع بعض ملامح هاتين المدرستين الكرويتين.