إستطلاع/ نوّارة لحرش كيف يقرأ كتابنا الظاهرة الكروية التي أحدثت كل هذا الضجيج وكل هذا الشغف الذي وصل حد الهوس، وطبعا لا شاغل للناس إلا الكرة ونجوم الكرة، الكرة التي صنعت الحدث منذ بداية التصفيات المزدوجة: بطولة أفريقيا والمونديال، نعم صنعت الحدث ورسمته وكانته والآن انتهت مغامرة المونديال، وسيعود نجوم الكرة إلى أنديتهم وتعود الجماهير المُناصِرة إلى إنشغالاتها اليومية. كيف يقرأ صاحب القلم ما أحدثه صاحب القدم في الجماهير الجزائرية إلى الدرجة التي أيقظ فيها الوطنية النائمة وأشعل فيها الحماس والحماسة وحتى الإنتماء العاطفي الكبير. هنا قراءة بعض الكتاب لهذه الظاهرة. لحبيب السايح/ كاتب وروائي هذا المونديال كرس البعد السياسي والإقتصادي للكرة لا بد من الإعتراف بأن الفريق الوطني الذي خاض مغامرة مونديال جنوب إفريقيا لا يملك نجوما بالسطوع والألق اللذين ظهر بهما مثلا فريق مونديال إسبانيا 1982. وهو أبعد ما يكون من مستوى فريق يخلق لدى جماهيره الإحساس بالإطمئنان عليه في المواجهات التي تتطلب درجة قصوى من المهارة والذكاء وروح الإنصار. لعل الجزائريين بقدر ما يُجمعون على أن الفريق الحالي هو مجموع شتات يمكن أن يصهر ويحول فريقا ذا مستوى عالمي، بقدر ما يختلفون، كل من موقعه الإجتماعي وثقافته الرياضية ومشاعره تجاه هذا اللاعب أو ذاك، حول طريقة الأداء التاكتيتكي الذي تعود مسئوليته إلى الطاقم الفني بقيادة مدرب له الصلاحيات والحرية والشجاعة والحكمة. فقد كرس هذا المونديال أن كرة القدم ليست لعبة فحسب، بل رهانا إقتصاديا وماليا وسياسيا. من هنا تجند وسائل الإعلام والدعاية والإشهار والتحريض بمختلف الأشكال لحقن القلوب بالمشاعر الوطنية، بإعتبار هذه الرياضة النوع الوحيد الذي يجمع من أقصى الدرجات الإجتماعية إلى أقصاها وطنا أو بلدا بكامله حول رموزه، خاصة علمه ونشيده. لم أر شخصيا من قبل، مثلما تابعت في هذا المونديال، هذا التأثر، هذا الإنفعال لدى لاعبي هذا الفريق أو ذاك وطاقمهما الفنيين وهم في إستعداد للنشيد الوطني يرددونه بحماس لا نظير له إلا في "الحروب". مرزاق بقطاش/ روائي لا أرتاح للرياضات الجماعية لست من محبي كرة القدم ولا من متتبعيها حتى وإن كانت الجزائر طرفا فاعلا فيها. أنا لا أرتاح للرياضات الجماعية بإستثناء سباق الدراجات. والذي أكرهه في كرة القدم الجزائرية هو التوظيف السياسي. وذلك ما لمسته في سلوك السياسيين حيال هذه الرياضة منذ أن تأهلنا للمشاركة في المونديال. وذلك لا يعني أنني لا أحب أن تحقق الجزائر نصرا مبينا في هذا المضمار، لكنني بصراحة لا أرتاح للتوظيف السياسي بالرغم من أنه من حق الشعب الجزائري أن يفرح على الدوام بعد أن عانى وطأة الإستعمار الفرنسي ووطأة الكثير من المحن بعدها. ياسمينة صالح/ روائية كانت كرة القدم حلما صغيرا يعيشون لأجله ذكرني سؤالك بسؤال مماثل أثار جدالا كبيرا في الثمانينات في أمريكا اللاتينية، عن قيمة الإنسان إزاء قيمة الكرة! ولاحظي أن الدول التي تغرس رأسها في الكرة هي الدول الأكثر فقرا، وديكتاتورية، وفسادا في العالم، في الوقت الذي تبدو القضية أقل حدة في دول متطورة، تحظى شعوبها بسقف من القانون ومن العدالة الإجتماعية. ما لا شك فيه أن الدول العربية تستثمر كثيرا في كرة القدم، أو لنقل أنها تستثمر في الجانب الآخر من الكرة لأجل التغطية على خيباتها، وعلى فشلها وعلى عجزها في إقامة دولة بالمعنى الحقيقي لماهية الدولة.. كرة القدم ليست أكثر من رياضة تدار على العشب الأخضر، لكنها تحولت إلى سياسة يقودها الوعي المختل الذي يصنع من الجماهير حطبا لنار الفتنة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.. لقد قرأت عن أشخاص يموتون بالنوبة القلبية عندما يسجل هدف ضد مرمى فريقهم، في الوقت الذي لا يتوقف قلبهم أمام الظلم والجور، واللاحقوق، والغبن الذي يعيشونه يوميا، وفي الوقت الذي لا يرتفع صوت الغضب ضد حصار غزة أو تهويد القدس مثلما يرتفع ضد الدول العربية فيما بينهما بسبب الكرة! والمشكلة لا تكمن في نهاية منافسة رياضية وعودة اللاعبين إلى بيوتهم، بقدر ما هي مسألة خطيرة في النهاية لأنها ألغت العقل وجعلت الدول تفكر بأقدامها، وترى في كرة القدم كرامة، وأمنا قوميا! والأزمة الأخيرة بين مصر والجزائر كشفت عن كثير من العورات، مثلما كشفت عن حقيقة أشباه المثقفين الذين حوّلوا كرة القدم إلى مسألة كرامة بأسلوب شوفيني متجاهلين أن الأزمة بدأت في مصر وليس في الجزائر! ولست أدافع عن الجانب الجزائري الذي أيضا إستثمر في الأزمة بطريقته، لأنه في النهاية كان الخاسر الكبير هو العقل، والحكمة، والأخوة، والعلاقات الثنائية، ومصلحة الشعبين معا، اعتقاد أي شعب أن كرة القدم توحّد صفوفه اعتقاد مختل، لأن الذي من المفترض أن يوحد الصفوف هو الجو العام السائد في البلد نفسه، ولأن كرة القدم ليست علما ثابتا، وهي مليئة بالخسائر في النهاية يجعل ربطها بالوحدة الوطنية يعني ربطها آليا بالخسائر، لأنه بخسارة المنتخب سوف ينتهي الحس الوطني!! لقد بحث الجزائريون عن سبب يعيشون لأجله حلما صغيرا، ووجدوه في الكرة، في غياب البديل الحقيقي والكامل، فالشباب الذي يعيش البطالة، وعلى الحافة، لا يمكنه أن يربط مصيره بالكرة دائما، لأنه ببساطة لن ينتصر بها دائما، وعليه فالإستثمار الذي تمارسه الدول في كرة القدم سيكون استثمارا خاسرا، لأنه غير ثابت، والحال أنه عليها أن تبحث عن البديل الذي يجعل مواطنيها أكثر انحيازا لوطنهم وحبا له، والبدائل لا يمكن العثور عليها خارج الإصلاحات، حتى لا يصبح من الصعب الحديث عن مستقبل واضح، مثلما من الصعب القول أن كرة القدم التي تظهر بقوة في المناسبات الدولية، هي التي سوف تصنع الوحدة الوطنية إلى الأبد، ففاقد الشيء لن يعطيه!!. بشير مفتي/ روائي أستغرب عداء بعض الكتاب لهذه اللعبة ونفورهم منها وتجاهلهم لسحرها لا أظن أنه يوجد من لا يحب كرة القدم وبخاصة المنافسات الكروية الكبرى التي درجنا على متابعتها بشغف وجنون، هي لحظات متعة بالتأكيد، لا يمكن التنكر لذلك لا باسم أنها لعبة تخدر الجماهير ولا بإي اسم آخر، هناك فرجة كروية تشبه فرجة مشاهدة الأفلام الدرامية أو التاريخية الكبرى، طبعا هي متعة تختلف عن متعة الفن أو ما يحدثه الفن من أثر طويل المدى بينما متعة الكرة آنية، مؤقتة، يمكن تجاوزها بسرعة، والإنتقال لشيء آخر بعدها بينما العكس ما يحدثه الفن فينا طويل المدى والعمر، وهذا لا يعني التنقيص من قيمة لعبة كرة القدم، فهي لها ما يجب الإعتراف به، ولكن بدون تحمليها أكثر مما تحتمل، وهذا ما يخيف الآن أننا نحاول أن نمحلها أكثر ما هي عليه فلا يمكن لأحد عشر لاعبا أن يحققوا الإنتصارات التي فشل 35 مليون جزائري في تحقيقها، قد يمثلون في جانب ما روح التحدي، الإرادة التي يجب أن نتحلى بها لمواجهة منافسات العصر الذي نعيش فيه ولكن بدون أوهام، أو توظيفات مزيفة لأن ذلك سيعود علينا بعكس ما نظن، لعبة الكرة شيء مشروع، محبوب عند الجماهير الواسعة ومن هذا الباب أيضا أستغرب عداء بعض الكتاب لهذه اللعبة، ونفورهم منها، وتجاهلهم لسحرها، وتقليلهم من أهميتها، معتبرين الثقافة فقط هي الأحق بالإهتمام وصرف الملايير، وقد يكون هذا جانب من المشكلة عندما تغدق الدولة إمكانات أكبر للرياضة على حساب الثقافة ربما لأن الرياضة لا تملك القدرة على السؤال بينما الثقافة في جوهرها سؤال ونقد لقد طرح صديقي عبد الوهاب معوشي في حصة مقامات بالتلفزيون الجزائري فكرة مفادها على المثقف أن يتريض وقد أجاريه في الفكرة ولكن أدعو الرياضي للتثقف وهي الدعوة القديمة المتجددة التي رفعها عمار بلحسن عندما قال بدل تسييس الثقافة يجب تثقيف السياسة ولربما حان الوقت أيضا لدعوة مماثلة شعارها تثقيف الرياضة فتصبح اللعبة أكثر من لعبة ولكن مفتوحة على مشاريع نهوض ثقافي لحمايتنا من الإنقراض في المستقبل. سليمان جوادي/ شاعر الكرة حققت ما عجزت عنه السياسة والثقافة بالنسبة إلي تظل المغامرة مستمرة ويظل إنشغال الجزائريين بكرة القدم إلى يوم الدين.. إنشغالنا بالكرة كان موجودا لكنه لم يكن بمثل هذا التأجج والحماس ولا بمثل هذا الإنتشار الجماهيري... إستطاع سعدان وعناصره أن يعيدوا ترتيب كثير من الأمورالجميلة في نفوسنا والتي أفسدها الساسة والسياسة بداخلنا، إستطاعوا أن يزرعوا الفرح في كل بيت والأهم من ذلك تمكنوا من تكريس حب الإنتماء إلى هذا الوطن الجميل والكبير في زمن الحرقة.. تغلب سعدان بمهارته على كل التعليمات من أجل الوقوف للنشيد الوطني في الصباح والمساء بالمدارس والإكماليات والثانويات وقد لاحظنا كيف أن التلاميذ كانوا إما يتأخرون في الدخول إلى المدارس حتى لا يقفون في الإستعداد أو كيف يستهزئون بكلمات النشيد الوطني ويغنونها محرفة وكيف أصبح هذا النشيد بفضل هذا الفريق الشاب محفوظا ومكرسا بشكل لافت للإنتباه.. ولعلكم تتذكرون الحملة التي دعت إليها الإذاعة الوطنية من أجل علم في كل بيت والتي لم تنجح ولم يكن لها الصدى المأمول بل رآها البعض مطلبا صعب التحقيق وكيف الآن أصبح هذا العلم متوفرا ومعلقا في كل البيوت والأماكن والسيارات والمحلات وكيف أن كثيرا من الأحياء وفي مختلف المدن والمداشر أصبحت مزينة ومدهونة بألوان الراية الوطنية.. ليس عيبا إذا تفوقت القدم على القلم من أجل زرع قيم الجمال والمحبة ومن أجل رأب الصدع بين الإخوة وجعل الإنتماء إلى الوطن مسألة جوهرية.. لقد ناضل الكتاب والمثقفون طويلا من أجل ذلك لكنهم لم يفلحوا بالقدر الكافي وجاء هذا الفريق الشاب ليلخص عمل سنوات وسنوات من هذا النضال. إبراهيم صحراوي/ كاتب وناقد إذا زاد الشيء عن حدِّه، انقلب إلى ضدِّه انتهى الحلم ووصلت المغامرة إلى نهايتها وعادت الأمور إلى ما كانت عليه سابقا في انتظار ملهاة أخرى ينشغل بها الناس. الظاهرة بالنسبة لي هوس أجوف وجنون بليد وشغف غبي بأشياء خاوية لا طائل من ورائها ولا نفع حقيقي فيها إلاَّ للاعبين ومؤطِّريهم وحُماتهم ومن له منفعة في ترويج صناعة كرة القدم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لإلهاء الغاشي أو العامة أو الدهماء أو الغوغاء أو ما يصطلح على تسميتها بالجماهير (تخفيفا لحِدَّة المصطلحات السابقة) للتغطية على المشاكل وسوء التسيير وكلَّ ما يترتَّب عنه من آثار سلبية ونتائج وخيمة. الظاهرة الكروية في العالَم الثالث عموما وعندنا خصوصا سعي بائس للبحث عن المجد والعظمة في غير محلِّه وبغير أدواته الحقيقة وشروطه الضرورية وجنوده الفعليين فيُخيَّل لنا أنَّنا بتغلبنا على ألمانيا أو انجلترا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية أو أي دولة غربية أخرى في مقابلة كروية نكون قد انتقمنا لأنفسنا وتاريخنا واستعدنا مجدنا وكرامتنا وحرَّرنا فلسطين واستعدنا ثرواتنا المنهوبة على مرِّ السنين.. ليس ذلك فقط، بل نتصوَّر أنَّنا قد قضينا على كلّ مشاكلنا من بطالة متفاقمة وفقر متزايد وقدرة شرائية تتآكل من يوم لآخر وقواربِ موتٍ تجرفها الأمواج بركابها وثروات تُنهَبُ بتنظيمٍ وإحكامٍ وأزمات معيشية خانقة من كلّ شكل ولون: ديمقراطية وسكنية ومواصلاتية ومرورية ونظافية وأمنية وووو.. ننقل البطولة من أماكنها الحقيقية ونضعها هناك حيث لا بطولة ولا إنجاز ولا فتح ولا قِيم راقية حقيقية ولا هم يحزنون بل إهدار للطاقات والأموال والصِّحة (ارتفاع الضغط، الأزمات القلبية، السكري وعاهات حوادث المرور عقب الصخب المفتعل بالخروج إلى الشوارع..) فيما لا نفع له، بل أكثر من ذلك: نتائج هزيلة وخيبات مدوية نتفنَّن في تحويلها إلى انتصارات مُشرِّفة زورا وبهتانا. تؤدي كرة القدم في كثير من حالاتها إلى استقالة العقل وغياب الوازع الديني والخلقي وترك الأمر للغوغاء والدهماء لتسيير الأمور مما ينتج هستيريا تستبيحُ في بعض الأحيان (كما حدث عقب المقابلة إياها) ألأصولَ والأعراقَ والتاريخ والرموز والأعراضَ والكرامة والتنابز بالألقاب وإحياء العصبية، عصبية الجاهلية الأولى في كل الحالات، باسم وطنية زائفة ونفاق مكشوف. خطر الظاهرة الكروية أنَّها تُمجِّد الأرجل وتجمِّد العقول وتُكسِّر الأقلام. تحوِّل القوة والفعالية لدى الجميع، لاعبين ومناصرين ومسيِّرين ومهتمِّين، من السواعد والعقول والأذهان إلى الأرجل والأفواه. من أخطارها أيضا أن يصبح اللاعبون نجوم مجتمع ومُسيِّرين للحياة العامَّة وذوي نفوذ يتحكَّمون في أمور كثيرة ليست من اختصاصهم، ومثالا للشباب يُحتذى وقدوة تُتَّبع مع أن نسبة كبيرة منهم محدودي الفكر والمستوى التعليمي بل قد لا تجد لبعضهم أيَّ مستوى تعليمي إطلاقا، ناهيك عن السلوكيات والأخلاق وما نراه ونسمعه يغني عن قول المزيد، فيا لخيبة الرجاء ومحدودية الهمَّة والأمل. من سوء التدبير وانحطاط الهمَّة أن تغدو مقابلة في كرة القدم شأنا وطنيا وقضية دولة تشل كل الإرادات وتوقِف دواليب الحياة في البلد وتتعلَّق المصائر بنتيجتها.. ولاعبها صانع رأي وقائد تيار على حساب أفراد النخب المثقَّفة والأنتلجنسيا منتجة القيم والأفكار. نعم لرفع راية الوطن وجعلها خفاقة جنب مثيلاتها من رايات الأمم والشعوب لكن ليس في كرة القدم فقط، بل في كل المجالات، خصوصا منها مجالات العلم والثقافة والعمل الجادّ صانع الثروة والتقدّم والقيم المُنتجة والحياة الكريمة. فاز قبل أشهر ثلاثة من مفكِّرينا وأدبائنا اللامعين (وآخرون غيرهم في مجالات مختلفة) بجوائز عربية ودولية) راقية بزّوا فيها كثيرا من المتسابقين عربا وغير عرب، غير أن أحدا لم يسمع بهم أو يلتفت إليهم لأن "بعض" الإعلام ساق أخبار فوزهم في زوايا معتمة في صفحاته الداخلية. لا يعني كلامي هذا أنَّني ضدّ كرة القدم أو لاعبيها، بل إنَّني ضدَّ المبالغة في التشجيع والاستغلال البشع للعواطف، وضدَّ استغباء الناس، وضدَّ خداع أنفسنا بتهليلنا لما لم تصنعه أيدينا والتلذّذ بتبعيتنا الذي نغطِّيها بدواعي وأسباب نُبرِّر بها "الحقرة" والتهميش. نعم أنا مع الاعتدال وضدَّ المبالغة لأنَّ الشيء إذا زاد عن حدِّه انقلب إلى ضدِّه كما يقال.. أخيرا، يحيا فريقي المُفضل و. س، وحظّ سعيد فيما ينتظره من منافسات ابتداء من منتصف الشهر المقبل إن شاء الله، وإلى مزيد من الألقاب والتتويج محليا وقاريا.