هو أبو العلا محمد بن سليمان، من مواليد 1949م بالقرارة ولاية غرداية. نهل العلم من مدرسة الحياة ومعهد الحياة ونال شهادة ليسانس في اللغة العربية وآدابها سنة 1975م، ثم تنقل إلى دائرة تقرت بولاية ورقلة ليدرِّس بثانوية الأمير عبد القادر مدة سبع سنوات ليرحل إلى مسقط رأسه ويواصل التدريس بثانوية الشيخ بيوض، وفي سنة 2004 جلس على كرسي التقاعد بعد 29 سنة من التدريس والعطاء. تقلد عدة مسؤوليات اجتماعية ورسمية مختلفة، وهو حاليا أمين المكتب البلدي للمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء، عضو في حلقة العزابة وعضو في هيئة أمناء العرف وأعيان مدينة القرارة.. »أخبار اليوم« التقته في هذه الدردشة.. * أصدرت كتابا بعنوان »صفحات من الكفاح لمجاهدي القرارة أثناء الثورة التحريرية«، يعد مرجعا هاما للمتعطشين للمادة التاريخية، فما هي العوامل التي دفعتكم لتأليفه؟ - هناك عدة دوافع ألجأتني إلى تأليف هذا الكتاب، ولعل من بينها الفراغ الثقافي التاريخي المتعلق بمشاركة مواطني دائرة القرارة في الثورة التحريرية وردا على بعض الجهلة الذين ينفون مشاركة القراريين في الثورة ووصفوها بالزائفة والباطلة، لكن السبب المباشر هو نشاطي المتواضع أثناء انخراطي مع المنظمة الوطنية للمجاهدين بصفتي ابن شهيد والمتمثل في التجمع حول المجاهدين للحصول على المعلومات وعرضها في معارض محلية ونال إعجاب السلطات المحلية والولائية وحمّلونا مسؤولية توثيق هذه المعلومات في كتاب تستفيد به غردايةوالجزائر بأكملها، فحققت بذلك جمع المعلومات عن المجاهدين والشهداء الذين لهم شهادة الإعتراف بالمشاركة في الثورة لكن هناك كثير ممن لم أدرجه في الكتاب لم يقدم ملفه للحصول على هذه الشهادة ومن أبرزهم الشيخ ابراهيم بيوض الذي اعتبره مجاهدو المنطقة بالقطب الأساسي في تحركاتهم ونشاطهم الثوري لذا أصدرتُ كتابا سيطبع قريبا بعنوان: صفحات من الكفاح خاص بالشيخ بيوض والإستعمار الفرنسي في الجزائر علما أنه بدأ محاربة الإستعمار الفرنسي منذ 35 عاما قبل الثورة. وإنصافا للتاريخ صادفت قطبا آخر من إخواني المالكية هو: سلامة الحاج سلامة وسأعمل جاهدا لأخصص له كتابا، لو أن كل مثقف وباحث جزائري يغوص في غمار تاريخ منطقته لكان الأفضل مما يسهل جمع التاريخ الجزائري. * الشيخ بيوض قائد الإصلاح في الجنوب، من أعظم أعماله رفضه لقضية فصل الصحراء عن الشمال، فماذا تقولون في هذا الشأن؟ -رغم شهادات كبار المسؤولين في الدولة على الموقف الجليل الذي قام به الشيخ بيوض في قضية فصل الصحراء عن الشمال متحديا به ديغول، لكن هناك أطراف تنكر هذا الجميل الذي قدمه الشيخ بيوض للجزائر في ظل الإغراءات المعروضة عليه، فكان للقضية آثارا إيجابية على الجزائر وسلبية على الشيخ بيوض والميزابيين خاصة وسكان الجنوب عموما، وتتمثل في تخريب متاجر الميزابيين بالشمال وتوقيف البنوك ووضع خطة محكمة لإثارة فتنة طائفية بين الإباضية والمالكية بورقلة، واغتيالات عديدة ارتكبتها فرنسا جراء فشلها في فصل الصحراء عن الشمال. * هل اكتفى الميزابيون بالنشاط الثوري في ربوع وادي ميزاب أم تنقلوا إلى مناطق أخرى؟ - مشاركة الميزابيين في الثورة كانت في الشمال قبل التنقل إلى الصحراء وهذا طبقا للخطة المنتهجة من طرف فرنسا لاحتلال الجزائر، أما الثورة في الصحراء كانت سنة 1656، فالميزابيون شاركوا من الوهلة الأولى وتعتبر أول شاحنة مزودة بالمؤونة للثوار متجهة نحو جبال الأوراس ليلة اندلاع الثورة في 30 أكتوبر 1954 لعائلة ميزابية آل سليماني بباتنة، ومشاركتهم تنوعت حتى من خلال البعثات العلمية في البلدان العربية. * بحكم اهتمامكم بالتاريخ، كيف عاش الإباضية والمالكية أثناء الثورة بغرداية؟ - رغم العصبية والطائفية الموجودة في الإنسان إلا أن الإباضية والمالكية بغرداية كانوا ينشطون في خليتين يجمعهما التشاور والتخطيط ونجاحهما كان بفضل كتمانهم للسر وتحليهم بالخصال هذا من جهة، من جهة أخرى قام الميزابيون بإخفاء قادة الثورة والفدائيين على رأسهم سعيد عبادو، رابح الأبيض، العابد زروال، أحمد طالبي وغيرهم في محلاتهم ومنازلهم دون العثور عليهم، وهذا دليل قاطع على التواصل بين الإباضيين والمالكيين أثناء الثورة. * ما هو انطباعكم حول ميثاق الصلح بين إباضية ومالكية بريان الموقّع مؤخرا؟ - ميثاق الصلح أمر شرعي ووطني لأن الإسلام يحثُ على الصلح والتعارف والتعايش، وتعتبر الثورة نموذجا لتلاحم جميع الجزائريين دون تمييز لكن عقب الثورة ظهرت العصبية والطائفية والعنصرية فلا فرق بين جزائر الثورة وجزائر الاستقلال ما دُمنا نخضع لدين واحد ووطن واحد، فالصلح أمر ضروري شئنا أم أبينا، والصراع ليس قضية مذهبية دينية بل طائفية حزبية، ومن يريد العيش في الفتن سيتذوق مرارتها. * بعد 48 سنة من الاستقلال، كيف ترى جهود الدولة الجزائرية؟ - الدولة الجزائرية تسير قدما نحو الأمام من عام لآخر بمشاريع تنموية واستراتيجيات مستقبلية ناجحة رغم الأزمات الاقتصادية والآفات الاجتماعية، لكن علينا أن نكلل هذه الجهود بالتكافل الاجتماعي والمحافظة على ثروات البلاد، والعمل على تجسيد أفكارنا في الميدان دون الخوض في الانتقادات والكلام الفارغ. * ما هي كلمتكم الأخيرة؟ - أتمنى التوفيق والنجاح لجزائرنا الحبيبة، والهداية والسلم لكافة شعبنا البطل الذي قدم التضحيات الجسام لنتمتع بهذا الاستقلال، كما أدعو الشباب بالإقتداء بأبطال الجزائر سواء كان عالما أو حكيما أو مجاهدا أو حتى عاملا نجح في مشاريعه، فلا يجب أن ننظر إلى بعضنا البعض بنظرة استهزاء وسخرية وتشاؤم، فالجزائر تملك شعبا من ذهب ذوي كفاءات عالية في مختلف القطاعات.