تقف امرأة شابة ترتدي حجابا وهي تأكل وجبة دسمة، بينما حشد من الشباب يشق طريقه في شوارع سراييفو الضيقة يبدو أنهم يستمتعون ببعض حياة الليل المثيرة بالمدينة· كما تعج شوارع عاصمة البوسنة والهرسك أيضا بممثلي الشوارع والباعة المتجولين، بينما في أحد الميادين يلعب رجال كبار السن الشطرنج في الوقت الذي يرفع فيه مؤذن أذان الصلاة للمسلمين· الجو السائد سلمي ورغم أن آثار طلقات الرصاص في واجهات الكثير من المنازل تعد ذكرى صارخة لحرب البوسنة في التسعينيات من القرن الماضي، فإن سراييفو تعود مرة أخرى بقوة لقافلة السياحة· فقد بنيت العديد من الفنادق الحديثة ومراكز التسويق والمباني الإدارية منذ نهاية الحرب التي استمرت ثلاث سنوات في 1995، غير أن الألم والمعاناة اللذان تعرض لهما مواطنو سراييفو في ذلك الوقت لن ينسوهما مطلقا· ففي متحف التاريخ بالمدينة، كتب سكان سراييفو ذكرياتهم عن الحرب على لوحة جدارية· وتعرض صور بعض ضحايا الصراع، بينما تعبر الرسائل بجوار ملابس الأطفال الملطخة بالدماء عن الحزن الذي يعانيه الناجون من الحرب· وأي آثار عن حصار سراييفو هي الآن محط اهتمام السائحين· ويعرض عددٌ كبير من المرشدين القيام بجولات في ميادين المعارك الرئيسية ومن بينها الشارع الرئيسي بالمدينة أوليتشا زمايا اود بوسني الذي أصبح يعرف ب(شارع القناصة) حيث كان من الأماكن الخطيرة التي يمكن أن يسير فيها المدنيون· كما يمكن للسائحين أيضا زيارة نفق كان يستخدم في تهريب الغذاء إلى داخل المدينة خلال الحصار· وسرعان ما أعقب إعلان استقلال البوسنة والهرسك في عام 1992 نشوب قتال بين قوات الدولة الجديدة وبين كياني صرب البوسنة وكروات البوسنة اللذين أعلنا الحكم الذاتي داخل البوسنة والهرسك وهما جمهورية سربسكاوهرزيج بوسنيا· وسرعان ما تطور الصراع إلى حرب تطهير عرقي حيث حاصر الصربيون سراييفو وهاجموا المدينة بالمدفعية والقذائف الصاروخية والدبابات والقناصة والمدافع المضادة للطائرات· ويقدر أن ما يقرب من 10 آلاف شخص فقدوا حياتهم خلال الحصار، وليس من الغريب أن لكل فرد في سراييفو قصة تتحدث عن هذه الفترة حتى ولو كانوا عادة ما يرفضون روايتها· وتحكي سيدة مسلمة عجوز كيف عاشت طوال فترة أربع سنوات من الحصار تقريبا وأنها كانت تستطيع فقط أن تغادر قبو منزلها لفترة قصيرة كل يوم· وتقول السيدة التي تؤجر الآن إحدى غرف منزلها للسياح ليساعدها ذلك إلى جانب معاش التقاعد (في إحدى المرات التي كنت فيها بالخارج نجوت من قنبلة يدوية كادت تصطدم برأسي· وقد احترق شعري تماما)· واليوم يبدو أن سراييفو تستعيد اسمها ك(قدس أوروبا)، فهناك كنيسة كاثوليكية يتم تجديدُها حاليا، كما تم ترميم كنيسة أرثوذكسية بالفعل وتضيئ مآذن مساجد عديدة سماء المدينة· في الوقت نفسه حدثت زيادة أيضا في عدد المطاعم البلقانية وأصبح في سراييفو الآن بعض المطاعم الصديقة للبيئة·