وسائل النقل العمومية والخاصة تعد من بين النقاط المزعجة للمواطن الجزائري، حيث تتقاذفه مشكلاتها في كل مرة، ما بين انعدامها والمشاكل الواقعة على متنها وحتى خارجها عند توقفها أحيانا بالقرب من أماكن الشجارات والعراكات الدامية، بذريعة ضرورة التوقف أمام المحطات الثانوية، ويدفع تكلفتها المسافرون الذين تنتابهم حالات الفزع والخوف من احتمال إصابتهم بتلك الوسائل الحادة التي تكون ضرباتها مصوبة بطريقة عشوائية من طرف المتعاركين، ناهيك عن المشاكل الأخرى التي تحدث ما بين القابضين والمسافرين بسبب الإفلات من دفع التذكرة، وكذا ركوبها من طرف كل من هب ودب من منحرفين وسكارى وأصحاب السوابق العدلية وحتى المشردين الذين لا تحتمل ولا تطاق مجالستهم بالنظر إلى مناظرهم والروائح المنبعثة منهم. هي إذا السيناريوهات التي تطبع يوميات الجزائريين مع وسيلة تعد أكثر من ضرورية في التنقل إلى العمل والدراسة والتبضع والتجول لمن لا يمتلك الإمكانيات المادية لاقتناء سيارة خاصة، وتعد وسائل النقل العمومي سواء حافلات »اتوسا« أو تلك التابعة للقطاع الخاص المنفذ والسبيل الوحيد الذي يسهل تنقلات المواطنين هنا وهناك، إلا أنهم يصطدمون بالمشاكل والصعوبات الحاصلة على متنها، فمن الشجارات والعراكات التي أضحت تميزها بصفة روتينية بسبب التماطل في الإقلاع والإفلات من تخليص التذاكر، إلى المخاطرة بالمسافرين بعد وقفها بمحاذاة حلبات العراك مما يدخلهم في حالة من الخوف والفزع، ناهيك عن العراكات التي تصل إلى حد استعمال الأيدي بداخلها في ظل ذلك الاكتظاظ، كما قد ينتقل الخطر إلى داخل الحافلة نفسها أثناء استغلالها من طرف المختلين والمشردين والسكارى والمنحرفين الذين يركبونها بكل حرية مما يقلبها إلى حلبة للصراع اللامتناهي، فيصبح سوء التنظيم والعشوائية والفوضى الميزة العامة والسمة الغالبة على وسائل النقل العمومي والخاص، ويدفع تكلفتها أيضا المواطنون الذين يجبرون على تحمل كل تلك المواقف إلى غاية وصولهم إلى مشاويرهم في ظل انعدام البدائل وضرورة استعمال تلك الوسائل الهامة في حياة المواطنين. مرتع خصب للسكارى والمجانين لم تعد فقط الأرصفة والطرقات الملجأ الوحيد للسكارى والمجانين والمشردين بل رأوا أنه من الضرورة استعمال حقهم في وسائل النقل كغيرهم من الناس العاديين، خصوصا أنهم لم يجدوا من يوقفهم على متنها، وصاروا يستعملونها بكل حرية ويتحجج أغلبية السائقين والقابضين أن المتشرد أو المجنون امتطى الحافلة خلسة دون أن يراه أحد، وما على المسافرين إلا تحمل عاقبة ذلك والتحلي بالصبر وسط تلك الروائح الكريهة والكلام الفاحش وحتى اللغو الزائد عن اللزوم من طرف بعض المعتوهين. وهذا ما حدث في إحدى حافلات اتوسا الرابطة بين باب الوادي وساحة أول ماي، بحيث وفي الصباح الباكر كان الكل يتهيأ للذهاب إلى وجهته بكل حيوية ونشاط، إلا أن الأمر تغير بعد ركوب الحافلة، حيث شعروا بالملل بعد أن انطلق ذلك الشيخ المعتوه في الكلام والثرثرة ولم يعط لنفسه دقائق للراحة، بحيث تناول جميع الظواهر حسب رأيه، وكان يتخلل كلامه مجموعة من الحركات الاستعراضية بأرجله وأيديه التي كانت تلامس وتلحق أذيتها إلى بعض المسافرين الذين تفادوه بكل صعوبة، وكان الضجر والملل يملأ ملامح كل المسافرين الذين عبر بعضهم عن تشاؤمهم بذلك اليوم بعد أن افتتحوه على وقع ثرثرته، مع أن المسؤولية لا تقع عليه بل تقع على من سمح له بامتطاء تلك الحافلة وهو على درجة من السكر، بحيث ملأت رائحة الكحول كل أرجاء الحافلة وانزعج منها جل الركاب، ومنهم من انتابته حالة غثيان نتيجة عدم احتمالها. وقد وضع المجانين والسكارى ومتعاطو المخدرات بصماتهم على متن وسائل النقل، وباتوا الحاضرين الأولين بها بدليل مزاحمتهم للركاب العاديين الذين ملوا من تصرفاتهم الطائشة والكلام الفاحش المنطلق من أفواههم و ابتزازهم للمسافرين لتتطور تلك الأحداث إلى اشتباكات وصراعات يدفع ثمنها المسافرون، وينفرد في تلك الأثناء السائق والقابض بموقف المتفرج، فهما في الأصل سببا المشكل، فلولا سماحهما لهؤلاء بالركوب لما وقعت تلك المآسي على متن وسائل النقل. عجوز أخرى استقلت حافلة للنقل الخاص تربط بين بن عمر وباش جراح وكانت على درجة من الاتساخ، إلا أن ذلك لم يدفع القابض من اتخاذ إجراء منعها من ركوب الحافلة بل تركها بكل حرية لتدفع التكلفة النسوة اللواتي جلسن بمحاذاتها بسبب مظهرها المقرف والذي ميزته أظافرها الطويلة والمتسخة وكذا ملابسها الرثة، أما عن الرائحة المنطلقة منها فحدث ولا حرج مما جعل الكل يسدون أنوفهم إلى غاية نزولهم، أما هي فكانت في عالم آخر خاص بها، تطل من الشرفة غير مبالية بمن حولها وكأنهم هم من أذنبوا في حقها وشاركوها امتطاء الحافلة. التهرب من دفع التذاكر تعد التذاكر من بين النقاط التي تؤدي إلى نشوب نزاعات وصراعات لا متناهية بسبب تهرب البعض من تسديد ثمنها، واستعمال الحافلة والاستفادة من خدمتها مجانا وهو ما لا يحتمله المراقبون الذين يقومون بعمليات مراقبة فجائية خاصة على متن حافلات اتوسا المعروفة بكثرة النزاعات حول التذاكر، ولا يسجل ذلك الإشكال على متن وسائل النقل الخاص كون أن القابض يركز اهتمامه على فك مبلغ التذكرة من المسافرين الواحد تلو الآخر ولا يعطيهم فرصة الإفلات من تخليص المبلغ، لكن وعلى الرغم من تشديد المراقبة على حافلات اتوسا إلا أن المشكل لا يزال عالقا ويكون أبطاله ليس فقط الشبان المراهقون بل مس حتى النسوة والعجائز والفتيات، ويتعرض الكل إلى مواقف لا يحسدون عليها أثناء المراقبة من شدة الخجل، وهناك من يغير مجرى الموقف المخجل إلى عراك وصراع مع المراقبين الذين منهم من تعرض حتى إلى محاولة الاعتداء بالوسائل الحادة من طرف بعض الشبان المتهورين الذين يتحججون ببطالتهم، ويرون أن عدم تخليصهم ثمن التذكرة لم يأت من العدم بل لخلو جيوبهم من المبلغ. وهذا بالضبط ما حدث على متن إحدى وسائل النقل بحيث بعد دورية مراقبة للتذاكر انكشف أمر بعض المسافرين الذين لا يمتلكون التذاكر وكان لكل منهم ردة فعل مخالفة، فمنهم من انصاع إلى الأمر المحتوم وأجبر على دفع مبلغ 100 دينار كغرامة في ظل التهديد بسحب البطاقة الوطنية والمتابعة القضائية، ومنهم من تحجج برمي التذكرة وإلقائها من النافذة دون أن يشعر، إلا أن هناك من تحدوا المراقبين وأصروا على عدم التخليص وقلبوا الموقف المخجل وغيروه إلى منحى آخر بالعراك والمشادات الكلامية التي تلحق إلى حد المشاجرة والتعارك بالوسائل الحادة. والمخاطرة بحياة الركاب دون حسيب من بين المشاكل الأخرى التي تواجه الركاب على متن وسائل النقل الشجارات والعراكات التي تحدث داخل الحافلات وكذا على مستوى المحطات الرئيسية أو الثانوية، والشيء الغريب هو عدم إقلاع الحافلة والمكوث في ذلك المكان دون اتخاذ أية احتياطات ضرورية من طرف أولي الأمر، ما يؤدي إلى المخاطرة بالركاب في ظل تلك الاشتباكات العشوائية للأطراف المتعاركة وهو ما شهده الواقع في الكثير من المرات سواء على متن الحافلة أو خارجها، وتشهد حافلات النقل العمومي خاصة تلك السيناريوهات تزامنا مع المباريات التي تجمع الأندية المحلية ويكون معظم من يستقلونها من الأنصار مما يؤدي إلى نشوب صراعات فيما بينهم نتيجة العنف الذي ينقلونه من الملاعب إلى وسائل النقل العمومي التي تجمع كامل الفئات من شيوخ وعجائز وأطفال، بحيث يسمح لهم بالصعود وهم مزودون بالأسلحة البيضاء. وهذا أيضا ما عاشته في إحدى المرات حافلة اتوسا الرابطة بين ساحة الشهداء وساحة أول ماي وكان يوم مباراة جمعت بين فريقين محليين، وكانت تلك الحافلة ممتلئة عن آخرها بالأنصار مما أدى إلى نشوب نزاع حاد بينهم بسبب تقاذف التهم حول سرقة هاتف نقال لأحدهم، وكان الشاب الذي كانت مظاهر الانحراف بادية على وجهه يصرخ ويأمر السائق بعدم فتح الأبواب، ودخل في عراك حاد مع أقرانه أدخل الرعب والفزع على قلوب المسافرين خاصة النسوة اللائي كانت من بينهم امرأة حامل أغمي عليها في الحين ولم تفق إلا بعد إسعافها من طرف المسافرات اللواتي قمن برشها بالماء والعطر دون أن يحرك القابض أو السائق ساكنا، بل استمرت الحافلة في السير بطريقة أكثر من عادية. هذا ناهيك عن تعمدهم المكوث المطول في بعض الأحيان أمام المحطات الثانوية على الرغم من نشوب صراعات حادة على مستواها، وبعد الهلع والخوف الذي يصيب المسافرين نجدهم يهرعون إلى طلب الإقلاع، إلا أن طلبهم يرفض ويتحجج القابضون أنهم على مستوى محطات ثانوية ومن واجبهم التوقف فيها حتى ولو طالتها عراكات لأن خرقها يعد مساسا بالإجراءات المعمول بها في قطاع النقل، وهناك من أكدوا أن مكوث الحافلة أثناء تلك العراكات يطول أكثر مما يكون عليه الوضع في الحالات العادية، وكأن الحالة متعمدة ضد خدمة الصالح العام، لا سيما لما يمكن أن تجره تلك العراكات التي تحدث داخل الحافلة أو بمحاذاتها من مخاطرة بالمسافرين قد تلحق إلى حد أذيتهم بعد حالات الهلع والفزع والخوف التي تملأهم في تلك الأثناء فيسارعون إلى ترجي السائق بالإقلاع خوفا من تعرض حياتهم إلى الخطر على أيادي هؤلاء المتهورين. المطالبة بأعوان أمن طالب جل من تقربنا منهم من المواطنين على مستوى محطات النقل العمومي والخاص الذين استقينا منهم تلك الشهادات الحية عن ما هو جار على متن وسائل نقلنا من سيناريوهات متنوعة يدفع تكلفتها المسافرون، بضرورة تزويد محطات النقل وكذا الحافلات بأعوان أمن ومراقبين يسهرون على تنظيمها وحماية المسافرين من كل تلك العراكات ومن الاعتداءات بعد أن أضحت محطات النقل الملاذ الوحيد للصوص والمنحرفين، كما طالبوا بضرورة حمايتهم على متنها وحتى خارجها ورأوا أن ذلك لا يتحقق إلا بعد تخصيص فرق عبر المحطات الرئيسية وحتى الثانوية من أجل تنظيم سير تلك الوسيلة الهامة في حياة المواطنين، وكذا في تحقيق الصالح العام فيحتاجها العامل والطالب والمتبضع وحتى المتجول، فهي وسيلة ضرورية لا يستطيع الكل الاستغناء عنها، فمن الواجب تنظيمها من طرف القائمين على رأس القطاع لتحقيق طمأنينة المواطن وراحته على متنها ودفع كل المخاطر التي من الممكن جدا أن يتعرض لها في ظل الفوضى والمشاكل الكبيرة التي تلازمها حاليا.