أرجأت محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة، أمس، النّظر في واحد من أكبر ملفات الجوسسة في الجزائر، والذي تورّط فيه المتّهم المدعو (ب· نور الدين) باعتباره دكتورت نفسانيت وخبيرا في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة في التعامل مع دولة أجنبية من شأنه الإضرار بمصالح الدولة بعد أن مدّ عدد من السفارات الأجنبية الموجودة في الجزائر على غرار السفارة السورية والقطرية بمعلومات حول رعاياهم المحتجزين في العراق من طرف المسلّحين، وهذا إلى تاريخ 14 جانفي المقبل بسبب غياب الدفاع· القضية عادت بعد الطعن لدى المحكمة العليا، حيث سبق إدانة المتّهم بأربع سنوات حبسا نافذا، حيث تعود وقائعها إلى تاريخ 26 نوفمبر 2005 عندما اكتشف المتّهم وقائع خطيرة منذ استدعائه بصفته دكتورا نفسانيا ناشطا في صفوف الواسطة الدولية للأخصّائيين النّفسانيين الموجود مقرها في (فيينا) بغرض السفر إلى العراق في مهمّة إنسانية قصد التكفّل النّفسي بالأطفال العراقيين المصابين بصدمات نفسية، فسافر إلى العاصمة السورية دمشق ليلتحق ب 35 طبيبا نفسانيا ينحدرون من جنسيات مختلفة، حيث عبرت البعثة الطبّية الحدود السورية العراقية متّجهة تحديدا إلى مقرّ البعثة الدولية، وهناك بدأ العمل الإنساني من خلال إعداد تقارير شاملة عن الوضعية ترسل إلى الرّابطة الدولية للممارسين النّفسانيين ب (فيينا)، وكذا وزارة الصحّة العراقية والهلال الأحمر العراقي· واعترف المتّهم بأنه خلال قيامه ببحوث ميدانية في العراق حول تغيير بستراتيجية الجماعات إرهابية اكتشف بمحافظة الموصل أشخاصا بالزي المدني يتدرّبون في معسكر خاص في تدريب الانتحاريين من دول مختلفة عربية باكستانية، أفغانية وتايلاندية يكلّفون بالقيام بعمليات انتحارية خارج العراق وتحديدا في دول المغرب العربي ودول الخليج باستثناء سلطنة عمان، وكذا دول أوربية كإسبانيا، فرنسا وبريطانيا، وتوصّل في زيارته الثانية رفقة السائق العراقي مقابل عمولات بالدولار الأمريكي إلى أن شبابا جزائريين داخل المعسكر يحضّرون للقيام بعمليات انتحارية داخل الوطن، وفي الزيارة الثالثة في سبتمبر 2006 تنقّل رفقة مجموعة العمل على متن مروحية للجيش الأمريكي إلى منطقة خارج محافظة البصرة، وإثر تصاعد وتيرة الاشتباكات مكثوا داخل ثكنة تابعة للقوّات البريطانية أربعة أيّام، وكانت مفاجأته في هذه الزيارة اكتشافه عددا من المحتجزين الأجانب من بينهم روسيون وثلاثة إيرانيين ورعية أوروبي، كانوا في حالة مزرية يطلبون النّجدة في كلّ لحظة· وإلى جانب هذا فقد أشار المتّهم في اعترافاته في محاضر الضبطية القضائية إلى أنه عرف إثر المحادثات التي جمعته بهم أن الرّعايا الرّوسيين دبلوماسيون وتمّ اختطافهم في شهر جوان 2006 من طرف مسلّحين مجهولين في بغداد اِلتمسوا منهم الاتّصال بالسلطات الرّوسية من أجل تحريرهم، وقد استلم من بعضهم أغراضا كدليل على وجودهم في هذا المخبأ، منها جوازات سفرهم ووثائقهم الإدارية وهواتف نقّالة تحمل صورهم الفوتوغرافية، بالإضافة إلى رسائل باللّغة الرّوسية يطلبون من خلالها النّجدة· في سياق متّصل، أضاف المتّهم (ب· نور الدين) أنه خلال رحلة العودة إلى الجزائر تعرّضت قافلة السيّارات لطلقات نارية أصيب على إثرها بشظايا الزجاج، حيث نقل إلى مستشفى ببغداد لتلقّي العلاج، ومن ثمّة سافر إلى العاصمة الفلندية لتخطر بباله فكرة السفر إلى موسكو لإبلاغ السلطات الرّوسية عن الدبلوماسيين المحتجزين في ثكنة الجيش البريطاني، وخلال سفره إلى هناك لم تلق مساعيه أيّ تجاوب فقرّر العودة إلى أرض الوطن والاتّصال بالسفارة الرّوسية بالجزائر· وفي تصريحاته أكّد المتّهم أن السفير الرّوسي ذهل للمعلومات التي أعطاها له حول الرّعايا الرّوس وأسمائهم، لذا أبدى رغبته في مكافئته ب 10 ملايين دولار، مؤكّدا في الوقت ذاته أنه رفض تسلّمها واكتفى بمليون أورو لتحقيق حلمه في إنجاز معهد لعلم النّفس التطبيقي، لكن عملية تسليم الأموال ربطها السفير بإجراء تحاليل مخبرية على لوازم المحتجزين من طرف السلطات الرّوسية فإن ثبتت صحّتها فسوف يسلّمه الرئيس الرّوسي المنحة شخصيا، لكن المتّهم لم يتسلّم سوى 150000 دينار لتغطية مصاريف النّقل من ولاية عين تموشنت وكذا لإيواء، كما تنقّل إلى السفرة القطرية وأخبرهم بمعاناة بعض رعاياها في العراق وهناك أبدى السفير القطري اهتماما بالموضوع وجهّز له تذكرة سفر وتأشيرة لقطر، غير أنه بمجرّد خروجه من السفر تمّ إلقاء القبض عليه وإحالته على العدالة بتهمة الجوسسة·