يصبح المنزل مع حلول فصل الصيف من أكثر الأماكن مللا، إذ بمجرد أن ينتهي الموسم الدراسي ويحصل الأولياء على عطلتهم، تبدأ العائلات في التخطيط والتفكير في المكان الذي تقصده، هروبا من المنزل وحرارته وبحثا عن فضاءات أرحب وأجمل بعد تعب عام كامل من الدراسة والعمل. ... ويعتمد التخطيط الذي تقوم به العائلات لاختيار المكان الذي تقصده، أساسا، على الميزانية التي توفرها بغية قضاء عطلة ممتعة. وعلى العموم، فإن المكان الذي تختاره العائلات يختلف من عائلة لأخرى، وذلك وفقا لرغبات وميول كل واحدة، فمنها من تربط عطلة الصيف بالبحر مباشرة فتكون وجهتها الشاطئ، وذلك لقضاء من 15 إلى 20 يوما في المخيمات الصيفية، أو عن طريق كراء شقق أو غرف في فنادق سواء داخل الجزائر، أو في بعض الدول المجاورة لمن لديهم الميزانية الكافية. وتلجا عائلات إلى الذهاب من وقت لآخر إلى أقرب شاطئ ممن لا تمتلك ميزانية كبيرة، في حين تفضل عائلات أخرى الابتعاد عن زحمة البحر وحرارة الشمس، فتكون الغابة هي المتنفس لها للابتعاد عن ضوضاء المدينة وصخبها ومعانقة الطبيعة، من خلال افتراش بساط بين الأعشاب وإعداد الوجبات في الهواء الطلق، في الوقت الذي يستمتع فيه الأطفال باللعب بين الأشجار.. في حين نجد عائلات أخرى وبحثا عن التغير، تقرر زيارة الأهل والأحباب في ولايات أخرى، لا سيما وأن الصيف يتزامن وموعد الأعراس، فهذه العائلات تعتبر الأعراس مناسبة من أجل المكوث لفترات مطولة في أحضان العائلة.. ولكن مع انتهاء العرس يصبح الضيف مدعاة للقلق، كون المناسبة التي من أجلها احتضنت العائلة هذا الضيف انتهت، فتبدأ التلميحات والهمز والغمز والكلام بالمعاني، وفي أحيان أخرى يكون التلميح علنيا، كل هذا ليفهم الضيف أنه قد أطال المكوث ولابد عليه أن يحزم متاعه ليعود إلى منزله لأنه لم يعد مرغوبا فيه... وعلى العموم، لم يعد هنالك في أغلب العائلات الجزائرية كرم الضيافة، الذي طالما عرفت به منذ الأزل، خاصة في فصل الصيف، حيث ترغب كل العائلات في مغادرة منازلها بحثا عن أماكن جديدة تكتشفها أو تشعر فيها بنوع من التغيير.. فاليوم أصبحت زيارة الأخت لأختها أو الأخ لأخيه بناء على أخذ موعد مسبقا، وإلا فإن زيارتهم المفاجئة تكون غير مرحب بها.. في هذا الشأن تقول السيدة يمينه عاملة بإحدى المؤسسات التربوية " أنا شخصيا لا أحب أن يزورني أحد في الموسم الدراسي إلا بعد أن يعلمني بقدومه، حتى أكون مستعدة لاستقباله كما يجب، أما في موسم الصيف، فلا يفكر أحد مطلقا في المجيء لزيارتي أو قضاء بعض الوقت في منزلي، لأني أغادر المنزل ولا أعود إليه إلا بعد انقضاء العطلة ". ومثيلات السيدة يمينه كثيرات، إذ لم يعد الأخ أخا ولم يعد البيت يتسع للأهل والأحباب، وربما غلاء المعيشة ومحدودية الميزانية وضيق المنازل و... ورغبة الجميع في الخروج من منازلهم بحثا عن أماكن يشعرون فيها بنوع من التجديد، كلها عوامل أسهمت من قريب أو بعيد في تغير ذهنيات الجزائريين، وهو ما انعكس سلبا على كرم الضيافة، ولم يعد ذلك غريبا بالنظر إلى تغير الظروف والمعطيات وطريقة التفكير، وكذا محاولة الجميع الهروب، وبالتالي عدم استعداد أي واحد للاستقبال.