تتنوع العبادات في حياة المسلم، فهي لا تقتصر على أركان الإسلام الخمسة المعروفة من صلاة وصوم وزكاة·· الخ، إنما هناك من العبادات ما هو ضروري لإتمام الأركان الخمسة لكي يرتقي بها الإنسان إلى درجات أعلى، وهي الإيمان ثم الإحسان، وفي الحقيقة لا يتم الوصول إلى هذه الدرجات إلا من خلال بعض العبادات الروحانية، مثل التفكر والتأمل وحسن الظن بالله· ومعنى حُسن الظن بالله عَزَّ و جَلَّ اعتماد الإنسان المؤمن على ربِّه في أموره كلها، ويقينه الكامل وثقته التامة بوعد الله ووعيده، واطمئنانه بما عند الله تعالى، أنه لن يخزيه إن فعل خيرا وأن الله تعالى يقدر الخير دوما لعباده، فإن حُسن الظن بالله المصحوب بالعمل الصالح هو السبب القوي والركن الوثيق الذي يجب على الإنسان أن يتوجَّه إليه ويجعله وسيلةً للحصول على خيري الدنيا والآخرة· قال ابن القيم رحمه الله (ولا ريب أن حسن الظن بالله إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسنُ الظن بربه، أنه يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، وهذا موجود في قول الحسن البصري (إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وأن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل)، فإن العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يُحسن الظن به، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبداً، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له)· ومن فوائد حسن الظن بالله تعالى أن يصل الإنسان إلى درجة السلام الداخلي، حيث أنه بتوكله ويقينه بالله عز وجل يتقي شر هواجس الشيطان ووساوسه التي تسبب له القلق الدائم، وقد ضرب السلف الصالح كثير من الأمثلة الرائعة في حسن الظن بالله ومنها: كان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول (اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك)· وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول (والذي لا إله غيره ما أُعطي عبد مؤمن شيئاً خير من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه؛ ذلك بأن الخير في يده) وسفيان الثوري رحمه الله كان يقول: ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي، فربي خير لي من والدي، وكان يقول عند قوله تعالى (وَأََحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) أحسنوا بالله الظن· وعن عمار بن يوسف قال: رأيت حسن بن صالح في منامي فقلت: قد كنت متمنياً للقائك، فماذا عندك فتخبرنا به؟ فقال: أبشر! فلم أرَ مثل حسن الظن بالله عز وجل شيئاً)· وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري ومسلم، والمتأمل في الحديث يرى عظمة وجلال المكانة التي يصل إليها المسلم الذي يحسن الظن بالله، عملا وإيمانا·