* روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أن السيئة وإن كانت واحدة، فإنها تتبعها عدة خصال مذمومة: أولها: إذا أذنب العبد ذنبا، فقد أسخط الله وهو قادر عليه· والثانية: أنه أدخل الفرح والسرور على إبليس لعنه الله· والثالثة: أنه تقرّب من النار· والرابعة: أنه قد آذى الحفظة· والخامسة: أنه قد أحزن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في قبره· والسادسة: أنه أشهد على نفسه السموات والأرضَ وجميع المخلوقات بالعصيان· والسابعة: أنه خان جميع الآدميين، وعصى رب العالمين· * حدث مالك بن دينار فقال: دخلت على جار لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يغمى عليه مرة ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكا في دنياه، متخلفا عن طاعة مولاه، فقلت له: يا أخي، تب إلى الله، وارجع عن غيّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك، ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك· فقال: هيهات هيهات، قد دنا ما هو آت، وأنا ميّت لا محالة، فيا أسفي على عمر أفنيته في البطالة· نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونستغفره من الذنوب المتقادمة· أخي الحبيب، أختي الغالية أقبل على قبلة التوجه إلى مولاك، وأعرض عن مواصلة غيّك وهواك· وواصل بقية العمر بوظائف الطاعات، واصبر على ترك عاجل الشهوات· فالفرار أيها المكلف كل الفرار من مواصلة الجرائم والأوزار· فالصبر على الطاعة في الدنيا أيسر من الصبر على النار· * قال أحد الأخيار لولده لما حضرته الوفاة: يا بنيّ، اسمع وصيتي، واعمل ما أوصيك به· قال: نعم يا أبت. قال: يا بنيّ، اجعل في عنقي حبلا، وجرّني إلى محرابي، ومرّغ خدي على التراب، وقل: هذا جزاء من عصى مولاه، وآثر شهوته وهواه، ونام عن خدمة مولاه· ولما فعل ذلك به، رفع طرفه إلى السماء وقال: الهي وسيدي ومولاي، قد آن الرحيل إليك، وأزف القدوم عليك، ولا عذر لي بين يديك، غير أنك الغفور وأنا العاصي، وأنت الرحيم وأنا الجاني، وأنت السيد وأنا العبد، ارحم خضوعي وذلتي بين يديك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك. أخي الحبيب، أختي الغالية يا من باع الباقي بالفاني، أما ظهر لك الخسران؟ يا أسير دنياه، يا عبد هواه، يا موطن الخطايا، ويا مستودع الرزايا، اذكر ما قدّمت يداك، وكن خائفا من سيدك ومولاك أن يطّلع على باطن زللك وجفاك، فيصدك عن بابه، ويبعدك عن جنابه، ويمنعك عن مرافقة أحبابه، فتقع في حضرة الخذلان، وتتقيد بشرك الخسران· * روي عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: دخلت على أحد المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان حسن الجوار، حسن السيرة، حسن الأخلاق، فرجوت أن يوفقه الله عند الموت، ويميته على الإسلام· فقلت له: ما تجد، وكيف حالك ؟ فقال: لي قلب عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم، ولا قوة لي، وقبر موحش ولا أنيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي، وجنّة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي. قل الحسن: فدعوتُ ورجوت الله أن يوفقه، ثم أقبلت عليه، وقلت له: لمَ لا تسلم حتى تسلم؟ قال: إن المفتاح بيد الفتاح، والقفل هنا. وأشار إلى صدره وغشي عليه· قال الحسن: فقلت: الهي وسيدي ومولاي، إن كان سبق لهذا المجوسيَ عندك حسنة فعجل بها إليه قبل فراق روحه من الدنيا، وانقطاع الأمل. فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم أقبل وقال: يا شيخ، إن الفتاح أرسل المفتاح· أمدد يمناك، فأنا أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله· ثم خرجت روحه وصار إلى رحمة الله· أخي الحبيب، أختي الغالية ما هذه الحيرة وأنتم تنظرون؟ وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون؟ وما هذه السكرة وأنتم صاحون؟ وما هذا السكون وأنتم مطالبون؟ وما هذه الإقامة وأنتم راحلون؟ أما آن لأهل الرّقدة أن يستيقظوا؟ أما حان لأبناء الغفلة أن يتعظوا؟