ادع إلى الله بالحكمة واللين والإنصاف، وحبب الله إلى الناس بالخلق الحسن، ولن تستطيع أن تحبّب الله إلى الناس حتى تراهم عبيدا له، وتراه معبودهم الحق دون سواه، ولن تبلغ هذا المشهد العظيم حتى تحب خلق الله وتخدمهم وتتأنس بمناجاتهم. ولن تذوق من كأس الهوى إلى على يد أهله الذين أهلهم الله إلى الدعوة إلى الحق بالحق والذين لا يشقى بهم جليسهم، والذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، وما سواهم مشعوذ مغرور. وإذا أردت أن تدخل حضرة القبول، فعليك بالتوبة النصوح، والتذلل للمؤمنين وصالحيهم، والتجرد عن ما سوى الله والتضحية بالنفس والنفيس لإعلاء كلمة الله. وعليك في كل هذا بمصاحبة أخيك، ينصحك إذا أخطأت، ويدفع عنك غش المادحين، ومكر الحاسدين بصفحه و سخائه وبصيرته. قال تعالى : "أومن كان ميتا فأحييناه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" (الأنعام 122). ونوّر سريرتك بمحاسبة نفسك، ومراقبة مولاك، واتل قرآنه واذكره في كل الحالات. وصل على سيدنا محمد حبيبه، مصدر الرحمة والنفحات "فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ذلك مبلغهم من العلم، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى" (سورة النجم 28-29) واصبر على ما أصابك لأن ذلك من عزم الأمور. واعبد الله عبادة الأحرار، لا عبادة العبيد والتجار ولا تتركّن طاعة لأجل الناس لأن ذلك رياء، ولا تعملها لهم لأن ذلك دليل الشرك المبين. والسر في الطاعات أفضل إلا لمقتدٍ به فيجهر بالقربات ترغيبا للناس فيها ودعوة إليها، وأقم الصلاة خاشعا، اعن بحضور القلب وشهود العقل وخضوع الأركان وخشوع الجوارح وإتقان في الأداء فهي قربان تقدمه لله رب العالمين، فتحفظك وترعاك وتنير قلبك ومثواك وتبارك في عمرك وتزكيه. ولا إخلاص في محرم ولا مكروه، ولا في مباح إلا أن يراد به قربة، كمن بنى جدارا لرفع بيوت الله، أو سدا أو بئرا أو هيكلا آخر جارٍ نفعه. وأدّ الزكاة عند الحول والنصاب كل نوع بحسبه "للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله" (سورة التوبة 60). وتقرّب إلى مولاك في رمضان، شهر الأمة المحمدية بصيام وقيام محتسبا كل ذلك لله رب العالمين، وحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. ولا تندم عن خير قدمته ولو إلى غير أهله، لأن ذلك وهَنٌ في عقيدتك وضعف في يقينك قد هاجم نفسك ببعض التفاتها إلى الحطام الفانية "ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى" (سورة طه 131). فمن ندم عن فعله شاهد نفسه، ومن شاهد نفسه غفل عن مولاه، ومن غفل عن مولاه استحق لوم العبيد وسجن الإماء. ومتى فعل فعلا ولولاه ما فعل ؟ "والله خلقكم وما تعملون" (سورة الصافات 96). وعلام تندم ؟؟ ولولاه لم تخرج من العدم وعلام تندم ؟؟ ولولاه لحلّ بجوارحك الصمم والعمى والبكم. وعلام تندم ؟؟ وقد تفضّ)ل مولاك عليك بالإحسان فجعلك تحسن بإحسانه، وتنفق من آلائه، وتتغذى من معينه. فهل لك شيء من ذلك تتصرف فيه كيف تشاء وحيثما تشاء؟؟ وهل نسيت وجوده وظهوره وخطابه ؟؟ "فأينما تولوا فثمّ وجه الله" (سورة البقرة 114) فأين أنت وأين هو؟؟ وهل أفنيت الأنا فيه؟ ووجودك في وجوده حتى لا ترى غيره؟؟ وهل ذقت "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" (سورة البقرة 151). ومن علامة شكر العبد أن يطلب رضى سيده وأن لا يغفل عن أوامره، ويستحي من مولاه أن يراه عند نواهيه وحدوده. وآفة المحبة أن ينازع العبد سيده في ملكه فيعجبه رأيه ويفرح لحركاته، فيسخط عليه مولاه ويطرده من حضرته- ولا حول ولا قوة إلا بالله- ويتحقق عليه قوله تعالى: "فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين" سورة القصص 81).