عن حديث أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: ''ألا أحدثكم بحديث لا يحدثكم به أحد غيري، قالوا: بلى .. قال: كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جلوسا فضحك ثم قال: أتدرون ممّ ضحكت؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم .. قال صلى اللّه عليه وسلم : عجبت للمؤمن، إن اللّه عزّ وجل لا يقضي قضاء إلا كان خيراً له. فليعلم المكروب أن حظه من المصيبة ما يحدث له، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، من رضي بقضاء اللّه جرى عليه وكان له أجر، ومن لم يرضَ بقضاء اللّه جرى عليه وحبط عمله، فقضاء اللّه نافذ كالسيف وأمره واقع لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، ولكن العبد هو الذي يربح أو يخسر بحسب رضاه وسخطه.لحظات مع الراضين بقضاء اللّهلنعش أيها الأحبة مع الراضين دقائق غالية قليلة، لنتخذهم أسوة وقدوة ومثلا من باب:سيروا كما ساروا لتجنوا ما جنوا وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم قال أبو الحسن المدائني عليه رحمة اللّه:دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه عبد الملك في مرضه رحمهم اللّه جميعا فقال: يا بني كيف تجدك؟ قال: تجدني أبتاه في الموت.قال: يا بني، لأن تكون في ميزاني أحب إليّ من أن أكون في ميزانك.فقال الابن : يا أبتي، واللّه لأن يكون ما تحبه أحب إليّ من أن يكون ما أحبه. ثم مات عليه رحمة اللّه.ويروي الإمام أحمد في الزهد عن زياد بن أبي حسان أنّه شهد عمر رحمه اللّه حين دفن عبد الملك ابنه، قد استوى قائما عند القبر وأحاط به الناس فقال:واللّه يا بني، لقد كنت باراً بأبيك، واللّه ما زلت مسرورا بك مذ وهبك اللّه لي إلى أن استودعك اللّه في المنزل الذي صيّرك اللّه إليه، فرحمك اللّه وغفر ذنبك وجزاك بأحسن عملك، ورحم كل شافعٍ يشفع لك بخير شاهد أو غائبٍ ، رضينا بقضاء اللّه وسلمنا لأمر اللّه والحمد للّه ربّ العالمين، وإنا للّه وإنّا إليه راجعون، ثم انصرف ورجع إلى مجلسه.وكان قبل وفاة عبد الملك قد هلك أخوه سهل وهو من أحب أخوته، وهلك مولاه مزاحم وهو عزيز عليه، كل ذلك في أوقات متتابعة، فلما استوى في مجلسه جاء الربيع بن ثبرة عليه رحمة اللّه فقال: عظم اللّه أجرك يا أمير المؤمنين، ما رأيت أحداً أصيب بأعظم من مصيبتك، ما رأيت مثل ابنك ابناً، ولا مثل أخيك أخا، ولا مثل مولاك مولىً قط. فطأطأ رأسه عمر رحمه اللّه، فقال أحد الحاضرين : لقد هيّجت عليه.فقال : كيف قلت يا ربيع ؟ أعد.قال : فأعدت عليه، فقال: لا والذي قضى عليهم الموت، ما أحب أن شيئا كان من ذلك لم يكن.وباء الطاعونولا ينسى يوم وقع الطاعون بأرض الشام كما في السير للذهبي فخطب الناس عمرو رضي اللّه عنه فقال: إن هذا الطاعون رجز ففروا منه بالأودية والشعاب.فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة رضي اللّه عنه فغضب وجاء يجر ثوبه ونعلاه في يده قائلا: لقد صحبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاسمعوا، الطاعون رحمة ربكم ودعوة نبيكم، يستشهد اللّه به أنفسكم ويزكي أعمالكم.فبلغ ذلك معاذاً رضي اللّه عنه وهو يتوق للشهادة فقال: اللّهم اجعل نصيب أهل بيت معاذ الأوفر منه.لأنه يعلم أن من أصيب به له مثل أجر الشهيد، فتصاب ابنتاه الاثنتان وتموتان فدفنهما بقبرٍ واحد وحمد اللّه واسترجع، ثم أصيب ابنه عبد الرحمن وهو من أعز أبنائه.فقال معاذا لابنه: كيف تجدك؟قال : أبتاه، الحق من ربك فلا تكن من الممترين.فقال معاذ رضي اللّه عنه: ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين.ثم توفي رحمه اللّه، ثم أصاب الطاعون كف معاذ رضي اللّه عنه وأرضاه، فجعل يقبلها ويقول: لهيَ أحب إليّ من حمر النعم، ثم يغشى عليه، فإذا أسري عنه قال: يارب غم غمك واخنق خنقك فوعزتك إنك لتعلم أني لأحبك.ثم لقي اللّه عزّ وجلّ بعد أن احتسب أهل بيته جميعا فما كان إلا الرضا والتسليم بقضائه وقدره.وقبل ذلك لمعاذ يروى عن المعافى بن عمران عن شهاب بن خراش عن عبد الرحمن بن غن قال:دخلنا على معاذ رضي اللّه عنه وهو قاعد عند رأس ابنه وهو يجود بنفسه فما ملكنا أنفسنا إلا أن ذرفت أعيننا وانتحب بعضنا فزجره معاذ وقال:صَه، فو اللّه لأن يعلم اللّه برضاي بهذا أحب إليّ من كل غزاةٍ غزوتها، من كان عليه عزيزا وبه ضنينا فصبر على مصيبته واحتسبه أبدل اللّه الميت دارا خيرا من داره وقرارا خيرا من قراره، وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان. قال: فما برحنا حتى قضى الغلام فقام وغسله وحنّطه وكفنه وصليناعليه ثم نزل في قبره ووضعه وسوّى عليه التراب ثم رجع إلى مجلسه فدعى بدهن فادّهن وبكحل فاكتحل وببردة جميلة فلبسها، وأكثر من التبسم ينوي ما ينوي، ثم قال:إنا للّه وإنّا إليه راجعون، في اللّه خلف من كل هالك، وعزاءٌ من كل مصيبة، وللّه الأمر من قبل ومن بعد ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولسان حاله: كل ما كان من قضاء فيحلو ....... بفؤادي نزوله ويطيبُ، يقول أبو علي رحمه اللّه: صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكا ولا متبسما إلا يوم مات ولده علي رحمه اللّه، فقلت: ما هذا؟ قال: إن اللّه سبحانه أحب أمرا فأحببت أن أحب ما أحب اللّه، وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.وضحك أحد السلف يوم مات ابنه فقيل: أتضحك في مثل هذا الحال؟ قال: نعم، أردت أن أرغم الشيطان وقضى اللّه القضاء فأحب أن أرضى بقضائه فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.ويشتكي ابن لعبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهم فيشتد وجده عليه، حتى قال بعض القوم:لقد خشينا على هذا الشيخ إن حدث بهذا الغلام حدث، وشاء اللّه فمات هذا الغلام فخرج عمر في جنازته وما أبدى رجل سرورا إلا ابن عمر، فقيل: ما هذا؟ قد خشينا عليك يابن عمر، قال: إنما تلك كانت رحمة به.الرسول صلى اللّه عليه وسلم أرضى الخلق وأرضى الخلق نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم بكى يوم مات ابنه إبراهيم رأفة ورحمة منه للولد ورقة عليه وقلبه ممتلئ بالرضا ولسانه مشتغل بحمد اللّه وذكره وهذا أكمل هديٍ وأتمه، فإنه صلى اللّه عليه وسلم حملته الرحمة بالطفل على البكاء، ومحبة اللّه على الرضا وخير الهدي هديه صلى اللّه عليه وسلم .وفي الصحيحين أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول اللّه تذرفان، قال عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول اللّه؟.قال عليه الصلاة والسلام: يابن عوف، إنها رحمة، إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.وفي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: »إن اللّه لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه صلى اللّه عليه وسلم .وعن أسامة بن زيد رضي اللّه عنه، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رفع إليه ابن ابنته وهو في الموت نفسه تقعقع، ففاضت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له أحد: ما هذا يا رسول اللّه؟قال: هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده، وإنما يرحم اللّه من عباده الرحماء.أيها الأحبة، اللّه يقضي، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، فمن استعان باللّه وشكره في السراء والضراء ورضي بقدر اللّه انكشف كربه ورضيت نفسه فهو بحياة طيبة على كل حال، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.