ودّعت الجزائر أمسية الثلاثاء في جنازة مهيبة لم تشهد لها الجزائر العاصمة مثيلا منذ فترة، فقيدها المجاهد الفذّ والسياسي الحكيم عبد الحميد مهري، رحمه اللّه، الذي وافته المنية يوم الاثنين عن عمر قدره نحو 86 سنة. وقد توالت برقيات التعزية من كبار الشخصيات في الدولة الجزائرية، من القاضي الأوّل في البلاد إلى رئيس الوزراء، إلى رئيسي مجلس الأمّة والمجلس الشعبي الوطني وغيرهم· وشهدت جنازة الفقيد الذي دفن بعد صلاة العصر في مقبرة سيدي يحيى بالعاصمة حضور عدد كبير جدّا من الشخصيات الوطنية المختلفة، بين كبار مسؤولي الدولة وزعماء تشكيلات حزبية عديدة و(سياسيين متقاعدين) وشخصيات وطنية كثيرة، إضافة إلى عدد كبير من المواطنين الذين رافقوا الرّاحل مهري في آخر (رحلة) له إلى دار الفناء، من بيته العائلي بحيدرة إلى قبره· بوتفليقة: "مهري نذر حياته لخدمة الوطن والشعب" بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ببرقية تعزية إلى كافّة أفراد أسرة المرحوم عبد الحميد مهري جاء فيها: (إلى بارئها فاضت روح المجاهد والمناضل الأستاذ عبد الحميد مهري أبرا المولى روحه الطاهرة وآواها في رحاب جنّات الخلد والنعيم)· وقال رئيس الجمهورية في برقيته: (لقد نذر فقيد الجزائر كلّ حياته لخدمة الوطن والشعب، إذ تعلّقت همّته منذ غضاضة العمر بالمثل السامقة في الحرّية والعدالة والسيادة في زمن هتك صفاءه ظلم الاستعمار)· وجاء في نص البرقية أيضا: (فما استكان الرّاحل على مدى العقود الخالية ولا كلّت إرادته منذ أدرك الحقّ، إذ انتمى يافعا إلى صفوف الحركة الوطنية مناضلا بوعي متقدّم إلى أن اندلعت الثورة الظافرة فكان واحدا من أبنائها العاملين المجتهدين بما أتاه اللّه من رجاحة عقل ونباهة وحكمة فأدّى واجبه على أكمل وجه حتى إذا وضعت الحرب أوزارها وانتزع الشعب حقّه في الحياة الكريمة طفق الرّاحل بنفس الإرادة والتصميم مع كلّ المخلصين من أبناء الجزائر يعمل ويوجّه ويشارك الجماهير إن في مجال الإدارة أو النضال السياسي والثقافي)· وأضاف رئيس الدولة في برقيته: (ولئن غيّب الموت الأستاذ عبد الحميد مهري جسدا فإنما ذكراه باقية في القلوب ورصيده النضالي وإخلاصه الوطني ذخرا تقتدي بهما أجيال الجزائر في الاستمساك بتلك القيم الخالدة التي من شأنها عاش ومات على غرار كلّ المخلصين من أبناء هذه الأمّة)· وختم الرئيس بوتفليقة برقيته: (وإذ أعزّي أسرته الكريمة وذويه الأبرار وكلّ رفاق دربه أسأل المولى أن يحتسبه مع الذين اصطفاهم إلى جواره من الأولياء والصدّيقين وأغدق عليهم بلا حساب في جنّات النّعيم)· بن صالح: "الفقيد كان شاهدا على تاريخ الجزائر" قال رئيس مجلس الأمّة عبد القادر بن صالح إن الرّاحل عبد الحميد مهري (كان شاهدا وموثّقا ساهم في إلقاء أضواء هامّة على العديد من الوقائع في تاريخ الجزائر الحديث)، مضيفا أن الفقيد (لم يكن فقط فاعلا في أحداث ومراحل من النضال الوطني والكفاح الثوري المرير)· وفي برقية تعزية بعثها إلى أسرة الفقيد نوّه بن صالح ب (المساهمات الثمينة للفقيد في إبراز تاريخنا الوطني الحديث، والتي كانت محلّ تقدير واحترام)، وأضاف أن متاعب التقدّم في العمر لم تثن الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني من المشاركة في الندوات والملتقيات التاريخية والسياسية والفكرية للإدلاء بأفكاره والتعبير عن وجهات نظره· كما أثنى بن صالح على (الإنجازات الثرية والحافلة التي حقّقها المناضل والمسؤول والسياسي المتميّز والمثقّف عبد الحميد مهري)، مشيدا في نفس الوقت ب (الخصال الحميدة التي تميّز بها طيلة حياته)· وقال بن صالح في برقية التعزية لعائلة الفقيد: (وإنني أمام هذا المصاب الجلل أتقدّم إليكم بأحرّ التعازي وأصدق مشاعر المواساة والتعاطف، داعيا المولى عزّ وجلّ أن يلهمكم الصبر والسلوان ويتغمّد الفقيد برحمته الواسعة مع الصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا). زيّاري: "الجزائر فقدت أحد رجالها العظماء" ذكر رئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زيّاري أن الجزائر وبوفاة عبد الحميد مهري تكون قد فقدت أحد رجالها العظماء الذين تركوا بصماتهم في مسار كفاحها التحريري وبنائها الوطني· وفي برقية تعزية بعث بها إلى أسرة الفقيد أكّد زيّاري أن المرحوم مهري كان (سياسيا فذّا ومناضلا محنّكا من أجل جزائر تجمع بين الأصالة والعصرنة وفاء لقيم نوفمبر وثورة التحرير المجيدة وعمل جاهدا من أجل التقريب بين كلّ القوى الوطنية من أجل تحصين الجزائر وتمكينها من تبوّء المكانة التي تليق بها بين الأمم)، وأضاف أن الفقيد (كرّس حياته من أجل استقلال الجزائر منذ أن انخرط في حزب الشعب الجزائري وفي حركة انتصار الحرّيات الديمقراطية)، كما ذكر أن المرحوم عبد الحميد مهري (وضع كلّ تجربته النضالية وقدراته التنظيمية في خدمة قضية وطنه أثناء ثورة نوفمبر المجيدة، حيث كان عضوا في وفد جبهة التحرير الوطني في الخارج وعضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ثمّ في لجنة التنسيق والتنفيذ)· كما أظهر الفقيد يضيف زيّاري (قدرات تنظيمية وتسييرية كبيرة أثناء تولّيه مناصب وزارية وسامية في الدولة بعد الاستقلال ليتوّج مساره النضالي بتولّيه الأمانة العامّة لحزب جبهة التحرير الوطني)· أويحيى: "... إنه أحد أعمدة الجزائر" قال الوزير الأوّل أحمد أويحيى إن الجزائر فقدت برحيل عبد الحميد مهري (أحد أعمدتها النضالية والسياسية) ارتبط اسمه بكلّ المحطّات التاريخية للوطن· وقال أويحيى في برقية تعزية وجهها لعائلة الفقيد مهري: (إنه لا شكّ في أن فقدان الجزائر لرجل يملك هذا الرّصيد من النضال تكون قد فقدت أحد أعمدتها النضالية والسياسية) الذي ارتبط اسمه -كما قال-(بكلّ المحطّات التاريخية لبلادنا منذ أن كان وزيرا في الحكومة المؤقّتة للجمهورية الجزائرية)· ونوّه الوزير الأوّل بخصال المرحوم الذي كرّس حياته في (النضال والجهاد في سبيل القضية الوطنية قبل أن يساهم بعد الاستقلال مساهمة مشهودة في بناء هذا الوطن) الذي أفنى عمره -كما أضاف- (في خدمته من خلال مختلف المسؤوليات السياسية والحزبية التي تقلّدها على مرّ مراحل البناء والتشييد). وأضاف أويحيى في برقية التعزية لعائلة الفقيد: (لا يسعني أمام قضاء اللّه وقدره بهذه المناسبة الأليمة إلاّ أن أشاطركم فيما أصابكم وأن أتقدّم إليكم أصالة عن نفسي وباسم الحكومة ومن خلالكم إلى كلّ الأسرة الثورية بأخلص عبارات التعازي وأصدق عبارات المواساة والتعاطف)· ودعا الوزير الأوّل المولى العلّي القدير أن (يتغمّد روح الفقيد الطاهرة بألطاف رحمته وغفرانه، واأن يدخله جنّات الخلد والرضوان مع الصدّيقين والأبرار)، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان· بسايح: "الجزائر فقدت أحد رجالها الأخيار" قال رئيس المجلس الدستوري السيّد بوعلام بسايح إن الجزائر بوفاة عبد الحميد مهري فقدت (أحد رجالها الأخيار الذين تفانوا لسنوات طوال في أداء الواجب الوطني بإخلاص). وكتب السيّد بسايح في برقية تعزية بعث بها إلى أسرة الفقيد أن الجزائر فقدت برحيل عبد الحميد مهري (شخصية تاريخية لامعة وأحد رجالاتها الأعلام الأخيار الذي تفانى لسنوات طوال في أداء الواجب الوطني بإخلاص واقتدار بقناعة صادقة وأخلاق رفيعة عبر مختلف مواقع النضال والمسؤولية السامية التي تولاّها خلال مرحلتي التحرير والتشييد في خدمة الوطن العزيز، فكان جديرا بكلّ المحبّة والتقدير والاحترام)· شخصيات وهيئات ومنظّمات متأثّرة بوفاة مهري عبّرت كثير من الشخصيات وعدّة هيئات ومنظّمات عن بالغ تأثّرها لرحيل عبد الحميد مهري، مؤكّدة أنه كان (رائدا من روّاد الحركة الوطنية) و(أستاذ الجيل)· وتقدّمت اللّجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها بتعازيها القلبية لعائلة الفقيد، راجية من المولى تعالى أن يتغمّد روحه برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جنانه· ومن جهته، اعتبر المجلس الأعلى للّغة العربية في برقية تعزية وجّهها إلى أسرة الفقيد ومحبّيه أن مهري كان (رائدا من روّاد الحركة الوطنية ومن الرّعيل الأوّل الذين ساهموا في الثورة وفي بناء الدولة الجزائرية بعد تحريرها)· أمّا رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرّة سلطاني فعبّر في برقية تعزية عن تألّمه (لفقدان هذا الرجل الوطني الرّمز المجاهد الكبير وأستاذ الجيل الذي تعلّمنا منه الكثير، والذي أفنى حياته في خدمة الجزائر بعد أن أعطى كلّ ما له من قوّة وتضحية في تحرير الوطن العزيز)· وقد كان المرحوم -يضيف سلطاني- من الرّعيل الأوّل لثورة التحرير المباركة ثمّ بذل بعد الاستقلال كلّ جهده بإخلاص وتفان في بناء الجزائر المستقلّة، مؤكّدا أنه عرف عنه (حبّه للوطن واستعداده للتضحية في سبيله بلا حدود وصابرا محتسبا مدافعا عن الحقّ مهما كلّفه ذلك من ثمن)·