جثث متطايرة هنا وهناك، منظر رهيب اقشعرت منه أبداننا ونحن نتجه إلى ضواحي العاصمة، إذ استقبلنا من قبل ضيف ثقيل غير مرغوب فيه أدى إلى إغلاق كل الممرات وشن حركة المرور، ونحن نتساءل عن مايحدث، سمعنا أصواتا مرتفعة عمت أرجاء المكان... امتزجت بين صفارة سيارة الإسعاف وأنين المصابين الذين وقعوا ضحايا لإرهاب الطرقات... فمن منا لم يسمع عن حوادث المرور التي أصبحت آفة اجتماعية أخطر مما يمكن أن نتوقعه نظرا لما تخلفه من نتائج، وللعامل البشري دور كبير كونه المتسبب الرئيسي لحدوثها ووقوعها ، ففي الوقت الراهن لا يمكننا أن نتناول أي وسيلة إعلامية دون أن نلاحظ تلك الحصيلة الثقيلة من الأرقام المروعة عن حوادث المرور التي تحصد يوميا العديد من الأرواح عبر العالم، وبلادنا الجزائر ليست معفاة من هذه الظاهرة التي تزداد خطورة رغم كل الإجراءات القانونية والعملية المتخذة للحد منها. لذا فقد حان الوقت لدق ناقوس الخطر عن هذا الإرهاب الصامت الذي لا يزال يخلف لنا موتى، معاقين، أرامل ويتامى، فهل من المعقول أن ننافس الدول على المراتب الأولى في عدد قتلى الطرقات. من هنا كان لابد علينا من إطلاق صفارة الإنذار للنهوض بسياسة الوقاية المرورية لصد الطريق في وجه الأرقام المخيفة التي تصنعها حوادث المرور عبر شبكة الطرق. فيا ترى أين يكمن السر في هذا الارتفاع وكيف يمكن لنا أن نوقف هذا النزيف. الموت القادم من الطريق... إن بحثنا عن الأسباب المؤدية لارتفاع حوادث المرور فهي عديدة، إذ يعتبر المشي أحد طرق التنقل المستعملة بشكل واسع، إلا أننا لاحظنا تقلصا في المساحات المخصصة للمشاة تاركة المجال للمركبات التي أصبحت بحاجة إلى أماكن أوسع، وقد يعود السبب لارتكاب حوادث المرور إلى بعض تصرفات المشاة كعدم احترام إشارات المرور وعدم السير على الرصيف، ويعتبر الأطفال الصغار أكثر عرضة لحوادث المرور لقلة إدراكهم للخطر، كما أن للسائقين دور في ذلك لما يخضعون له من تأثيرات مختلفة إما بسبب تصرفاتهم الطائشة واللامسؤلة أو لحالتهم النفسية التي تلعب دورا كبيرا في مجريات الحركة المرورية، كالسهو، التعب، القيادة تحت تأثير الدواء أو المخدر أو الخمر. والشباب هم الشريحة الأكثر مسؤولية في التسبب بحوادث المرور بسبب حداثة رخصة السياقة وعدم احترام السرعة المحددة، عدم احترام قانون المرور ومراعاة قواعده، فهم لا يقدرون الخطر الذي يترصدهم في كل لحظة فيضعون حياتهم وحياة الآخرين على حافة الموت بتهاونهم هذا وعدم خضوعهم للمسؤولية، وأيضا غياب الثقافة المرورية لدى السائق والمواطن معا، ففي الجزائر ليست إشارة المرور هي التي تتحكم في السائق والراجل بل العكس، كما لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه مدارس تعليم السياقة التي تتساهل في منح رخص السياقة، لذا كان لابد من وضعها ضمن الأولويات في السياقة الوقائية، هذا بالإضافة إلى ارتفاع حجم حظيرة السيارات نظرا للتسهيلات الممنوحة من طرف البنوك والمؤسسات، فالسيارة أصبحت تشكل ضرورة من ضروريات الحياة بالنسبة للأشخاص، إذا فالأسباب متعددة وإن صبت مجملها في وعاء واحد وهو الموت والإعاقة وحتى الاختلال النفسي. الحديث عن حوادث المرور يجرنا لا محالة للحديث عن وضعية الطرقات المزرية التي لم تتجدد بالقدر الذي يستوعب هذا الكم الهائل من مستعملي الطرقات أمام هذا التزايد للسيارات يوميا، ناهيك عن غلق بعض الممرات دون سابق إنذار والأشغال لا تنتهي مما ينتج عنها إعاقة حركة المرور وإرباك السائق الذي ينطلق بكامل سرعته لتعويض الوقت الضائع متسببين في حوادث رهيبة. وللوقوف أكثر عند هذه الظاهرة قمنا بزيارة ميدانية إلى أحد مستشفيات العاصمة وبالضبط مستشفى بني مسوس الجامعي، حيث كانت لنا بعض الشهادات للأشخاص الذين وقعوا ضحايا لهذه الحادثة: (ص.نسيمة) 20 سنة تعرضت لحادث مرور وهي بالقرب من محطة المسافرين في الطريق الرابط بين شوفالي ودالي ابراهيم عندما حاولت قطع الطريق، لكن السيارة كانت متجهة بسرعة فائقة ولم يستطع السائق التحكم فيها فوقع ما وقع وهي الآن تعيش التغيير الجذري في حياتها بسبب تحولها من فتاة طبيعية تنعم بالصحة الكاملة إلى فتاة معاقة حركيا على مستوى الرجلين وملازمة لهذا الكرسي المتحرك الذي سيرافقها طوال حياتها جراء تهور السائقين وعدم تحليهم بروح المسؤولية بسبب السرعة المفرطة ومخالفتهم لقوانين المرور. وجوب تكثيف حملات التحسيس والتوعية وفي الآونة الأخيرة لاحظنا بقوة ارتفاع حصيلة الأرقام من جراء حوادث المرور، لهذا هذه الوضعية، يبدو مستعجلا، حسب رأينا إعادة بعث مفهوم الأمن العمومي وتظافر جهود كل الجهات، ومن هنا أيضا كان علينا إبراز الدور الفعال الذي يلعبه جهاز الأمن لضمان سلامة وأمن المواطن وتحمل المسؤولية والمساهمة في حماية الأشخاص باعتباره همزة وصل مهمة في الدور الوقائي، ويظهر ذلك من خلال السهر على تطبيق قوانين المرور وردع المخالفين، ويتجلى ذلك من خلال تكثيف الدوريات في الأماكن الرئيسية التي تكثر فيها حركة المرور كالمناطق التي تحتوي على تجمعات سكانية كبيرة وبعض المنعرجات الخطيرة المعروفة بكثرة حوادث المرور وتقوم بإعداد تقارير حول النقاط السوداء والأماكن التي تغيب فيها الإنارة العمومية أو إشارات المرور وتسليمها للمصالح المختصة من أجل معالجتها، كما يساعد الانتشار الكبير لفرق مراقبة الطرق في حصد رخص السياقة من الأشخاص المخالفين لقوانين المرور وإجبارهم على الخضوع للقانون واحترامه. وفي هذا الصدد قمنا بالتقرب من الأجهزة الأمنية للتحدث عن الدور الذي يقوم به وعن الوضع القائم في مجال حوادث المرور في الجزائر، حيث قدم لنا محافظ الشرطة (ب.ح) بالمديرية العامة للأمن الوطني بعض الشروحات عن ذلك، حيث استطاع أن يوضح ويبرز لنا الدور الفعال الذي يلعبه جهاز الأمن، إذ لم يكتف بالدور الردعي وإنما ساهم في تفعيل العمل الوقائي عن طريق إقامة حملات إعلامية تحسسية عبر الدعامات الإشهارية لتوعية السائقين بالأخطار وكيفية الاحتياط منها بواسطة رجال الأمن المختصين من خلال مشاركتهم في الحصص الإذاعية والتلفزية التي تهدف إلى ترسيخ الثقافة المرورية نظرا للارتفاع المخيف في الأرقام زيادة في عدد القتلى والمعاقين من جراء هذه الحوادث، هاته الإعاقة الجسدية التي سيعيش أصحابها في دوامة العزلة والمعاناة النفسية والصعوبات التي يتلقاها من أجل الحصول على حقوقه والتعويضات أو حتى الأطراف الاصطناعية والكراسي المتحركة. وقد تساءلنا عن الحل الأنسب للتقليل من حوادث المرور، فكان حسب محافظ الشرطة الذي اعتبر أن تلك الآليات المنتهجة والتي تم توضيحها من قبله سابقا لم تعد تؤدي دورها أمام تنامي المسؤولية البشرية، لذا كان لا بد من رفع العمل الوقائي من أجل التقليص من عدد حوادث المرور والوقوف في وجه المتسببين فيها بانتهاج سياسة صارمة وذلك من خلال إعادة النظر في قانون المرور، وتغيير نظم تحصيل الغرامات وذلك برفع الغرامات المالية ضد مرتكبي المخالفات وتشديد العقوبات المطبقة على مرتكبي الحوادث المميتة مثل السحب النهائي لرخصة السياقة وهذا أقل عقوبة ممكنة، ومن بين الوسائل المساعدة أيضا للوصول إلى هؤلاء المتهورين هو الاستعمال المكثف لأجهزة الرادارات والرفع من عددها لمراقبة التجاوزات في الطرق وعبر كامل التراب الوطني لأن وجود الرادار يعد رادعا نفسيا للسائق يجبره على احترام قانون المرور، في انتظار تطبيق قانون رخصة السياقة بالنقاط الذي سيطبق لاحقا. ضرورة تربية الأجيال الجديدة على الثقافة المرورية ولهذا فإن العمل المستقبلي في السياسة الوقائية يوجب علينا تربية جيل جديد على السلامة المرورية أساسها الوعي بالمخاطر واحترام القانون وردع الجيل الحالي لتفادي الكوارث لأن الردع في حد ذاته شكل من أشكال الوقاية، لهذا لاحضنا وجود حالات إنجاز ملفات المتابعة لغرض التعليق أو الإلغاء لأن القانون في مثل هذه الحالات يعتبر سيد الموقف لإعطاء كل ذي حق حقه. قوانين صارمة وللإلمام أكثر بالموضوع فضلنا التكلم مع أهل الاختصاص، السيدة منصور يسمينة مستشارة لدى المجلس قدمت لنا أهم الشروحات فيما يخص العقوبات والجنح التي تقع على الشخص المتسبب في حادث المرور باعتبار أن القانون يسعى دائما لحماية أمن المواطن والحفاظ على حياته، فقد كان لا بد من فرض بعض القوانين وتعديلها حسب الظروف والأوقات وهذا لصالح المواطن بالدرجة الأولى، أما فيما يخص العقوبات المفروضة على الشخص المتسبب في حادث المرور فهي نوعان ترواحت بين القواعد الخاصة في قانون العقوبات، والقواعد العامة الموجودة في القانون المدني، أما القواعد الخاصة من قانون العقوبات تجسدت في المادة 288 عند حدوث حادث مرور الذي يؤدي إلى الموت هنا العقوبة حسب ما تنص عليه المادة تتراوح مابين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات سجنا، زائد غرامة مالية قدرت قيمتها من 1000إلى 2000دج سواء بسبب السرعة المفرطة أوعدم احترام قوانين المرور، في هذه الحالة تتوظف على صاحبها كجنحة لأن نتيجة الحادث كانت الموت. وهناك المادة289 من هذا القانون والتي تنص أنه في حالة حدوث خطأ يؤدي إلى إحداث عجز كلي إذا كان التشخيص من طبيب مختص ومدة العجز ثلاثة أشهر مرفوقة باثبات شهادة طبية هنا تتوظف على أنها جنحة ويترتب على أصحابها من شهرين إلى عامين سجنا زائد غرامة مالية قدرت ب 5000 إلى 1500دج لتأتي المادة 290للجمع بين العقوبة الموجودة في المواد السابق ذكرها، عندما يكون المتسبب في حادث المرور في حالة سكر إضافة إلى إقدامه على الهروب هنا يتم تشديد العقوبة فيكون أكبر مقارنة بالحالات السابقة. أما النوع الثاني من القانون تجسد في القواعد العامة الموجودة في القانون المدني في أن الضحية الشخص هو المسؤول على وقوع الحادث، فهنا المسؤولية نوعان حسب القانون المدني تمثلت في المسؤولية الشخصية التي تتعلق بالسائق حسب ما نصت عليه المادة 124من القانون المدني في تحديد المسؤولية لابد أن تكون علاقة بين المتسبب في الحادث والنتيجة المتحصل عليها، أي وجود علاقة مباشرة بينهما فالكل يكون له دخل وتقع عليه المسؤولية. كما نجد نوعا آخر وهو مسؤولية الغير فهنا قد يكون السائق ضحية للحادث وليس الشخص المصاب بالحادث، أي أن السائق ليس المسؤول إنما العكس حسب ما نصت عليه المادة 134 من المسؤولية المدنية من القانون المدني فإن القانون يبرأ السائق ولايوقع به أي مسؤولية، بينما الشخص المصاب هو الذي يفرض عليه القانون تقديم تعويض عوض السائق كمسؤولية تقع على عاتقه. ونظرا لعدالة هذا القانون فقد كان للمشاة نصيب من العقوبات والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم في حالة مخالفتهم لقوانين المرور، ويبقى التشديد في العقوبات والغرامات المالية المفروضة تخدم مصلحة الجميع في سبيل تعميم السلامة والأمان لكل من السائقين والمشاة للحفاظ على الأرواح البشرية التي أصبحت بمثابة وجبة دسمة تقدم في أطباق من حديد المركبات على حافة الطرقات في كل الأوقات. ومن هنا توصلنا إلى أن حوادث المرور، أو ما يعرف بإرهاب الطرقات أو الإرهاب الصامت ومهما تعددت التسميات فإنها تعد حالة مستعجلة تتطلب تضافر الجهود وتستدعي عودة الوعي للضمير الجماعي حتى نستطيع إعادة الاعتبار لمفهوم الوقاية المرورية وهذا بإشراك جميع الأطراف المعنية على رأسهم وزارة النقل التي يلقى على عاتقها التنسيق بين مختلف المصالح والهيئات الولائية المعنية بالعمليات التوعية وللمركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرقات دور لايستهان به في هذه العملية لحماية الأرواح وتحقيق الأمان والسلام للبلاد والعباد.