(تلمسان زينة الفرسان ماها وهواها وتلحيفة نساها ما تنصاب في البلدان)، مقولة مشهورة يتوارثها أهلُ تلمسان جيلاً بعد جيل، بكل فخر واعتزاز، فالطبيعة حبتهم بجمال الموقع، والتاريخ خلدهم بأرقى الحضارات، فكان أهلها، أهل جمال، وأخلاق، وكرم، وثقافة، ككل أهل الجزائر، في تلمسان لا يمكنك أن تسعى خلف الجمال، لأن الجمال محيط بك في كل مكان، في أزقتها، ودروبها، في مساكنها، وحدائقها، في آثارها، في معالمها التاريخية، في عادات وتقاليد سكانها، وفي ابتساماتهم، يمكنك أن تستشعر الماضي الحضاري العريق، يهمس لك في كل زاوية فيها، بل وتستنشقه في نسائم هوائها، وماذا يمكننا القول أكثر، عندما نكون في حضرة مدينة، تسكنها الأصالة، والعراقة، إلا أن نسبح بحمد رب هذا الجمال· 60 مليونا دون احتساب رسوم الصداق لعل أكثر ما يشد الانتباه في تلمسان، ماضيا وحاضرا، هو مخزونها الثري فيما يخص العادات والتقاليد، لاسيما تلك المتعلقة بالمناسبات الاحتفالية المختلفة، وعلى رأسها (الزواج)، ولعل ما يدركه الكثيرون أيضا، هو أن العروس التلمسانية، أغلى عروس في الجزائر، والعرس التلمساني من أفخم وأفخر الأعراس التقليدية في البلاد، تجتمع فيه منذ عقد النية عليه، كافة مظاهر الأبهة والفخامة، ولعل الأمر طبيعي في مدينة كانت على مدار العصور والأزمنة، مدينة للحضارة، والمدنية، وعاصمة للبلاد، ومركز حكامها وسلاطينها، وبالتالي أساس كل المبادلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية، وقد لا نبالغ مطلقا، إذا ما قلنا أن العرس التلمساني يعيد إلى الأذهان جلسات ألف ليلة وليلة، حيث النساء يتقلدن أغلى المجوهرات، ويلبسن أفخر أنواع الحرير، ويجلسن على نفائس الوسائد، وتنثرن تحت أرجلهن النقود والدراهم، مع فرق شاسع طبعا، يكمن في كون النقود المقدمة للعروس التلمسانية حاليا، خارج حساب المهر أو الصداق، تتراوح ما بين 20 إلى 60 مليون سنتيم، وأكثر من ذلك أحيانا، هذا بالإضافة إلى الذهب، الذي لا يجب أن يقل عن طقم ذهب كامل، ويمكننا احتساب قيمة هذا الطقم إن كان أقله يتجاوز ال20 مليون سنتيم، يضاف إليه محزمة الذهب، وأيضا السوار، إلى جانب خاتم (الكلمة)، عند التوجه لرؤية العروس، يليه خاتم (الكمال) لتأكيد النية في الخطبة، وبعدها خاتم آخر خاص بالخطبة، وأخيرا خاتم الزواج أو المحبس الذي يلبسه العريس لعروسه ليلة الحناء أو ليلة (الملاك) مثلما هي معروفة في تلمسان· محاولات لتخفيض المهور ولكن·· حسب الآنسة كانون وسيلة سارة، ابنة المدينة، وإحدى المكلفات بالتنظيم على مستوى اللجنة التنفيذية لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية، فإن هذه العادات لا تزال متوراثة في تلمسان، وإن قلت حاليا بين الأجيال الجديدة، حيث أضحت بعض العائلات تقلل شروطها المادية، وتكتفي إما بالطقم الذهبي، أو بالصداق، في محاولة للتخفيف من التكاليف الباهظة للعرس التلمساني، مؤكدة في هذا الجانب، أن العائلة التلمسانية، تبدأ في تحضير مستلزمات البنت منذ ولادتها، من الذهب والأفرشة، والملابس الخاصة بزواجها· "النعيت" أو خطبة الفتاة في صغرها غالبا ما يكون سن الزواج في تلمسان منخفضا مقارنة بغيره من المدن الجزائرية، فالمجتمع التلمساني يعتبر البنت التي بلغت ال30 سنة، في تعداد العوانس، ولذلك فإن هنالك عادة متوارثة تسمى (النعيت)، حيث أن كل فتاة في تلمسان تقريباً، تخطب منذ صغرها، ويتم وضع اليد عليها، مثلما يقال بين أهالي العاصمة، وغالبا ما تكون الأولوية لأفراد العائلة من أبناء العم أو الخال، إلا أن المجتمع صار يتساهل الآن مع مسألة زواج التلمسانيات من غير أبناء المدينة، وتضيف (وسيلة) قائلة، إنه في ليلة الملاك أو الحنة، يحضر أهل العريس حاملين معهم الحلوى والهدايا، وأيضا السوار الذهبي الذي يجب أن تلبسه أخت العريس للعروس، ثم بعدها تكون ليلة الاحتفال بالزفاف، في بيت العروس، المسماة ب(الوشي) حيث تقوم العروس بدعوة أقاربها وصديقاتها، ويتم الاحتفال بها، وفي ذلك اليوم أيضا ترسل العروس جهازها إلى منزل زوجها، وهو ما يسمى (الفرش)، تقوم بنقله أقرب المقربات من العائلة، شريكة أن يكن متزوجات حديثات، حيث لا يسمح للعازبات بالذهاب· 12 بطانية··20 وسادة و3 صالونات فخمة تؤكد وسيلة أن كافة المصاريف تتعلق بهذا الجانب، حيث على كل عروس تلمسانية، أن تأخذ معها (القطينات)، أو البطانيات، ويبلغ عددها 12 قطعة، إضافة إلى 20 وسادة، و3 صالونات بكل مستلزماتها من أغطية الموائد وغيرها، وكذا 4 أطقم أغطية فراش فخمة، المعروفة محليا باسم (كوفرولي)، إضافة إلى مطارح صوف، لا يقل عددها عن 6، مع كافة لواحقها كذلك، ويعتبر هذا الفرش من الأشياء الهامة، التي لا يمكن الاستغناء عنها من طرف أي عروس تلمسانية، أما في ليلة العرس، فيتم تحضير العروس بإلباسها اللباس التقليدي الفخم المتمثل في القفطان، بكل إكسسواراته وحليه الفخمة، لكن دون تحزيم العروس، لأن ذلك يكون في اليوم السابع للعرس فقط، حيث تحيط بها صديقاتها وقريباتها المتزوجات حديثا بلباسهن التقليدي أيضا، ويقمن على خدمتها وجليها، واستقبالها، عند خروجها وعند دخولها إلى منزل زوجها، شريطة أن يكن سبع عرائس أيضا، يضفين من جمالهن على جمالها، وفي دار العريس، يدعى كل الشباب من الأصحاب والأحباب للغداء معه ثم يصطحبونه للحمّام التقليدي وبعد ذلك يأتي بالحلاق إلى المنزل للاعتناء بهندامه، وقبل غروب الشمس، تزف العروس إلى بيت زوجها مع مجموعة من قريباتها، مرتدية القفطان التقليدي التلمساني والحايك أو (الكساء)، ويستقبل أهل العريس العروس في جو بهيج من الطبل وأهازيج الفقيرات، اللواتي تم استبدالهن حاليا بفرق الدي جي حسب وسيلة، إلى ساعات متأخرة· صينية العكر ومن العادات الجميلة التي لا تزال متوارثة عند وصول العروس إلى منزل زوجها، هو إجلاسها فوق الكرسي، ثم يؤتى بعدها بصينية دائرية تسمى صينية العكر متكونة من حذاء ذهبي تقليدي، قارورة عطر، مرآة، وعلبة من المساحيق ومغطاة بوشاح من الحرير يسمى (عبروق)، يستعمل لتغطية الوجه حيث توضح دائرتان على وجه العروس بأحمر الشفاه وتنقط بكريم أبيض حتى وصول زوجها، الذي يأتي على حصان مرتديا الرداء الأبيض التقليدي أو البرنوس، حيث تستقبله والدته، وتقبله، وتلبسه (المسكية) وهي نوع من الحلي الذهبية المعروفة، ومن الأشياء الهامة أيضا أن العروس في تلمسان لا تكتفي بعشرة أثواب أو حتى عشرين، بل إنها تحمل معها ما لا يجب أن يقل عن عشرين بدعية، أو جبة، إضافة إلى غيرها من قطع الملابس، الخاصة بالخروج، وبالمنزل، لفصل الشتاء والصيف والربيع وغيرها، وفي اليوم السابع، تلبس العروس القفطان التقليدي، ولكن هذه المرة مزودا بملحقاته، وهي الحزام، الفوطة، ومنديل الفتول رمزا لمركزها الجديد كامرأة متزوجة، ودليلا على أنها قد (تهنات) أخيرا، وهو اليوم الذي تخرج فيه إلى الحمام كذلك، الذي يعتبر خروجها الأول من منزل زوجها، ثم تبدأ بعدها سلسلة الدعوات سواء للغداء أو العشاء التي توجه للعروسين من كل فرد في الأسرة فيما يسمى ب(الطيافة)، فيما تجدر الإشارة إلى أنه وطيلة مراسيم الزفاف، التي تبدأ بمنزل العروس، وتنتهي بمنزل زوجها، تحرص العائلتان على تقديم أشهى وألذ الأطباق التقليدية لضيوفها، المتمثلة في الحريرة، البوراك، الموالح المختلفة، السلطات، أطباق اللحم و الحلو، وغير ذلك· على الرغم من جمال العادات والتقاليد الخاصة بالزواج في تلمسان التي تعيدنا إلى ليالي الأفراح العربية الأسطورية، إلا أن غلاء وارتفاع تكاليف الزواج في تلمسان بالذات، دفع العديد من شبانها، لاسيما من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلى العزوف عن الزواج، ما يرفع معدلات العنوسة بالمقابل، إذ تؤكد بعض الأصداء أنها تتجاوز ال60 بالمائة بين بنات المنطقة، وتقول إحدى السيدات في هذا الإطار، إن هنالك بعض الشبان للأسف بلغوا سن الخمسين دون أن يكملوا نصف دينهم بسبب غلاء تكاليف الزواج، مؤكدة أن الكثير من العادات والتقاليد والأعراف قد زالت، ويجب البحث عن الأسس التي يمكن من خلالها بناء أسرة متينة ومتماسكة، مادام أن السعادة لا تشترى بالمال، مهما ارتفعت قيمته، كما أن كافة المجوهرات، والألبسة التقليدية التلمسانية الفخمة، مهما بلغت روعتها، ستكون حبيسة الخزانة، وبالتالي فمن غير المعقول إضاعة مبالغ مالية خيالية في أمور لا تخدم مصلحة العروسين·