انتشرت في السنين الأخيرة، بشكل ملفت للانتباه، ظاهرة متابعة الأطفال للتلفزيون بشكل كبير، حيث أصبح الأنيس الوحيد لهم، عبر مختلف مراحلهم العمرية، ففي الماضي لم يكن الطفل يشاهد هذا الجهاز إلا نادرا، أو في وقت عرض الرسوم المتحركة فقط، لكن اليوم أصبح التلفزيون أهم وسيلة لتمضية الوقت، خصوصا وأن بعض الأولياء قاموا باستغلال حب أطفالهم لبرامج التلفزيون لصالحهم، حيث أنهم وجدوا فيه الحل الوحيد والأنسب لتحركات أطفالهم المزعجة، وأكثر الأولياء انتهاجا لهذه السياسة الجديدة هي الأم، التي وجدت في التلفزيون وسيلة لإلهاء أطفالها الذين لا يتوقفون عن الحركة· غير أن العديد من الأمهات لا يعلمن مدى خطورة البقاء لفترات طويلة أمام التلفزيون، سواء من الناحية الجسمية، أو النفسية والسلوكية، فمن الناحية الجسمية مثلا، فإنه يؤثر على حاسة النظر بشكل كبير، ومن الناحية النفسية والسلوكية ونظرا لخطورة ما يشاهدونه من برامج، فإن ذلك يؤثر سلبا على تصرفاتهم وأفعالهم· إن هذه التصرفات الطائشة اللامسؤولة، التي يقوم بها بعض الآباء والأمهات، أصبحت تنعكس سلبا على عدد كبير من الأطفال، الذين صاروا بمثابة جهاز يستقبل كل ما يأتيه من العالم الخارجي، دون أن تتم مراقبته أو غربلته، لأن وضع الأطفال أمام أجهزة التلفزيون لساعات طويلة، سيعجل في اكتساب الطفل لكل ما يشاهده من برامج، خصوصا إذا ما تم تركه على حريته لمشاهدة ما يرغب فيه، في ظل التطور التكنولوجي الراهن، الذي سمح بظهور العديد من القنوات الفضائية الجديدة، والتي تتفنن بدورها في عرض مختلف البرامج التلفزيونية الخاصة بالكبار والصغار، لذا فأطفالنا اليوم أصبحوا مهددين بالغزو الثقافي والفكري الأجنبي، من خلال التأثير السلبي الذي تمارسه هذه القنوات على مختلف مكتسبات الطفل، لأن مشاهدتهم المكثفة واليومية لتلك البرامج، تعودهم على اكتساب عادات وتقاليد غريبة عن مجتمعنا الجزائري، كما سيأخذون أفكارا غريبة عن أخلاقهم ومبادئهم· ومن أجل معرفة الأسباب التي أدت إلى استفحال هذه الظاهرة، في أوساط العائلات الجزائرية، تحدثنا مع بعض الأولياء الذين قالوا بأنهم وجدوا في التلفزيون الحل الأنسب للتخلص من تحركات أطفالهم المزعجة، وعليه تقول السيدة مريم أم لطفلين، لا يتجاوزان الست سنوات، بأنهما كثيرا التحركات، خاصة الطفل الذي تعتبره المثير الأول للمشاكل، وفي كل مرة يلتقي مع أخته، تبدأ المشاحنات والشجارات التي لا تنتهي، لتضيف أنها عانت كثيرا معهما، إلى أن اكتشفت حبهما لمشاهدة التلفزيون، ومنذ ذالك اليوم وهي تعتمد عليه من أجل فض نزاعاتهما، خصوصا عند عودة ابنها من المدرسة· نفس الرأي تماما، وافقتها عليه إحدى السيدات، إذ تقول بأنها أم لطفل في الرابعة من العمر، وهي تعمل خارجا بدوام كامل، وعند عودتها إلى البيت تجد أشغالا أخرى في انتظارها، على غرار أشغال البيت والطبخ، إلا أن طفلها المشاغب لا يتركها تعمل بهدوء، وهو ما جعلها توجه اهتمامه إلى التلفاز، خصوصا بعد أن نصحتها إحدى قريباتها بالقنوات الخاصة بالأطفال، خاصة قناة (طيور الجنة) صاحبة المفعول السحري على الأطفال، فمثل هذه القنوات، تجذب انتباههم نحو البرامج والأغاني المصورة التي تعرضها يوميا، ويكون أبطالها أطفالا مثلهم، وعليه أصبح طفلها يقضي ساعات طويلة أمام التلفاز، تمكنها من قضاء أعمالها في هدوء تام· ولعل الكثير من الأولياء يجهلون خطورة الوضع، ويجهلون أيضا النتائج المترتبة عن إفراط أبنائهم في مشاهدة التلفزيون، فهناك الكثير من الأطفال، ممن يتعلقون بمضمون تلك البرامج، لكن دون التأثر بها، في حين هناك من يصل بهم الأمر إلى تقليد ما يفعله أبطال تلك البرامج على أرض الواقع، غير مدركين للعواقب الوخيمة التي سيتعرضون لها، وكثيرة هي الحوادث التي كان ضحاياها أطفال صغار، لم يفعلوا شيئا سوى ترجمة ما شاهدوه لمدة طويلة على أرض الواقع·