صورة طفل رضيع أمام شاشة عملاقة تصور ما يستحيل أن يفهمه او يتفاعل معه، هو مشهد يتكرر في بيوتنا يوميا بعدما أصبحت بعض الأمهات تستعين بهذا الجهاز من أجل شغل أبنائها في الوقت الذي تمارس فيه أشغال أخرى، وذلك في الوقت الذي تحذّر فيه آخر الدراسات من خطورة مشاهدة الأطفال للتلفاز، خاصة إذا تعلّق الأمر بمن هم دون سن الدّراسة. انتشر في السنوات الأخيرة كم هائل من القنوات المخصصة للأطفال، كمّ ضاع معه الكيف، وضاعت معه عيون أطفالنا واختلفت سلوكيات البعض، في الوقت الذي يتكل الكثير من الآباء والأمهات على هذه القنوات لتهدئة الأطفال وشغلهم لينعموا ببعض الهدوء، ولا يعلمون أن بعض هذه القنوات ليست أمينة على أبصار ومسامع وعقول أطفالهم. ثقة عمياء في القنوات المتخصصة اختلفت كثيرا طريقة بعض الأهل في تربية أبنائهم، حيث أصبحوا لا يعرفون عنهم إلا “اذهب إلى المدرسة” أو “العب في الخارج” أو “تناول الغداء والعشاء” وأخيراً “اذهب للنوم”، وكأن تربية الأطفال مقتصرة على عدة أوامر وبعض الواجبات، وآخر ما توصلوا إليه هي عبارة “شاهد التلفزة “حتى تخلّص نفسها من الصداع نهائيا. هو حال السيدة نبيلة التي تقول في هذا السياق “هناك العديد من القنوات المخصصة للأطفال وبطبيعة الحال ستكون مناسبة لهم وتمكّنهم من تلقي مختلف الآداب والعلوم، فهي وجدت من أجل ذلك”. وفي سياق متصل، تضيف السيدة ياسمين.ب، معلمة في الطور الابتدائي أن بعض القنوات المخصصة للأطفال للأسف لا تعرف سوى الشكل العام، رسوم متحركة وأفلام متحررة من كل أشكال الرقابة، إلا أن من يعمل بضمير لا يحتاج إلى رقابة لأن إتقانه لعمله يجعله يرفض أي تسيب مهني أو أخلاقي. وكونها موجهة للأطفال، فإن الأمهات يضعن جل ثقتهن في هذه المنابر التي توجّه مادة خالصة لأبنائهم، ووفقا لوجهة نظرهن فهي لا تحتاج إلى مراقبة أو متابعة، من منطلق أن هذه رسوم متحركة إذا هي للطفل ويكتفي بعض القائمين على هذه القنوات بذلك دون التوغل في محتوى المادة. كما يستسهل البعض التعامل مع الأطفال “مجرد أطفال أو عيال” وهذا ما تفعله بعض القنوات لا تهتم بمحتوى المادة المقدمة فتجد العبثية في التقديم وعدم تحديد الفئة العمرية المستهدفة “قناة للصغار” مراهقين وأطفال. “قنابل موقوتة” على شاشة التلفزيون من جهة أخرى، نجد أن الكثير من الأمهات ونزولا عند رغبة أبنائهن يسمحن لهم بتمضية أوقات طويلة أمام شاشات التلفاز دون أدنى محاولة منهن لمعرفة مضمون البرامج التي يفضّلها الأبناء، ليتفاجأن فيما بعد بمضامين مخيفة. هذا ما حدث مع السيدة زوليخة التي جالست ابنها لوهلة وهو منهمك في متابعة التلفزيون، لتجد كما هائلا من العنف والحركات الخطيرة التي فسّرت لها السلوكيات العدوانية التي تبدر عن ابنها في الفترة الأخيرة، لتضع كل الحق فيما بعد على القنوات الفضائية المخصصة للأطفال. نفس الأمر حدث مع الكثير من الأمهات اللاتي لم يتقبّلن تحمّل مسؤولية ما وقعن فيه من خطإ فادح بتحرير الأطفال كليا أمام شاشات التلفزيون. مشاهدة التلفزيون تصيب الأطفال دون سن الدراسة بنقص الانتباه في سياق متصل، كشفت دراسة أن الأطفال الصغار جداً والذين يشاهدون التلفزيون يواجهون احتمالاً متزايداً للإصابة بمشاكل نقص الانتباه مع بلوغهم سن التمدرس، ما يوحي بأن التلفزيون يهدد الدماغ ويعيد “تسليكه” بشكل دائم. وتعزّز هذه الاستنتاجات أبحاثاً سابقة أظهرت أن التلفزيون يقصّر أمد الانتباه، ويؤيد توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بعدم السماح للأطفال دون سن الثانية من مشاهدة التلفزيون. وطبقاً للأبحاث فقد أوصت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بمنع الأطفال من مشاهدة التليزيون، فطفل السنتين فما أقل لا يشاهد التلفزيون البتّة، والطفل الأكبر سناً لا يمضي أكثر من ساعتين يومياً أمام شاشات التلفزيون والكمبيوتر واللعب الإلكترونية. هذة التوصية لمسنا من خلال استطلاعنا أنها يكاد يكون منعدما تطبيقها في مجتمعنا. المختصون ينصحون بالمتابعة والحذر ومن أجل تفادي هذه الانعكاسات السلبية على نفسية الطفل، ينصح الأخصائيون النفسانيون الآباء بالتعامل مع مشاهدة أبنائهم للتلفزيون بطريقة حذرة، بحيث يستطيع الطفل الحصول على الإيجابيات العديدة التي يقدمها التلفزيون للأطفال وفي الوقت ذاته يتقي الأب أو الأم تعرّض طفلهما لسلبيات هذا الجهاز. ويضيفون أنه يجب على الآباء اختيار البرامج التي يشاهدها الطفل بعناية مع تحديد عدد ساعات معينة يسمح للطفل أثناءها مشاهدة التلفزيون، ومراقبة الطفل عند مشاهدته للتلفزيون مع مناقشته في كل ما يشاهده، ناهيك عن التقرب للطفل ومحاولة التعرف على طريقة تفكيره وتشجيعه على قراءة القصص والكتب المختلفة من خلال القراءة له باستمرار من سن مبكر، وكذا حثه على تربية الحيوانات الأليفة والاعتناء بها، بحيث لا تصبح مشاهدة التلفزيون هي وسيلة الترفيه الوحيدة أمام الطفل.