تلاميذ يواجهون الامتحانات بالهروب وقتل أنفسهم كابوس الانتحار يخيّم على المدارس! * مختصّون يحذّرون من الضغط قبيل الامتحانات اقتربت الامتحانات النّهائية لمختلف المستويات الدراسبة ليكثر معها الحديث عن النّجاح والفشل، ويصبح الموضوع مستهلكا من طرف وسائل الإعلام ويزيد معها اهتمام وتوتّر الأمّهات، لتستيقظ فيها رغبات الآباء في تفوّق أبنائهم كما تزدهر تجارة الحوليات والكتب الخارجية والمنبّهات والمقوّيات، وتكثّف الدروس الخصوصية نظرا لإضرابات الأساتذة. ووسط مصيرية الامتحان ومقولة (يكرم المرء أو يهان) يعيش التلميذ والطالب ضغوطات رهيبة وارتباكا وتوتّرا شديدين، محاولا رفع عداد المراجعة والتحضيرات من أجل إرضاء المحيطين به ممّن يترقّبون نجاحه، في الوقت الذي لا يحسّون هم فيه بما يعيشه من ضغوطات نفسية يحذّر منها المختصّون النّفسانيون لما لها من أثار كبيرة ونتائج كارثية على الطالب قد تصل إلى الانتحار· انتحار 27 تلميذا·· خوفا من الرّسوب بدأ انتحار المتمدرسين من الأطفال والمراهقين يشكّل ظاهرة اجتماعية، خاصّة مع اقتراب الامتحانات النّهائية، إذ أحصت مصالح الدرك الوطني 27 حالة انتحار عقب الإعلان عن نتائج الفصل الدراسي الثاني، كما شهدت ولاية سوق أهراس وحدها 6 حالات انتحار السنة الماضية بسبب الفشل في الدراسة، كما أقدم تلميذ في الصفّ الثالث بثانوية (شميريك) بولاية غليزان بالجزائر المدعو (ز·ي) 19 سنة، على الانتحار نتيجة حصوله على علامات غير جيّدة في هذا الفصل· وهذه قصّة تلميذ بالسنة الرّابعة ابتدائي لا يتعدّى عمره 11 سنة، وسط مدينة عين مليلة بولاية أمّ البواقي، يشنق نفسه في حادثة انتحار فريدة من نوعها عندما عثر عليه مشنوقا داخل غرفة النّوم بواسطة خمار بعد ربطه بمقبض النّافذة، تاركا وراءه العديد من التساؤلات حول خلفيات فعلته التي جرّدت الطفولة من براءتها· 15 لفظوا أنفاسهم انتحارا منذ بداية العام الجاري، 5 حالات منها سجّلت بولاية تيزي وزو آخرها كانت ثلاث حالات انتحار سجّلت في 24 ساعة عندما أقدم أطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و13 سنة، يقطنون في مختلف مناطق الولاية على وضع حدّ لحياتهم شنقا· 4 حالات أخرى سجّلت بولاية باتنة، إحداها لتلميذة أقدمت على تناول كمّية كبيرة من الأدوية قصد وضع حدّ لحياتها لأسباب مجهولة، وأخرى لطفل بلغ 12 سنة يدرس في الطور الابتدائي عُثر على جثّته هامدة بمحاذاة منزله الكائن بوسط مدينة الشمرة بباتنة· وهي ذات الطريقة التي اختارها (ج.ع.ن) البالغ من العمر 13 سنة، والذي انتحر شنقا داخل متوسطة (زمّورة) بولاية البرج، وعايشت ولاية معسكر ذات السيناريو عند انتحار تلميذ لا يتعدّى سنّه 13 عاما بعد أن شنق نفسه عن طريق حبل لفّه حول عنقه وربطه في سقف شرفة بيت عائلته بإحدى العمارات، في حين اختار (وليد) من ولاية تيارت حرق جسده داخل ثانويته عندما سكب مادة (الديليون) وأضرم النّار. وإن تعدّدت أسباب الانتحار فإن أغلب هذه القصص حدثت بسبب الضغوطات النّفسية من الأسرة والمدرسة على التلاميذ· أولياء وأساتذة يدفعون التلاميذ إلى الانتحار في هذا الصدد حاولنا الاقتراب من الأولياء والأساتذة قصد الوصول إلى أهمّ الأسباب التي تدفع بهم إلى ممارسة هذا الضغط النّفسي على المترشّحين الذي تعرّفه الأستاذة (ربوح) أستاذة علوم التربية بالمدرسة العليا للأساتذة بوزريعة بالعاصمة، بأنه حالة من الضيق يعيشها الطالب نتيجة لإحساسه بوجود عوامل مؤثّرة عليه، ممّا يؤدّي إلى ارتباكه وعدم شعوره بالرّاحة النّفسية التي يحتاجها كثيرا في هذه الفترة من حياته الدراسية، الأمر الذي أكّده لنا بعض التلاميذ والطلبة ممّن كان لنا حديث معهم. إذ قال (أمير) مترشّح لشهادة التعليم المتوسط إنه يشعر بعدم الرّاحة ويحسّ بأن الكلّ يراقبونه وينتظرون نجاحه، الأمر الذي يشعره بالقلق والتوتّر فلا يستطيع التركيز في المراجعة، ويضيف أن أكثر ما يربكه توتّر أمّه التي تطالبه بنتائج ممتازة في الامتحان. فالضغط النّفسي التي تمارسه الأسرة بشكل كبير على أبنائها من خلال فرض رقابة على التلميذ وجعله يشعر بأن الامتحانات هي شبح يجب أن نخاف منه ونعدّ له كلّ العدّة، إضافة إلى تصوير المدرسة على أنها سجن يجب الخروج منه بالنّجاح في البكالوريا أو في الشهادات الأخرى كما تقول الأستاذة (ربوح) التي تضيف أن أسوأ ما يحصل للتلميذ من طرف الأمّ هو ربط النّجاح في الامتحان بالحبّ، فهو بمثابة الكارثة العاطفية للطفل أو المراهق، الأمر الذي صارحتنا به (هناء) تلميذة في الصفّ الإبتدائي، إذ أفصحت لنا أن والدتها تقول لها: (لوكان ما تقرايش مليح ما نحبّكش)· وحول موضوعنا، التقينا بسيّدة قرب متوسطة (عمر الآغا) ببوزريعة بالعاصمة، فقالت إنها تنتظر نجاح ابنها في شهادة التعليم المتوسط (البيام) بشغف، فهي تريده أن يشرّفها لأنه بكرها، وفي سؤالنا عن كيفية التعامل معه أجابت بأنها تريده أن ينجح فقط كما فعل أبناء إخوتها وأخواتها فالنّجاح في الدراسة عندها أولوية لأنه سيكتسب مكانة تجتماعية كبيرة كما تقول. وفي هذا الصدد تقول الأستاذة (ربوح) دائما إن من بين أسباب الضغط النّفسي أيضا عدم احترام الفروقات والقدرات الفردية بين التلاميذ والطلبة ليقع الأولياء في فخّ المقارنة بين أبنائهم وأبناء جيرانهم وأقاربهم، الأمر الذي لا يتحمّله الطفل والمراهق خاصّة، فيحاول النّجاح بكلّ الطرق الشرعية واللاّ شرعية من بينها الغشّ الذي تضيف الأستاذة (ربوح) بشأنه أنه أحد أهمّ أسبابه الضغط النّفسي من الأولياء ممّن يبحثون عن النتيجة فقط فيسعى الأبناء إلى ذلك فقط من أجل إرضاء غرور أوليائهم· المسؤولية التي يتحمّلها الأساتذة أيضا من خلال افتقار بعضهم إلى الضمير المهني والطرق البيداغوجية في التدريس، إذ تحمّل سيّدة من بلدية الأبيار بالعاصمة الأساتذة مسؤولية الضغوطات من خلال تفضيل طلبة على آخرين، وكذا بحث الأساتذة على النتيجة فقط دون النّظر إلى الوسيلة، إذ تروي لنا حادثة وقعت لابنة أختها في المدرسة من طرف أستاذ في الثانوية ومع اقتراب البكالوريا قال لها (إنك لن تنجحي في الشهادة) وقال لزميلتها إنها ستنجح بامتياز، لتتساءل السيّدة عن ضمير هذا الأستاذ الذي دفع بالفتاة إلى الإغماء والدخول في حالة من الكآبة· كما يرجع البعض الضغط النّفسي إلى ضغط البرامج التي يمكن تخفيفها، وكذا كثرة الحديث عن عتبة الدروس وتوقّعات الامتحانات وإعطاء الامتحانات الحجم غير الطبيعي لها من خلال الإيحاءات السلبية عن مصيرية الامتحان وتضخيم قيمة النّجاح فيه وأثار الفشل فيه، الأمر الذي قد يدفع بالطالب إلى الضغط على نفسه وتجاوز قدراته من خلال مشروبات الطاقة والمنبّهات، وكذا قلّة النّوم وكثرة السّهر، ممّا يجعله معرّضا للإغماء في أيّ لحظة حتى يوم الامتحان أو يختار الهروب من المشكل إن أحسّ نفسه بعيدا عن المستوى. وتختلف طرق الهروب، فقد تكون انتحارا كما ذكرنا سالفا أو هروبا من البيت أو حتى مقاطعة للامتحان· ولعلّ أهمّ ما يجب أن يدركه الأولياء والأساتذة هو أنهم مسؤولون على أبنائهم وتلاميذهم منذ الصغر، إذ تؤكّد الأستاذة (ربوح) أن المفتاح لكلّ المشاكل التربوية هو الحوار وحثّ الأطفال على الدراسة من أجل الدراسة وطلب العلم لا من أجل العلامات، إضافة إلى حثّ التلاميذ على الدراسة من أجل أنفسهم وتحقيقا لطموحاتهم لا لأحلام وأمنيات أوليائهم، وكذا محاولة التقرّب من الأبناء طيلة العام الدراسي وليس فقط عند موعد الامتحانات حتى لا يشعر الطالب بالتهميش وحتى لا يكثر الضغط عليه مع اقتراب موعد الامتحان، هذا كلّه يحدث باكتساب الأولياء والأمّ خاصّة الثقافة السيكولوجية والعلمية الصحيحة من أجل توجيه أبنائهم توجيها صحيحا·