يعتبر مجال الهندسة المدنية من المجالات الأكثر حساسية في قطاع الأشغال العمومية كونه قاعدة بناء العديد من المشاريع صغيرة كانت أم كبيرة فهل يحظى أصحاب هذا الاختصاص بالأهمية اللازمة مقارنة بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم؟ كان لنا لقاء ببعض المهندسين المدنيين الذين سعوا جاهدين لإسماع صوتهم وانشغالات زملائهم في هذا المجال، حيث ذهب السيد هشام بهلول لوصف حجم الضغوطات التي يتعرضون إليها من بداية تسلم المشروع، المتابعة وحتى نهايته حيث يجب عليهم الإلمام بمختلف الجوانب المتعلقة به، فإغفال أي جانب قد يؤدي إلى كارثة تصل إلى درجة الانهيار، فعندما يقومون بدراسته يأخذون بعين الاعتبار نوعية قطعة الأرض مثلا ومكان تواجدها إن كانت منطقة مائية أو منطقة زلازل أو غيرها، فكل نوع منها يتطلب دراسة عميقة ومختلفة· أما السيد مروان شادلي مهندس في الشراقة فتحدث عن الجانب الآخر الذي يغفل ويتغاضى عنه المواطنون الراغبون في البناء وهو الجانب الاقتصادي الذي يرفع تقنيو الهندسة المدنية شعاره، فهمهم الوحيد والأخير إنجاز المشاريع بصلابة أكبر وتكلفة أقل، فمثلا نجد بعض المشاريع الصغيرة التي تتطلب قاعدة بأعمدة قياس 20 تنجز بقياس 40 وهذا لجهل أصحابها، فقد كان بالإمكان الاقتصاد وتجنب هذه التكاليف الجانبية إن تم استشارة المختصين في ذلك، فقد أجمع هؤلاء على ضرورة منح مساحة أكبر في التعامل معهم، حيث أن إسناد المشاريع للمقاولات من طرف المديريات الولائية والبلدية ومنح التراخيص دائما يقترن باسم المهندس المعماري الذي تقتصر مهامه في رسم المخططات ظاهريا بينما يتحملون هم عبء وثقل تلك المشاريع باختلاف مستوياتها فبالرغم من كبر حجم مسؤولياتهم إلا أنهم يتعرضون لتهميش وإحجاف كبيرين، فحتى لو أخذوا على عاتقهم إنجازها بشكل كامل إلا أن مشاريعهم لا ترى النور إلا بمصادقة واعتماد من قبل المهندس المعماري الذي يأخذ حصة الأسد في تعاملات مجال الأشغال العمومية والبناء، هذا ما أثر على عقلية المواطن، ففكرته السائدة تتمثل في الاعتماد على المعماري دون المدني بشكل رئيسي ما ينتج عنه حدوث اختلالات وعيوب على مستوى الإنجاز، فهذه النظرة تحصرهم في زاوية ضيقة تحد من أفكارهم وإبداعاتهم التي من شأنها إحداث انتعاش في مجال العقار والسكن الذي يبقى من أكبر الهموم التي تختلج في صدور المواطنين، فهل سيجد هؤلاء جهات تنصف مجهوداتهم المبذولة في سبيل الدفع بمجال يعد من ركائز البنى التحتية التي تعد من معايير تقدم البلديات وتطورها؟ أملا في انتقال عدوى الإصلاحات من مجال التربية، الاتصالات وغيرها إلى المقاولات يبقى المهندسون المدنيون ينتظرون التفاتة جادة من المسؤولين لتغيير واقعهم بإطلاق مشاريع تحمل أسماءهم الخاصة·