أصبح الشارع الحضن الوحيد لأطفال لفضتهم الحياة فاحتضنهم الضياع والتشرد بأنيابه بلا ذنب لأنهم لم يقترفوا أي جرم لكنهم للأسف أبناء أناس بلا مسؤولية ولا ضمير أخطأو فلوثوا براءة أبنائهم وحطموا شخصياتهم وجعلوهم لقمة سائغة تتلقفها ألسنة الانحراف· رغم أنه لم يقترف أي خطأ إلا أنه مخطئ في نظر المجتمع· نظرة المجتمع القاسية هي التي دفعته للتمرد على هذا المجتمع الذي حمّله ما لا ذنب له، فتحي الذي حدثنا عنه أحد التجار بالعاصمة خلال لقائنا به قال لنا إنه ضحية سوء أخلاق أمه لم يستطع أن يتحمل كلام الناس عن أمه التي أخذت تصرفاتها بالتغير نحو الأسوأ بعد طلاقها لتصبح غير مبالية تماما، ما جعل سمعتها سيئة بين جيرانها بسبب كثرة سهراتها، ورغم محاولاته لم يتمكن من إيقافها ونصحها بالعدول عن تصرفاتها المشينة الأمر الذي حتم عليه البحث عن طريقة للهروب من كلام الناس ونظراتهم وهي التي تقلل من رجولته·· خرج إلى الشارع وتعلم كيف ينسى، كانت كل الطرق تؤدي إلى الإدمان والانحراف يقول كل ما يمكن أن ينسيني جربته، جربت الموت والحياة والنسيان والتذكر لكنني لم أنس أمي، ظلمت نفسها وظلمتني لكن المجتمع القاسي لم يطلق علي رصاصة الرحمة بل يجلدني كل يوم بحقيقة أمي وها أنا بلا هدف في الحياة، لا دراسة ولا عمل ولا مستقبل، أصبحت أكره النساء ولا يمكن أن ارتبط بأية امرأة لأنها تشبه أمي· أما محمد رفيق فيقول إنه تجرع كؤوس المرارة والقهر مع زوج أم وزوجة أب، حرم من العيش الكريم ومن التواصل مع إخوته، منبوذ من الجميع لأنه نتيجة خطأ فقد تزوجت أمه من أبيه لأنها كانت حاملا منه وانكشف الأمر ليتم الزواج الاضطراري وحين ولد تم الطلاق بعد شهرين فقط ويعيش محمد رفيق حياة بلا معنى، يقول والدي أخطأ حين حملت أمي بي وأخطأ حين تم الطلاق، فأنا ضحيتهما أمي تزوجت وأبي كذلك وعشت أنا مشتتا ينظر إليّ الناس على أنني ابن زنا وجدتي التي ربتني جرعتني السموم ودفعتني الثمن غالي بمعاملتها القاسية، وفي المدرسة الكل كان ينتظر أي خطأ مني حتى يعايرني بحقيقتي، تركت الدراسة لهذا السبب وتوجهت إلى الشارع ودخلت السجن مرتين والسبب أن المجتمع لم يرحمني فما ذنبي فيما اقترفه والدي ولماذا كل الكراهية والاحتقار، أنا أنتقم من المجتمع الذي حطمني ولم يكن سهلا على محمد رفيق أن يبكي رغم الدموع التي رأيناها ولحظتها شعرنا بمدى الألم والجرح الغائر الذي كان يمزق كيانه والذي ظهر جليا من خلال ملامحه وقسمات وجهه، توجهنا إلى الأستاذ (رضا· ب) وهو مختص نفساني فقال لنا لا يمكن للأخطاء أن تورث لأنها حالات اجتماعية وليدة الظروف عادة، فرغم أن الوالد مدمن الابن يكون صالحا وهي حالات نعيشها يوميا لأبناء محترمين وفي قمة النجاح مقارنة بآبائهم وأمهاتهم وهناك من لم يقس عليهم المجتمع فكانوا في قمة النجاح والعطاء· وبعيدا عن الحديث عن مدى صحة الاعتقاد الذي يؤكد أن أخطاء الآباء يتوارثها الأبناء والذي لا يمكن الأخذ به على العموم قد نجد أشخاصا آخرين لا يجدون أي ضرر في التعامل مع هذه الفئة والاحتكاك بها قناعة منهم بأنه لا يمكن لأحد أن يختار والديه أو عائلته وإن كانت له حرية الاختيار لاختار أفضل الناس شرفا ونسبا، وقد يلقي الكثيرون المسؤولية على المجتمع الذي لا يتعامل مع الوقائع من باب الخطأ والصواب وإنما من منطلق ما هو متعارف عليه حتى وإن كان خطأ عملا بمقولة (خطأ شائع أفضل من صواب ضائع)·