كثيرون هم النّجوم الجزائريون في عالم المستديرة الذين طوتهم الأيّام وتحوّلوا مع مرور السنوات إلى نكرة، ومن بين هؤلاء نجد أسطورة كرة القدم الجزائرية لعشرية الستينيات حسان لالماس، النّجم الكبير الذي اختير لاعب القرن في الجزائر متفوّقا على أسماء كبيرة في عالم كرة القدم في بلادنا يتقدّمهم كلّ من صاحبي الكرة الذهبية لخضر بلّومي ورابح ماجر ورشيد مخلوفي الذين حلّوا على التوالي خلف حسان لالماس· حسان لالماس ابن حي بلكور العتيق، ابتلاه اللّه تعالى بمرض ألزمه الفراش، فتارة يضطرّ إلى الرّكون في البيت وتارة أخرى في المستشفى. وبين البيت والمستشفى يستعيد لالماس ذاكرة السنوات الكروية الجملية، كيف كان يحمل على الأكتاف من خلال الأهداف الرّائعة التي كان يصنع بها أفراح فريقه الأبدي شباب بلوزداد أو أفراح أنصار منتخبنا الوطني خلال الحقبة التي أعقبت الاستقلال، كيف لا وهو اللاّعب الذي ما يزال يتربّع على عرش أحسن هدّاف في تاريخ نهائيات كأس الجزائر بأحد عشر هدفا، كما أنه اللاّعب الوحيد الذي استطاع تسجيل رباعية كاملة في نهائي واحد· (أخبار اليوم) واعترافا منها بمسيرة هذا اللاّعب الكبير ستغوص في مسيرته الكروية، وسنتعرّف سويا عبر هذه الصفحة الخاصّة على كلّ صغيرة وكبيرة للاّعب الذي مهما كتبنا ومهما أثنينا على خصاله وما قدّمه للكرة الجزائرية فلن نردّ جميله· ولد بالعاصمة يوم 12 مارس 1943 بعد أن تعرّفنا على بعض من إنجازات اللاّعب حسان لالماس وأهمّ الشهادات التي قيلت بشأنه، نعرّج للحديث عن مولده· ولد حسان لالماس بحي بلكور العتيق في الثاني عشر من شهر مارس من عام 1943، أي في زمن الحرب العالمية الأولى، وبما أن تلك السنوات كان فيها الشعب الجزائري يقبع تحت نير المستعمر الفرنسي الغاشم فقد عاني كما عانى الكثير من أبناء الجزائر من الفقر والحرمان· لالماس من أولمبي العناصر إلى شباب بلكور فور استقلال الجزائر انضمّ حسان لالماس إلى فريق أولمبي العناصر الذي تشكّل من نخبة من اللاّعبين الكبار نذكر منهم صاحب أوّل هدف للمنتخب الجزائري بعد الاستقلال عبد الغني زيتوني، وكان يشرف على تدريب الأولمبي آنذاك المدرّب القدير (عمّي إسماعيل خباطو). سجّل حسان لالماس في موسمه الأوّل والأخير مع الأولمبي الكثير من الأهداف، فخلال لقاء الأولمبي بشباب بئر التوتة بملعب هذا الأخير سجّل لوحده تسعة أهداف، أي نصف الأهداف التي شهدتها المقابلة، لكن رغم غزارة الأهداف التي كان يصنع بها أفراح فريقه العناصر إلاّ أنه فشل في نهاية الموسم في ضمان مكانة ضمن أندية القسم الوطني الأوّل الذي تمّ تشكيله والمتكوّن من 16 فريقا· بعد نهاية أوّل موسم رياضي في تاريخ الجزائر المستقلّة، والذي نال لقبه فريق اتحاد العاصمة، انتقل حسان لالماس إلى فريق شباب بلوزداد رفقة العديد من لاعبي العناصر الذين كانوا يشكّلون العمود الفقري لهذا الأخير· أبدع حسان لالماس في فريق الشباب، فبات في زمن قصير جدّا أحد محبّي هذا الفريق الذي كان قد مضى على تأسيسه سنة واحدة فقط. لكن رغم نشأته الجديدة إلاّ أن شباب بلكور وبعد ضمّه لعدد كبير من اللاّعبين الكبار، تمكّن من سرقة كلّ الأضواء من الأندية العاصمية التي كانت تنشط آنذاك ، وفي مقدّمتها فريق البطل الاتحاد وجار هذا الأخير المولودية وحتى من فريق النّصرية الذي كان هو الآخر يضمّ في صفوفه لاعبين ممتازين· سجّل حسان لالماس في موسمه الأوّل مع شباب بلوزداد 18 هدفا، لكن رغم هذا العدد الكبير من الأهداف إلاّ أن ذلك لم يكف الشباب للصعود على منصّة التتويج الوطنية. لكن في المواسم الموالية كانت أهداف لالماس خيرا على أصحاب الزيّ الأحمر والأبيض بحصوله على لقب البطولة الوطنية ثلاث مرّات وأمثالها بلقب كأس الجزائر ولقب كأس المغرب العربي· لالماس وسنوات الحصاد دخل حسان لالماس موسم 65/66 بقوّة، حيث قاد فريق شباب بلكور إلى الفوز في أكثر من لقاء، فكان يجيد تسجيل الأهداف من جميع الزّوايا، كما أن مراوغاته كانت بمثابة سمّ قاتل لكلّ لاعب حاول التصدّي له· تحوّل حسان لالماس في الموسم السالف ذكره إلى محلّ تعاليق وأحاديث الجمهور الرياضي الجزائري، فرغم قلّة وسائل الإعلام مقارنة بأيّامنا هذه إلاّ أن اسم لالماس بات على ألسنة الجميع، فكلّما حلّ فريق الشباب في أيّ ملعب كان إلاّ ويجد لالماس نفسه محاطا بالمئات من المعجبين الذين يريدون أخذ صور تذكارية مع نجم اسمه لالماس· فاز حسان لالماس بأوّل لقب وطني له مع شباب بلكور في صائفة 1965 بتتويج هذا الأخير بلقب البطولة الوطنية. ولم يشكّل هذا التتويج لأصحاب الزيّ الأبيض والأحمر مفاجأة بالنّظر إلى غنى تشكيلة الشباب، والتي كان يقودها بامتياز لاعب بدأ الشعر يتطاير من رأسه ألا وهو حسان لالماس. في العام الموالي قاد لالماس فريق الشباب إلى معانقة الازدواجية البطولة والكأس، فبعد أن حسم الشباب لمصلحته لقب البطولة أضاف لقب الكأس أمام رائد القبّة، وهو اللّقاء الذي سجّل فيه لالماس هدفين وكرّر نفس الإنجاز عام 1970، وقبل ذلك بعام فاز لالماس وشباب بلكور بكأس الجزائر بعد أن تفوّق الشباب في اللّقاء النّهائي على اتحاد العاصمة في لقاء لعب في مرحلتين. سجّل لالماس ثلاثية تاريخية في اللّقاء المعاد بملعب 20 أوت، وما تزال تلك الثلاثية التاريخية منقوشة بأحرف من ذهب في سجِّل كأس الجزائر، حيث لم يتمكّن أيّ لاعب من بعد من معادلة هذا الرّقم· السداسية التاريخية يعدّ موسم 1969/1970 الأحسن في مسيرة اللاّعب حسان لالماس، كيف لا وهو الذي نال مالم ينله أيّ لاعب آخر في الجزائر، فبعد فوزه بلقب البطولة أضاف إلى رصيده لقب كأس الجزائر. وقبل ذلك ببضعة أشهر تمكّن شباب بلوزداد بقيادة الخماسي شنّان وسالمي جيلالي وكالام وعاشور ولالماس بطبيعة الحال من انتزاع كأس المغرب العربي، ليختم إنجازات تلك السنة بانتزاعه لقب أحسن هدّاف وأحسن لاعب في تلك السنة· لكن حتى وإن تراجع مستوى الشباب في السنتين المواليتين إلاّ أن لمعان الفريق بقي متواصلا في المغرب العربي باحتفاظه بالكأس المغربية لمرّتين متتاليتين لتكون من نصيبه إلى الأبد في عام 1972· لالماس في المنتخب الوطني حسان لالماس من الرّيع الأوّل في المنتخب الوطني، حيث كان ضمن أوّل تشكيلة لعبت تحت الرّاية الوطنية، وهذا في مطلع عام 1963 أمام المنتخب البلغاري، تحت إشراف المدرّب (عمّي إسماعيل خباطو)، وهو اللّقاء الذي انتهى بفوز منتخبنا الوطني بهدفين لواحد· دام بقاء حسان لالماس في المنتخب الوطني ثماني سنوات، لعب فيها 73 مقابلة، سجّل فيها 28 هدفا، وبذلك يعدّ ثالث هدّاف للمنتخب الوطني بعد كلّ من عبد الحفيظ تاسفاوت ولخضر بلّومي· ومن بين أهمّ محطّاته الكروية مع المنتخب الوطني دورة أمم إفريقيا التي جرت عام 1968 بإثيوبيا، حيث اختير لالماس أحسن لاعب في الدورة رفقة الإيفواري لوران بوكو بالرغم من إقصاء المنتخب الوطني في الدور الأوّل، وتبقى أهدافه الثلاثة التي وقّعها في تلك الدورة في شباك المنتخب الأوغندي هي الأخرى راسخة في أرشيف الكأس القارّية· وحتى وإن اختير لالماس أحسن لاعب في دورة أمم إفريقيا لعام 1968 إلاّ أن إقصاء المنتخب في الدور الأوّل شكّل ضربة قاسية لصاحب الرّأس الذهبية لالماس، حيث ظلّ يصف تلك المشاركة بواحدة من أسوأ ذكرياته الكروية مع المنتخب· لكن أسوأها تلك التي تعرّض لها منتخبنا الوطني على يد المنتخب التونسي أسابيع قليلة بعد عودته من أديس أبابا، بخروجه من مونديال المكسيك عام 1970 على يد المنتخب التونسي، وهو الإقصاء الذي شكّل حينها صفحة سوداء للكرة الجزائرية بعد الاستقلال بالنّظر إلى العناصر اللاّمعة التي كانت تزخر بها التشكيلة الوطنية التي كان يقودها كلّ من رشيد مخلوفي وحسان لالماس· لكن إذا عدنا إلى بعض من مباريات لالماس مع المنتخب الوطني، تستوقفنا المباراة التي خاضها لالماس عام 1964 أمام المنتخب السوفياتي، بتسجيله هدفا رائعا في مرمى الحارس الأسطورة الرّاحل ليف ياشين، والذي انتهى بهدفين لمثلهما في لقاء احتضنه ملعب 20 أوت العناصر سابقا· اعتزل لالماس اللّعب دوليا عام 1971 وعمره لا يتعدّى الثلاثين، تاركا المجال للاّعبين الشبّان بقيادة بتروني وباشي وفريحة وعطوي وغيرهم من شباب تلك الأيّام· من الشباب إلى النّصرية فإلى اتحاد الصحّة ثمّ الاعتزال بعد أن فعل ما فعله في فريق شباب بلكور، قرّر لالماس الانتقال إلى فريق الجار النّصرية رفقة زميله في الشباب مختار كالام. ولعب لالماس إلى جانب عكّاك والحارس وشّان ونور بن زكري المدرّب الحالي للنّصرية وغيرهم من نجوم الفريق في تلك الحقبة، لكنه لم يكرّر إنجازاته التاريخية مع الشباب، ثمّ قرّر الانتقال إلى فريق اتحاد الصحّة رفقة زميليه في شباب بلوزداد الحارس عبروق ومختار كالام، ليعلن اعتزله الكرة نهائيا عام 1976. لكن حتى وإن اعتزل صاحب الرّأسيات القاتلة إلاّ أن ما تركه فوق الميدان لن يزول ولن يضمحلّ من ذاكرة كلّ من عايش حسان لالماس· سنوات النّسيان.. المرض بعد اعتزاله الكرة بقي لالماس وفيا لرياضته المفضّلة، حيث أسندت له مهمّة تدريب المنتخب الوطني للأشبال عام 1983، وبعد رحيله من المنتخب عمل في المديرية التقنية للمنتخبات الوطنية في نهاية الثمانينيات، لكن وبعد أن لاحظ أن الوسط الكروي بدأ يتعفّن قرّر الابتعاد نهائيا عن عالم الرياضة، بل أكثر من ذلك قرّر مقاطعة الصحافة· تلكم باختصار مسيرة حسان لالماس، تمنّياتنا أن يشفيه اللّه عزّ وجلّ ممّا ابتلاه·