بعد تزايد الوعي بمخاطر مقاهي الأنترنت على نفسيات الأطفال الجزائريين، الذين انجذبوا في السنوات الأخيرة إليها انجذابا أعمى·· أقبلت العائلات الجزائرية إلى طلب المزيد من خطوط النت المنزلي إلى بيوتهم، وذلك لتمكين أبنائهم من الاتصال بالشبكة العنكبوتية ولكن تحت مراقبتهم، وذلك للحد من الآثار السلبية لبعض المواقع، خاصة منها غرف الدردشة التي صارت تعزل الأطفال عن عائلاتهم وتربطهم ربطا قويا بعلاقات وهمية وجعلها بديلا عن علاقاتهم الأسرية· وحسب العائلات التي طلبنا رأيها في الموضوع، فإن إقبالها على طلب خطوط الأنترنت المنزلي له ما يبرره، بل أصبح أكثر من ضرورة بعد أن انتشرت مقاهي الأنترنيت في كل مدينة أو قرية انتشارا كبيرا، اجتذبت إليها عددا غير محدود من الأطفال، بعد أن كان روادها من الشباب فقط· قلقٌ عائلي على أطفالهم وتقول السيدة (ضاوية· ب) من بلدية الجزائر الوسطى: (بالرغم من أن اقتناء الأنترنيت في المنزل يزيد من بعض أعبائي المالية، إلا أني مستعدة لأن أدفع أي مبلغ من أجل أن يستخدم أطفالي الإنترنت أمام عيني، أفضل من أن يستخدموا الإنترنت خارج المنزل)· وتقول السيدة (سهام· ل) إن علب المحادثة صارت بالنسبة إلى ولديها بديلا عن القعدات العائلية وصلة الرحم، وإن ارتباطهم بالأصدقاء والجيران والأقرباء صار ضعيفا، وهذا أمر يقلقني، حتى أنا كثيرا ما أبقى وحدي عندما يكون والدهما غائبا، لأنهما منشغلان دوما بالأنترنت)· أما (فاطمة) وهي أخصائية نفسانية، فتقول إنها تريد أن ترافق ابنها المراهق خلال رحلاته عبر الأنترنت، لأن المراهقين يكونون في أشد مراحل حياتهم حاجة إلى التواصل الأسري والاجتماعي، وفي أحرج مراحل تكوين الشخصية العامة، التي تقوم فيها العلاقة بين الذات والمحيط بما فيه من أشخاص وأشياء وقيم وأفكار· من جهته، قال صاحب مقهى (ايزي سيبر) للأنترنيت، إنه مندهش كثيرا من إقبال الأطفال على الأنترنت ومدى سرعة استيعابهم لطريقة استعمالها، وأكد أنهم يملكون معرفة كبيرة بالمواقع ومختلف التقنيات أكبر من سنهم الحقيقي بكثير·· وكذا عدم وجود مراقبة بها على الأطفال والمراهقين البالغين أقل من 16 سنة· حيث يقول صاحب المقهى المذكور إنه يدهش لرؤيته أطفالا يسهرون أحيانا في مقهاه حتى قرابة منتصف الليل في علب المحادثة، منفلتين تماما عن الرقابة الأسرية، ويستغرب مصدر المال الذي يتمكنون من توفيره كل ليلة، وعن دور بعض العائلات الغائب تماما· الأنترنت وسيلة لاستغلال الأطفال ويصعب على الآباء منع أبنائهم من الاتجاه إلى الأنترنيت، لأن الطفل في العادة يتأثر بما هو موجود في بيئته، ومع توافر أجهزة الحاسب الآلي ومراكز الخدمات التي تقدم خدمة الدخول إلى عالم الإنترنت، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من الكم الهائل من المعلومات، فإن الطفل سينقاد إلى عالم الإنترنت، باعتباره عالما ذا أهمية بالغة· وإضافة إلى المواقع، فإن اكتشاف الأطفال متعة التخاطب عبر علب الدردشة قد زاد من حدة الإقبال على مقاهي الأنترنيت· لكن هل استخدام الأطفال للأنترنت آمن؟ إن الإحصائيات تدلنا على أن هناك من 400 ألف إلى 2 مليون طفل يتم استغلالهم إباحيًا من خلال الإنترنت، وأن هناك أكثر من 100 ألف موقع إباحي يدخله الأطفال، وأن هناك أكثر من 3900 موقع إباحي جديد يوميًا، وهناك جرائم وقعت في حق العديد من الأطفال مرتبطة بمواقع أخذ مواعيد للقاءات الشخصية، بعيدا عن علم الأهل· بديل عن الدفء العائلي الأطفال في النهاية ليسوا سوى أطفالا، لا يمكنهم سنهم ومستوى تجاربهم الذاتية من التنبه إلى الأمر، طالما أنهم يجدون في الإنترنت متعة وتشويقًا من خلال التراسل عن طريق البريد الإلكتروني، والتخاطب مع الآخرين باستخدام غرف التخاطب، كما يبتهجون أيضا الاستكشاف والبحث الذي يوفره الإنترنت بكل حرية وسهولة، لكنهم في الحقيقة يجهلون هوية من يتحدثون إليه، لذلك، فإن الأنترنيت المنزلي هو أكثر من ضرورة، من أجل التمكن من استدراك الأمر أو التهوين منه على الأقل، لأن الأنترنت سيصير جزءا من حياة الأطفال· الكثير من الأطفال صار الأنترنيت أهم لديهم بكثير من التواصل الحقيقي، وذلك بسبب ضآلة مخزونهم العاطفي الأسري والاجتماعي، وفي حالة عدم تفطن الأسرة إلى إدمانهم الدردشة من خلال الشات، فإن الأمر سوف ينتهي بهم إلى تكوين علاقات افتراضية في عالم افتراضي، قد لا يكون أبطاله حقيقيين ما يعني أن الطفل في هذه الحالة لا يكوّن شخصيته على أساس الواقع، بل يضيع ما هو حقيقي من أجل ما هو افتراضي· أطفالنا الجزائريون في خطر ·· إن استخدام الأنترنت المتزايد عالميًا قد جعل الناس -ومنهم الأطفال- أكثر التصاقًا به، فيجعلهم يقضون يوميا ساعات طوال أمام الكمبيوتر، خصوصا مع انتفاء الحرج الاجتماعي أو الضغط النفسي أثناء استخدامهم الشبكة المعلوماتية في صالات الأنترنيت بعيدا عن الأهل، وكذا حرية الدخول لغرفة الدردشة للحديث مع أي كان، عن أي موضوع يريدون، وما يساعدهم في ذلك هو طبيعة الأنترنت نفسها، إنها لا تطلب من مستخدميها الكشف عن هوياتهم الحقيقية، أو أوضاعهم الاجتماعية أو حتى جنسهم (ذكورًا أو إناثا) بالحسبان، ما يوفر غطاء لمستخدمي الإنترنت، وهذا يريح مستخدم الإنترنت ويعطيه هامشًا من الحرية، عكس ما يحدث في العلاقات التي تحدث بين الناس على أرض الواقع· ويكون الأطفال على قدر من السذاجة، بحيث يعطون تفاصيل دقيقة عن شخصياتهم وعن أهاليهم في غرف المحادثة، قد يكون بعضها من الأسرار الواجب حفظها، غافلين عن أن محدثيهم قد يستخدمون أسماء استعارة مختلفة يختبئون وراءها، وهي أسماء عادة تعكس، أو تعاكس، طبيعة المتحدث، كأن يكون ذكرًا ربما يختار اسمًا أنثويًا·· الخ· ولأن الطفل هو من يبني المستقبل، فإن الاحتياط ومراقبة مصادر تغذيته الروحية والثقافية أمر شديد الوجوب، لأن الطفل يتأثر بشكل أو بآخر بطبيعة الرسائل الإعلامية والثقافية والدعائية التي يصادفها سلبا أو إيجابا، بحسب تلك الرسائل وخلفية مرسليها، إذ يتبنى الطفل أمورًا غريبة عن مجتمعه ودينه وهويته ويصعب بعد ذلك التعامل مع الطفل إذا أصبح ذا هوية تختلف عن الهوية التي يراد له تبنيها بحكم طبيعة أهله وذويه ومجتمعه، خصوصا ما تعلق بالدين أو اللغة أو الانتماء· وعدا الهوية، فإن الأنترنيت يقلل من نشاط الفرد ويصرفه عن الحركة التي يحتاجها عادة في التنقل من مكان إلى آخر، كما يعلم أطفالنا الفردية والعزلة وعدم الاختلاط مع الآخرين، مما يؤثر على طبيعة المشاركة الاجتماعية للفرد· ويتسبب أيضا في تأخرهم دراسيًا لكثرة الوقت الذي يقضونه أمام الحاسب الآلي، فيلجأ الطفل إلى الاعتماد على ما تقدمه المواقع جاهزا، بدلا من اعتماده على عقله· منع الأطفال مستحيل·· فما العمل؟ إن منع الأطفال من الاتصال بعالم الأنترنيت أمر صعب لأن ذلك يدفعهم حتما إلى التوجه إلى قاعات الأنترنيت خارج المنزل، حيث تصعب مراقبتهم أكثر أو تنعدم تماما· لذلك، فإن اقتناء الحاسوب والأنترنيت المنزلي لمن استطاع إليهما سبيلا صارا من أهم ضروريات التربية الحديثة، على أن يكون الأولياء ملمين باستخدام الأنترنت لتسهيل مهام المراقبة الكاملة، وأول ما يجب على الآباء فعله هو مشاركة أطفالهم فيما يفعلونه على الأنترنت، وأهم شيء هو مشاركتهم في صداقاتهم، وهو دور مهم طالما أنهم كانوا يشاركون قبلا في تحديد صداقاتهم التي يصنعونها في المحيط الاجتماعي والأسري والمدرسي، وتبيان خطر إعطاء بيانات شخصية عن طريق الإنترنت أو لقاء أشخاص تعرفوا عليهم عن طريق الإنترنت بدون علم أهاليهم، مع فتح حوار متعدد مع الأبناء عن أضرار الأنترنت، علاوة على وضع الحاسب الآلي في مكان واضح في المنزل، وتزويده الآلي بفيلتر خاصة تمنع المواقع السيئة·