عوضت مقاهي الانترنت الكثير من الأطفال والمراهقين وحتى الشباب العاصمي عن المرافق الترفيهية التي يفتقدونها بالعاصمة ،بل وصارت في زمن قياسي تسليتهم الوحيدة تقريبا في زحمة حياة المدينة وضوضاءها ، فوجد فيها الأطفال والمراهقون ملاذا يلجئون إليه بعد ساعات الدروس المنهكة ، في حين بالغ بعض الشباب بارتيادها إلى ساعات متأخرة من الليل ، بل وقضاء ليالي بيضاء داخل محل "سيبر" بمبالغ زهيدة وفرجة ..."باطل" ...ودردشة ....وما خفي كان أعظم . رغم أن أجهزة الكمبيوتر دخلت الكثير من البيوت ومعها الشبكة العنكبوتية ، إلا أن ذلك لم يقلص من نسبة الإقبال على مقاهي الانترنت ليلا أو نهارا لما توفره البعض منها من خدمات لا تتوفر في البيوت ،حيث الرقابة الأسرية والمداخلات سواء كانت عمدية أو عفوية ، لذا تجد أغلبية المراهقين والشباب يفضلون خلوة "السيبركافي " وخصوصيته والتي يزيد الإقبال عليها في ليالي الصيف الحارة ،حيث يقضون ليالي بطولها ساهرين وراء الأجهزة على أضواء خافتة ،بل ويحجب الواحد عن الآخر ستار يتعمد أصحاب هذه المحلات توفيره حتى يأخذ الزبون راحته بالكامل . وتعد الجزائر أربعة ملايين متعامل مع الانترنت وخمسة آلاف مقهى الكتروني حسب الأرقام الرسمية عبر كامل ترابها ،قرابة نصف هذه المقاهي الإلكترونية تتواجد بالعاصمة لوحدها ،وبالذات في الأحياء الشعبية والمكتظة بالسكان وتلك التي تتميز بضيق سكناتها لأنها ضالة شباب هذه الأحياء يقضون فيها أوقات هادئة بعيدا عن الأعين وعن زحام الشوارع .يقول مراد "23 سنة" أحد مرتادي هذه المقاهي ،بل مدمنيها يقطن بحي حسيبة بن بوعلي بالعاصمة :"مقاهي الانترنت صارت الملاذ الوحيد لشباب العاصمة اليوم ،خاصة البطال منه وأنا أحد هؤلاء ، أقضي أوقات لا حصر لها متسكعا بين هذه المقاهي .أدخل إليها مرات عديدة في النهار بحجة فتح بريدي الالكتروني الذي يعتبر الشيء الوحيد الذي يشعرني بأهميتي ، أدخل رغم أنني أكون متأكد سلفا بأنني لن أجد أي جديد يستحق العناء ،...إنه حال الكثير من البطالين أمثالي أو "المغرومين" الذين لا يضيعون أية فرصة لإرسال الرسائل عبر البريد الإلكتروني لأنه أقل كلفة ووسيلة أكثر تطورا . وأنا واحد من الشباب الذين يملكون عشرات العناوين الإلكترونية إلى درجة أنني أنسى بعضها وأهملها حتى تقفل ."ويضيف مراد :"تشهد مقاهي الانترنت في الصيف إقبالا منقطع النظير ،خاصة في الليل حيث يتعود شباب العاصمة على قضاء الليالي البيضاء مقابل 100دج لا غير . وعن العلاقات التي يربطها الشباب عبر الشبكة العنكبوتية قال مراد : "أحد أصدقائي ويدعى جمال تزوج عن طريق الانترنت ، فقد تعرف على فتاة عبر الدردشة الإلكترونية لمدة شهور وبعد أن التقيا كان اتفاقهما أسهل وكأنهما قد تعارفا فعليا خلال تلك الفترة وتزوجا وكونا أسرة سعيدة بعد أن رزقا بطفلهما الأول "فاتح" وبعد قصة صديقي الذي تمكن من الزواج عن طريق الانترنت لم أعد أستبعد نجاح أية قصة حب من هذا النوع فكل شيء قسمة ونصيب قبل كل شيء ،..المهم أن تبنى على الصدق وتجنب الكذب على الطرف الآخر من باب التباهي أو الإيقاع بالآخر فقط ..وهذا مثل ما يحدث في الانترنت يحدث في واقع الحياة وهو راجع للأخلاق لا إلى وسيلة الاتصال " مخالفات أخلاقية يشجعها أصحاب المقاهي الإلكترونية يتعمد أصحاب مقاهي الانترنت التغاضي عن السلوكيات غير البريئة لبعض الشباب ،خاصة إذا كانوا من زبائنهم الأوفياء وممن يدفعون ثمن هذه المخالفات الأخلاقية نقدا بعيدا عن أعين الرقباء .بل ويتواطئون معهم في كل ما يقترفونه بدءا من إدمان المواقع الإباحية إلى اصطحاب الصديقات والتخفي بهن وراء الستار خاصة في أوقات الظهيرة ووقتما سمحت الظروف . ومثل هذه الممارسات شاعت مؤخرا في العديد من المقاهي التي لا يهتم أصحابها إلا للمد خول المادي حتى ولو وصل بهم الأمر لاقتراف جرائم أخلاقية إذا تعلق الأمر مثلا بولوج أطفال صغار لعالم المواقع الإباحية والدردشات الخطيرة والممنوعة التي توقع بهم في حبال شبكات خطيرة أو أشخاص منحرفين وما أكثرهم على أيامنا . وفي هذا الإطار ذكر المرصد الوطني لحقوق الطفل بأن 72 بالمائة من الأطفال المستجوبين في إطار دراسة قدمها حول الموضوع يتجولون عبر مختلف مواقع الانترنت دون رقابة .و86 بالمائة منهم يسمح لهم أوليائهم بالتوجه إلى مقاهي الانترنت بمفردهم ،بينما يحظى 33 بالمائة منهم بها في البيت .و66 بالمائة منهم يسمح لهم أوليائهم بالذهاب إلى بيوت أصدقائهم للإبحار في عالم الانترنت بحجة إنجاز البحوث .وهذه الحرية سهلت على 55 بالمائة من المستجوبين بالتوجه إلى الدردشة الإلكترونية . في حين ربط 35 بالمائة منهم علاقات عبر الشبكة . وبينما صدم 46 بالمائة منهم بصور لا أخلاقية تلقى 30 بالمائة منهم عروضا للتعارف أو إقامة علاقات مشبوهة .فالانترنت بالنسبة للبعض وسيلة إدمان جنسي وولع بالمواقع الإباحية،خاصة وأن غرف الدردشة تستقطب شريحة المراهقين أكثر من غيرهم من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى شباب ال30 عاما . تحولت هذه الغرف بالنسبة إليهم إلى وسيلة سهلة لتفريغ الطاقة الجنسية في ظل الغياب التربوي للأسرة ،وقد يتطور الأمر وتتحول المحادثات إلى علاقات مباشرة بعد فترة . "شبكات بيدوفيليا عبر الانترنت " والجدير بالذكر أن المخاطر التي تحدق بالأطفال عبر الانترنت لا تخف حتى عنهم اليوم ،والأخطر أن جلهم يتكتمون عما يتعرضون له من عروض وتحرش جنسي من طرف بعض المنحرفين والشواذ الذين يصطادون فرائسهم من الصغار الذين ينساق بعضهم وراء الهدايا والوعود البراقة . في حين يمكن الجزم بأن الأغلبية واعون لهذه الأخطار و حتى ولو كانوا يرفضون الحديث عنها مع الكبار فهم يتحدثون عنها فيما بينهم ،خاصة بعد مسلسل اختطاف الأطفال الذي عاشته الجزائر قرابة عامين وكانت وراء جل الحالات شبكات أو بعض المنحرفين .ومن أخطر ما يعترض الأطفال في مواقع الدردشة هو انتحال الكبار لشخصيات الصغار من أجل الإيقاع بهم والدخول إلى عالمهم بسهولة .يقول عبد الصمد :" عرض أحدهم على صديقي المشاركة في مباراة لكرة القدم بعد أن لاحظ عشقه للكرة المستديرة ، لكنه حينما توجه إلى المكان الموعود لم يجد شيئا من ذلك والطفل الذي حدثه على أن عمره لا يتجاوز الرابعة عشر كان في السابعة والعشرين . وحاول استدراجه إلى أحد البيوت المهجورة لولا أنه استغاث بالمارة ولم يثق فيه . " ويبدو أن مثل هذه الحكايات صارت واردة ولكثرتها صارت مألوفة لدى الأطفال والمراهقين إلى درجة التحصين ،خاصة إذا اقترن ذلك بالتوعية الصحيحة من طرف الأولياء وحتى المدرسين الذين عليهم مواكبة تطورات العصر وعدم الاكتفاء بالمقررات الجامدة . "ضرة في البيت ...وخيانة مقنعة " تشتكي بعض الزوجات من وجود ضرة في البيت تتمثل طبعا في جهاز كمبيوتر وشبكة عنكبوتية تسمح لأزواجهم بالإبحار عبرها كلما سمحت لهم الفرصة .والدردشة مع صديقات تفصلهم عنهن في بعض الأحيان البحار والمحيطات ، وحتى وإن كان الأمر مجرد تسلية في أحيان كثيرة ، إلا أنه يصنف تحت مسمى جديد يدعى الخيانة الإلكترونية ، ويحدث ذلك بكثرة حين تنشغل الزوجة بأعباء البيت أو حين نشوب الخلافات الزوجية .وكأن هذه الأخيرة تحولت إلى وسيلة هروب من الواقع لذا لا تتردد الزوجات عن تسميتها بالضرة لأنها صارت تقاسمهم الزوج واهتمامه في بيت واحد ، بل أنها تتحول إلى ضرة فعلية كلما تعلق الأمر بالخيانة الزوجية عبر الشبكة وهو أمر وارد وكثير الحدوث بين الأزواج اليوم إلى درجة أن الإنترنت أصبح العدو الأول لاستقرار الحياة الزوجية، فبسببه صارت الخيانات الزوجية أكثر سهولة إذ يكفي أن تضغط على زر الكمبيوتر لتبدأ مغامرات الأزواج ، مغامرات صغيرة و مثيرة مع صديقة أو عشيقة فبإمكانهم أن يتلاقوا معها ويتحدثوا إليها ويناجوها دون أن يتحركوا من مكانهم باختصار صارت الخيانة على الإنترنت حقيقة واقعة لدرجة أنها أصبحت الظاهرة الأكثر شيوعا بين الأزواج وحتى الزوجات . والمعروف عن المتزوجين عموما أنهم نادرا ما يسعون وراء علاقة واحدة أو عميقة، ولكن لا مانع لديهم من تكوين علاقات متعددة غير محدودة وعابرة، ويمكن أن يدمنوا هذا النوع من العلاقات خاصة إذا انعدمت مساحات الحوار والحلم في حياتهم مع زوجاتهم الحقيقيات. ولكن النتائج غالبا ما تكون سيئة بسبب هذه اللعبة الطائشة والحوارات العابثة التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة. ويحلل هذه الظاهرة علماء النفس والاجتماع بالتأكيد على أن المتزوجين يلجئون إلى الإنترنت للبحث عما يفتقدونه في حياتهم العادية مثل المسحة الرومانسية، ونجد هؤلاء يلجئون لرسائل البريد الإلكتروني، والبعض يبحث عن المغامرة والإثارة والإباحية في المواقع الساخنة، ولكن إدمان الأزواج لهذه الأفعال يعود إلى خلل في العلاقة الزوجية خاصة على مستوى المشاعر.