رحلتنا عبر دهاليز البطولة الأوروبية تتواصل، فبعد أن تعرّفنا في حلقة أمس على دورتي 1960 و1968، واللتين توّج بلقبهما كلّ من إسبانيا وإيطاليا سنتعرّف في حلقة اليوم على دورتي 1972 و1976. مع تعاقب الدورات يرتفع عدد المنتخبات المشاركة في التصفيات، فبعد أن توقّف العدد في تصفيات البطولة الأولى عند الرّقم 17 وصل العدد في البطولة الموالية عام 1964 إلى 29 منتخبا، ليرتفع العدد في البطولة الموالية عام 1968 إلى 31 منتخبا، ليصل العدد في البطولة الرّابعة التي نحن بصدد سرد حكايتها إلى 33 منتخبا بعد إعلان مشاركة كلّ من سان مارينو وقبرص. وقد وصف الاتحاد الأوروبي للّعبة ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة في التصفيات بمثابة انتصار للكرة الأوروبية وللبطولة ككلّ، والتي باتت تهدّد عرش كأس العالم، وهو الكأس الذي شهد قبل بطولة 1972 وصول ثلاثة منتخبات أوروبية إلى المربّع الذهبي في دورة المكسيك عام 1970، لكن قوّة البرازيل مكّنت زملاء الجوهرة السوداء من قهر الثلاثي الأوروبي ممثّلا في إنجلترا وإيطاليا وألمانيا الرّضوخ للأمر الواقع وعاد اللّقب العالمي للبرازيل بفوزه في اللّقاء النّهائي على اإطاليا. الدورة الخامسة يوغسلافيا 1972: ألمانيا لأوّل مرّة حافظت البطولة الرّابعة وللمرّة الرّابعة على التوالي على نفس نظام البطولة في الدورات الثلاث الأولى، حيث أقيمت بنظام خروج المغلوب. أسفرت قرعة تحديد المجموعات الثمانية عن مباريات البعض منها وصفت بالانتحارية للمنتخبات الكبيرة. فعلى سبيل المثال وصيف مونديال 1970 بالمكسيك المنتخب الألماني وجد نفسه في مجموعة قوية، حيث لعب زملاء القيصر فرانس بيكنباور إلى جانب كلّ من تركيا وألبانيا وبولونيا. الأقوياء يواصلون تقدّمهم إضافة إلى المنتخب الألماني الذي كسب ورقة تأهّله إلى الدور ربع النّهائي، تأهّل إلى الدور ربع النّهائي كلّ من إنجلترا التي حقّقت تأهّلاً عصيبا على حساب السويسريين، الهولنديون سقطوا أمام اليوغسلافيين، تشيكوسلوفاكيا على يد رومانيا، بلجيكا على يد البرتغال، السوفيات على حساب الفرنسيين، اليوغسلاف على حساب ألمانياالشرقية والمجريون على حساب السويديين. منشّطا نهائي مونديال 1966 وجها لوجه جرت مواجهة الذهاب بملعب (وامبلي) الشهير، هونيس أعطى شون التقدّم في الشوط الأوّل وكان الردّ من فرانسيس لي قبل النّهاية بعشر دقائق، إلاّ أن توغّلا معتادا من غرابوفسكي وهو لاعب من أصول بولونية في الدقيقة ال 84 أهدى مولر الفرصة لإحراز هدف من (ماركة) ال 180 درجة المعتاد في شباك بانكس، قبل أن يطيح مولر نفسه بأحلام إنجلترا في الدقيقة ال 88 من ركلة جزاء، وبنتيجة مذهلة لألمانيا انتهت بها هذه المباراة التي ثأر الألمان من خسارتهم لمونديال 1966 بطريقتهم الخاصّة، الطريقة الألمانية. مباراة العودة انتهت دون فائز، نتيجة مكّنت المنتخب الألماني من بلوغ المحطّة ما قبل الأخيرة بجدارة واستحقاق. "الشياطين الحمر" يزيحون البطل والرّوس يطيحون باليوغسلافيين في المباريات الثلاث الأخرى تمكّنت منتخبات الاتحاد السوفياتي والمجر وبلجيكا من مرافقة ألمانيا إلى الدور نصف النّهائي، الأوّل حجز مقعده على حساب بطل الدورة الأخيرة إيطاليا، والثاني على حساب يوغسلافيا، وبذلك فشل هذا الأخير في الثأر لخسارته لنهائي الطبعة الأولى بملعب بارك دو برانس بباريس عام 1960، فيما بلغ الثالث المنتخب المجري المحطّة ما قبل الأخيرة على حساب الدانمارك. المنتخب البلجيكي أو (الشياطين الحمر) كما أطلق عليه بداية من إزاحتهم لوصيف آخر مونديال آنذاك، شكّل بداية حقبة جديدة في تلك المرحلة للمرّة الأولى في تاريخهم بإزاحتهم حامل اللّقب الإيطالي بعد تسجيل أوّل مشاركة للاعب إيطالي شابّ يدعى فابيو كابيللو في مباراة العودة في أندرلخت، إلاّ أن هذه العودة لم تمنع سقوط فريقه بالهزيمة (2 - 1) أمام رفاق فان موير وفان هيمست. وببلوغ النّهائي منتخبات ألمانيا والسوفيات والمجر وبلجيكا اكتملت هوية أضلاع المربّع الذهبي. ألمانيا تطيح بمنظّم البطولة بلجيكا في الرابع عشر من شهر جوان 1972 لعبت المباراة الافتتاحية بين مستضيف البطولة بلجيكا بالمنتخب الألماني بملعب بوسيل بمدينة أنتوارب، أمام مدرّجات مكتظة عن آخرها. بعد 24 دقيقة من البداية أمام بلجيكا يمكن رؤية الحضور في ملعب أنتويرب وهم يشهقون من رؤية الألماني مولر قصير القامة وهو يخطف برأسه كرة عرضية خبيثة من نيتسر يودعها المرمى بعذوبة شديدة، كرّرها بالتسلّل من خلف دفاع أصحاب الأرض، مستلما كرة (خبيثة) مماثلة من نيستر في الدقيقة ال 71 قضت فعليا على أمر صعود الألمان إلى النّهائي الأوّل في تاريخهم رغم عودة البلجيك في النتيجة بهدف شرفي من نجم (الشياطين) أوديلون بوينيوي. السوفيات يكسبون قمّة المعسكر الشرقي ساعة بعد بلوغ ألمانيا المحطّة النّهائية على حساب بلجيكا، انطلقت المباراة الثانية بين الاتحاد السوفياتي والمجر بملعب إيميل فيرسي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، وانتهى لمصلحة الرّوس بهدف يتيم وقّعه اللاّعب أناتولي كونكوف في لقاء شهد ندية كبيرة وتنافسا شديدا، ابتسم فليه الحظّ للمنتخب الذي لم يغب عن النّهائيات الثلاثة السابقة. النّهائي.. ثلاثية "الجرمان" يطيحون بالسوفيات وينتزعون أوّل كأس وحده مولر أزال الشكوك بعد 27 دقيقة من السيطرة الكاملة على مجريات اللّقاء، مستغلاًّ عدم تحكّم الحارس الرّوسي رودكوف في تسديدة رائعة من فيمر، ليودعها ثعلب البايرن سهلة في المرمى الخالي. لم يكن هناك ردّ سوفياتي حتى منتصف الشوط الثاني، لم يكن هناك الكثير يمكن فعله في وجود خطّ وسط يمثّله هونيس ونيتسر وهانيكس وفيمر، ذلك الأخير الذي تسلّم تمريرة بديعة من بيكنباور في الدقيقة ال 52، وبعد ستّ دقائق كان مولر يتقدّم في هجمة منظّمة بين نيستر والمدافع (المندفع) شفارتسنبيك، وصلت في النّهاية إلى مولر الذي وضعها في مرمى رودكوف المسكين، مجهزا تماما على نتيجة اللّقاء في أكبر فارق أهداف في مباراة نهائية عرفتها أيّ بطولة أمم أوروبية على الإطلاق. جيرد مولر عامل الخراطة السابق والمهاجم الذي توقّع له الكشّافون ومدرّبو الأندية الصغرى أن تكون نهايته في ورش الخراطة مرّة أخرى كان ينظر إلى بينكباور وهو يرفع أوّل كأس مهمّة لألمانيا خلال ال 18 عاما الأخيرة، هو نفسه بيكنباور الذي أعرب عن غضبه الشديد كقائد للفريق بعد تقدّم الأتراك في كولن، إنه في بروكسل الآن ينظر إلى الثعلب القصير تلك النّظرة التي تعني (ما هو قادم سيكون أفضل). الدورة الخامسة - يوغسلافيا - 1976: التشيكيون يكسبون معركة الحرب الباردة أمام الجرمان بانتهاء مباراة ألمانيا على مالطا اكتمل عقد المنتخبات المتأهّلة إلى الدور ربع النّهائي، ويتعلّق الأمر بكلّ من الاتحاد السوفياتي وألمانياوهولندا ويوغسلافيا وبلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وبلاد الغال وإسبانيا. يوغسلافيا تفوز بتنظيم البطولة لأوّل مرّة منذ انطلاقة البطولة يسند إقامتها إلى بلد شيوعي، لا من المعسكر الشرقي ولا من الغربي، يوغسلافيا إحدى الدول التي كانت تفضّل الانحياز فكانت من بين الدول التي ساهمت في تأسيس منظّمة دول عدم الانحياز. حدّد تاريخ إقامة البطولة في الفترة ما بين 16 جوان 1976 إلى 20 جوان من نفس السنة، بمشاركة أربع منتخبات، ويتعلّق الأمر بكلّ من البلد المنظّم يوغسلافيا وهولنداوألمانيا وتشيكوسلوفاكيا. لأوّل مرّة منظّم البطولة والبطل وجها لوجه بعد بلوغ منشّطي نهائي مونديال ألمانيا عام 1974، والذي عاد فيه اللّقب العالمي إلى ألمانيا بهدفين لواحد توقّع الكثيرون أن يلتقي هذان المنتخبان في الدور نصف النّهائي، لعلّ وعسى يثأر زملاء نيسكنز من ألمانياالغربية يحرمونهم من الدفاع عن تاجهم الأوروبي، لكن هذا لم يحدث. فالقرعة أرادت عكس ما أراده عشّاق هذه البطولة، فجاءت مباريات البطولة بملاقاة يوغسلافيا مستضيف البطولة بحامل اللّقب المنتخب الألماني، فيما التقى المنتخب الهولندي بالمنتخب التشيكسلوفاكي. الانطلاقة.. وحل زغراب يغرق هولندا أمام التشيك قبل انطلاقة مباراة هولندا وتشيكوسلوفاكيا بساعة دخل مدرّبا المنتخبين إلى أرضية ملعب ماكسيمير، كان بانينكا مدرّب التشيك يرى قسمات وجه منافسه جورج كنوبل المدير الفنّي الهولندي في اضطراب شديد، وهو يتفّقد ملعب زغراب غارقا في الأمطار التي مازالت تهطل على أرض. انطلقت المباراة أمام جمهور متوسّط، 19 دقيقة فقط من شيبوهو ما كان جبلاً يتوجّب تسلّقه بالنّسبة لأسماء مثل كرويف ورينزينبرينك ونيسكنز، إلاّ أن أملا ضئيلا تسرّب بطرد التشيكي بولاك بسبب الإنذار الثاني عرف مفعوله في الدقيقة ال 73 مع توغّل للهولندي الخطير خييلز من الجهة اليمنى، أنهاه بكرة عرضية استقبلها أوندروش في شباك حارسه إيفو فيكتور. ثلاث دقائق أخرى حتى كان كنوبل يعيش الكابوس مجدّدا بطرد نيسكنز ببطاقة حمراء مباشرة، ليقضي المنتخب البرتقالي الذي كان المرشّح الأوفر للفوز وقتاً عصيباً خلال الشوطين الإضافيين، للقاء لم يحسمه فعليا سوى ذلك التوغّل لفرانتشيك فيسيلي من الجبهة اليمنى، ليرسل عرضية متقنة على رأس نيهودا في الدقيقة ال 114، وهو ما يعني استسلاما ضمنيا هولنديا بصعود التشيكيين، والذين لم يرغبوا في وضع حبّة الكريز على واحد من أفضل عروضهم في السنوات الأخيرة بهدف رائع من فيسيلي قبل النّهاية بدقيقتين، مراوغا الحارس الهولندي بيتر شرايفرز كرة القدم التشيكية التي لم تعرف بريقا منذ صعودها إلى نهائي مونديال 1962، كان لزاما عليها السفر لملاقاة مرشّح غربي آخر تصادف أنه حامل اللّقب وبطل العالم، المنتخب الألماني. البطل يقصي أصحاب الأرض لأوّل مرّة في تاريخ البطولة يلتقي في لقاء الافتتاح منظّم البطولة بحامل اللّقب، يوسلافيا بألمانيا. المنتخب الألماني كان من أفضل متسلّقي الجبال في كرة القدم العالمية، وهو الذي حطّم أسطورة منتخب الأحلام هولندا في نهائي كاس العالم عام 1974. رغم عاملي الأرض والجمهور الذي فاق عدده ال 55 ألف متفرّج بملعب بلغراد الأولمبي، تمكّن أبطال العالم وحامل لقب الدورة الأخيرة من إزاحة يوغسلافيا من بلوغ ثاني نهائي لهم بعد نهائي عام 1960 بفرنسا. فقد استطاع زملاء بيكنباور إلحاق شرّ هزيمة بيوغسلافيا، حيث حوّل الألمان تأخّرهم بهدفين في نصف الساعة الأوّل إلى فوز (4 - 2) بعد وقت إضافي، منها ثلاثة أهداف لديتر مولر نجم كولن الشابّ في مباراته الدولية الأولى مع بلاده، والذي كان على وشك إعلان خلافته لجيرد مولر. النّهائي.. التشيكون يجرّدون "الجرمان" من تاجهم القارّي في السابع عشر جوان 1976 وبملعب بلغراد وأمام حوالي 25 ألف متفرّج دارت المباراة النّهائية بين حامل اللّقب ألمانيا بالمنتخب التشيكي، وهو أوّل لقاء يجمع الفريقين في تاريخ البطولة. ألمانيا سبق لها وأن فازت بالكأس عام 1972، فيما لم يسبق للمنتخب التشكي وأن ذاق حلاوة التتويج، الأمر الذي جعل من مستوى المباراة قمّة في الإثارة والتنافس. المنتخب التشيكي بقيادة نجمه الكبير آلانينكا بتمريراته القاتلة وسرعته في التحوّل من الدفاع للهجوم تقدّموا بهدفين قبل أن يعادل الألمان النتيجة، ليلجأ المنتخبان إلى الوقت الإضافي الذي لم يغيّر من المباراة شيئا، ليبتسم الحظّ في نهاية المطاف للتشيكيين. تمّ تنفيذ الرّكلات الثماني الأولى بدقّة كبيرة بواقع أربع ركلات ناجحة لكلّ فريق، حتى في وجود حارسين رائعين مثل ماير وفيكتور، حتى جاء الدور على أولي هونيس الذي أرسلها في السماء للحدّ الذي دفعه بعد ثلاثين عاما للسخرية معلّقا على ركلته بقوله: (لقد ذهبت بعيدا للحدّ الذي جعلهم يكتشفون مكانها خلال حرب البلقان في التسعينيات)، كانت ركلة مهدرة حصلت على قبول واسع من الجمهور الذي شاهد للمرّة الأولى دراما ركلات الترجيح على هذا النّحو، ركلة بإمكانها أن تحدّد مصير بطولة، ركلات لها شريرها الخاص وربما لها بطلها، هذه المرّة قد يكون صاحب الرّقم 7 الذي تقم بحماس شديد وكأنه كان ينتظر تلك اللّحظة منذ طفولته.